طالما تغنى الرماثنة بتراثهم الجميل الذي توارثوه عن اباءهم واجدادهم ، وكثيرا ماكان المستمع للغناء الرمثاوي بمختلف انواعه يظن انه يستمع الى كلام غريب يكاد لا يفهمه
، وذلك لإبتعاد الاجيال شيئا فشيئا عن ماضيها ، وتناسيها للموروث الشعبي الجميل الذي يمثل عاداتنا وتقاليدنا وماضينا ، والحقيقة ان الموروث الشعبي ماهو الا نتاج طبيعي لاحداث وعادات يومية ، ووقائع كانت تحدث في ازمان متعاقبة ، واكثر مايهمنا من الحديث في هذا الموضوع هو الجوفية التي تعد من اجمل واصعب وارقى ما قيل في مجال التراث الشعبي حيث كانت تعد الجوفية وكالة الانباء التي تنقل الاخبار والاحداث الى الاخرين ، ومن ثم الى الاجيال المتعاقبة .
وغالبا ما تغنى الرماثنة بالجوفية عادة في صفين متقابلين من الرجال يبدأ القول الصف الذي يقوده اكبرهم او احفظهم بالقصيد ، ثم يرد عليهم الصف الاخر بمثل ما قالوه ، وهكذا حتى نهاية القصيدة ، وتتكون الجوفية عادة من قصائد شعبية ونبطية ، تتحدث عن عادات ومكارم وبطولات الواقع الذي كان يعيشه القوم . ونكاد نجانب الحقيقة اذا ادعينا اننا نعرف اول من قال الجوفية ، مع ان اسمها يدل على انها تنطلق اصلا من منطقة الجوف في نجد ، حيث عُرف عن النجديون سابقا ولعهم بالشعر وكثرة شعرائهم النبطيون الذين كانوا يترجمون الاحداث شعرا ويدونوها في قصائدهم للتنقل بها بين القبائل والامصار ، لإخبار الناس بما يجول حولهم من احداث ووقائع .
والجوفية منتشرة في الكثير من مناطق شرق الاردن كما هي منتشرة في مناطق حوران في سوريا حيث يعتبر الاردن امتدادا طبيعيا وديمغرافيا لسوريا الطبيعية مما ينعكس على طبيعة المورثات الشعبية والعادات والاحداث المتصلة والمترابطة .
اما حديثا ومع التقدم التقني وتنوع مصادر الاخبار، والاعلام ، والتسلية ،والغناء الحديث ، والتغير الكبير الذي اصاب عاداتنا وتقاليدنا ، فلم يعد لتلك الموروثات من يذكرها بل اصبحت في غياهب النسيان ، وما عادت تتردد في المناسبات والافراح ، بل ان الكثيرين مما كانوا يحفظونها قد تواروا عن وجه البسيطة ، واصبح من المستحيل تجميع وتوثيق هذه الموروثات ، مع ان القليل منها مازال في جوف بعض ابناءنا المتعلقين بتراثهم وهويتهم .
ولا يمكننا ان ننكر ان هناك محاولات كثيرة قام بها بعض المجتهدين لاعادة الاعتبار للتراث الا ان تلك المحاولات كانت منقوصة ولم تكتمل ، نظرا للصعوبات التي واجهها مثل هؤلاء من حيث السرد الشفهي للموروث ، وتباين الروايات حول نفس الموضوع ما ببن الرواة من كبار السن ، وقلة ما هو مدون عند المهتمين ، الا اننا مازلنا نعقد الامل على الكثيرين للعودة الى مناهل التراث في مدينتنا الحبيبة ، والالتفات الى اهمية هذا المبحث ، انصافا للرمثا ولأهلها ، وللمخزون التراثي الغني الذي تتوفر عليه مدينتنا الحبيبة . وللحديث بقية .