غدر الشيعة بأهل السنة عبر التاريخ
غدر ابن العلقمي بالخليفة العباسي المستعصم
لم يكن للخليفة العباسي سلطة فعلية أو قوة حقيقية، وكانت الوزارة في عهده للوزير الشيعي ابن العلقمي الذي أشار عليه بتسريح قسم كبير من جيشه، فقطع المال عن الجند، مما اضطرهم إلى الرحيل عن العراق، وأصبح عدد أفراد الجيش أقل من عشرين ألفاً بعد أن كان يبلغ مائة ألف [[1]].
وتذكر المصادر أن ابن العلقمي تواطأ مع هولاكو وشجّعه على احتلال بغداد، وأنه كان يرسل الرسل سراً إليه ليطلع المغول على عورات الخليفة وضعف الخلافة، ويهون من شأنها ليسهل لهم فتح بغداد. كما تذكر هذه المصادر أنه لما حاول الخليفة أن يستعد لملاقاة جيش العدو قطع ابن العلقمي أرزاق الجند، وثبّط همة الخليفة، وصرفه عن الاستعداد لملاقاة جيش العدو بحجة أنه رتّب شؤون الصلح، إلى آخر هذه الحيل التي انخدع بها الخليفة حتى سقطت بغداد لقمة سائغة في أيدي المغول [[2]].
ولهذا كافأه هولاكو بأن نصبه وزيراً. وفي هذا يقول ابن طباطبا: "فإن السلطان هولاكو لما فتح بغداد، وقتل الخليفة، سلم البلد إلى الوزير، وأحسن إليه وحكّمه" [[3]].
ويبدو أن الوزير ابن العلقمي كان يعرف جيداً نفسية الخليفة المستعصم الذي كان شديد البخل، يكنز الأموال، ويقيم وزناً كبيراً للدينار والدرهم، ولا يصرف الأموال في شؤون الدفاع، وتشجيع الجنود وحثهم على مواجهة الأعداء. وقد استمر هذا العيب لاصقاً به حتى في أحرج الأوقات عندما قدم هولاكو بجيوشه الجرارة إلى خرسان، وصار يهدد دولته بالفناء [[4]].
وفي هذا الشأن يقول ابن شاكر الكتبي بأن المستعصم لم يكن على ما كان عليه والده وجده من اليقظة والهمة، بل كان قليل الخبرة والتدبير، نازل الهمة، محباً للمال، مهملاً للأمور، يتكل فيها على غيره [[5]]. وقال الذهبي عنه: "فيه لين وقلة معرفة" [[6]]. وقد بلغ ضعف الهمة بالمستعصم إلى الحد الذي جعله يقول لمن حذره من اقتراب المغول: "أنا بغداد تكفيني، ولا يستكثرونها علي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد، ولا أيضاً يهجمون علي وأنا بها وهي بيتي ودار مقامي" [[7]].
وفي يوم الحادي عشر من المحرم سنة 606هـ (1258م) أحكم المغول الحصار حول مدينة بغداد، واستمر حتى نهاية هذا الشهر. وفي خلال تلك الفترة كانوا يطلقون يد التخريب في المدينة، ويفتحون الأبراج حتى استولوا بهجماتهم على القسم الشرقي من الحصينات [[8]].
وقد حاول الجيش الصغير الذي أعده الخليفة بقيادة مجاهد الدين أيبك (الدواتدر الصغير) وسليمان شاه أحد قواد المستعصم المشهورين أن يحول دون استقرار المغول في أماكنهم، فكان مصيره الهزيمة المنكرة، إذ قُتل عدد كبير من الجنود لقوا حتفهم على يد المغول، فلم يسع مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه إلا أن يذهبا إلى الخليفة على أثر هزيمتهما وأخبراه بما حدث، وأفهماه أنه لا طاقة لمن بقي من جيش المسلمين مع قلة عددهم على الصمود أمام المغول البالغ عددهم مائتي ألف (200,000) جندي أو ما يزيد على هذا العدد. ولهذا فهما يقترحان على الخليفة نقل خزائنه ونسائه في سفينة عبر نهر دجلة، حتى يصل إلى البصرة ليقيم في إحدى الجزائر هناك [[9]].
