-4-
تركت وجهي على منديل أمّي
و حملت الجبال في ذاكرتي
ورحلت ..
كانت المدينة تكسر أبوابها
و تتكاثر فوق سطوح السفن
كما تتكاثر الخضرة في البساتين التي تبتعد
إنني أتكيء على الريح
يا أيتها القامة التي لا تنكسر
لماذا أترنح؟.. و أنت جداي
و تصقلني المسافة
كما يصقل الموت الطازج وجوه العشاق
و كلما ازددت اقترابا من المزامير
ازددت نحولا ..
يا أيتها الممرات المحتشدة بالفراغ
مت أصل؟..
طوبى لمن يلتف بجلده!
طوبى لمن يتذكر اسمه الأصلي بلا أخطاء !
طوبى لمن يأكل تفاحة و لا يصبح شجرة
طوبى لمن يشرب من مياه الأنهار البعيدة
و لا يصبح غيما!
طوبى للصخرة التي تعشق عبوديتها
و لا تختار حرية الريح !..
5
أكلما وقفت غيمة على حائط
تطايرت إليها جبهتي كالنافذة المكسورة
ونسيت أني مرصود بالنسيان
وفقدت هويتي؟
إنني قابل للانفجار
كالبكارة..
وكيف تتسع عيناي لمزيد من وجوه الأنبياء؟
إتبعيني أيتها البحار التى تسأم لونها
لأدلك على عصا أخرى
إنني قابل للأعجوبة
كالشرق..
أنا حالة تفقد حالتها
حين تكفّ عن الصراخ
هل تسمّون الرعد رعدا والبرق برقا
إذا تحجّر الصوت، وهاجر اللون؟!
أكلما خرجت من جلدي.
ومن شيخوخة المكان
تناسل الظلّ، وغطاني..ظ
أكلما أطلقت رياحي في الرماد
بحثا عن جمرة منسيّة
لا أجد غير وجهي القديم الذي تركته
على منديل أمي؟
إنني قابل للموت
كالصاعقة..
6
أشجار بلادي تحترف الخضرة
وأنا أحترف الذكرى
والصوت الضائع في البرية
ينعطف نحو السماء، ويركع:
أيّها الغيم! هل تعود؟
لست حزينا إلى هذا الحدّ
ولكن ،لا يحب العصافير
من لا يعرف الشجر،
ولا يعرف المفاجأة
من اعتاد الأكذوبة
لست حزينا إلى هذا الحد
ولكن، لا يعرف الكذب
من لم بعرف الخوف
أنا لست منكمشا إلى هذا الحد
ولكن الأشجار هي العالية.
سيداتي، آنساتي، سادتي
أنا أحبّ العصافير
وأعرف الشجر
أنا أعرف المفاجأة
لأني لم أعرف الأكذوبة.
أنا ساطع كالحقيقة والخنجر
ولهذا أسألكم:
أطلقوا النار على العصافير
لكي أصف الشجر.
أوقفوا النيل
لكي أصف القاهرة.
أوقفوا دجلة أو الفرات أو كليهما
لكي أصف بغداد.
أوقفوا بردى
لكي أصف دمشق !
واوقفوني عن الكلام
لكي أصف نفسي..