لكن الوزير ابن العلقمي خدع الخليفة وأقنعه بأنه لا داعي للانتقال، لأنه مهد طريق الصلح، وسوف يأتيه هولاكو والمغول طائعين منقادين. فخرج ابن العلقمي إلى هولاكو، فتوثق منه لنفسه وعاد إلى المستعصم أخبره بأن هولاكو سيبقيه في الخلافة كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوج ابنته من ابنه أبي بكر، وحسّن له الخروج إلى هولاكو، فخرج من بغداد ومعه أبناؤه الثلاثة. فلما وصلوا إلى هولاكو لم يبد أثراً للغضب، بل أخذ يلاطفهم ويطيب خاطرهم ثم طلب إلى الخليفة أن ينادي في الناس بإلقاء أسلحتهم والخروج من المدينة لإحصائهم. فلما ألقى الناس أسلحتهم وخرجوا قتلوا جميعاً. أما الخليفة وأولاده وكل ما يتعلق به فقد وضعوا في معتقل محاذ لباب كلواذي، وكان الخليفة يرى أنه هالك لا محالة [[10]].
بعد ذلك أمر هولاكو بردم الخنادق، وهدم أسوار المدينة، كما أمر بإقامة جسر على نهر دجلة. وفي يوم 7 من صفر أعلن الهجوم العام على المدينة، فاستباحها المغول، فخربوا المساجد بقصد الحصول على قبابها المذهبة، وهدموا الصور بعد أن سلبوا ما بها من تحف نادرة، وأباحوا القتل والنهب وسفك الدماء، وكان استهتارهم بالنفوس قد بلغ حداً فظيعاً، إذ يروى أن أحدهم دخل زقاًقاً وقتل أربعين طفلاً. ويقدر المعتدلون من المؤرخين عدد القتلى بنحو مليون وثمان مائة ألف (1,800000) نسمة [[11]].
أما الخليفة فقد وضع في جولق، وقيل في غرارة ورفس بأرجل الخيل حتى مات، ودفن وعفي أثر قبره [[12]].
[1]ابن الوردي: تتمة المختصر في أخبار البشر، ج 2، ص 243. وابن تغري بردي: النجوم الزاهر، ج 7، ص 48.
[2]الذهبي: دول الإسلام، ج 2، ص 156. وأبو الفداء: المختصر في أخبار البشر، ج3، ص 193-194. والمقريزي: كتاب السلوك، ج 1، ص 501. وابن خلدون: العبر، ج 3، ص 537. والسيوطي: تاريخ الخلفاء، ص 428.
[3]الفخري في الآداب السلطانية، ص 338.
[4]فؤاد عبد المعطي الصياد: المغول في التاريخ، ص 201.
[5]فوات الوفيات، ج 2، ص 231. وأبو الفدا: المختصر، ج 3، ص 194.
[6]دول الإسلام: ج 2، ص 146.
[7]ابن العبري: تاريخ مختصر الدول، ص 255.
[8]رشيد الدين الهمداني: جامع التواريخ، ج 1، (الإيلخانيون: تاريخ هولاكو)، ص 29، (الترجمة العربية).
[9]فؤاد عبد المعطي الصياد: المغول في التاريخ، ص.ص 263-264، (نقلا عن الجوزجاني: طبقات ناصري، ص 427)، مصنف باللغة الفارسية.
[10]أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر، ج 3، ص 194، والذهبي: دول الإسلام، ج 2، ص 160، وابن الوردي: تتمة المختصر في أخبار البشر، ج 2، ص 283.
[11]الذهبي: دول الإسلام، ج 2، ص 120. والديار البكري: الخميس، ج 2، ص 376.
[12]ابن الفوطي: الحوادث الجامعة، ص 357.
منقول