لو التي تفتح عمل الشيطان

يظن البعض أن "لو"، مكروهة على اطلاقها لحديث لقول النبي الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان"[1]، وهذا خطأ منهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أي "لو" هي المكروهة بقوله "لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا"، فهي التي يتسخط بها على القدر وهي الدالة على عدم الرضى بقضاء الله، فـ "لو" قد تتعلق بالمستقبل وهي للتمني أو قد تتعلق بالنصح والندب أو التوعد أو الماضي من تسخط على الحوادث والأقدار.

فإن هي تعلقت بالمستقبل كأن تقول لو أصبحت لأرحلن أو تقول لو كان لي مال لفعلت به كذا، فهذه لا حرج في ذاتها ولكن الحرج في المقصود بها فإن كان القائل لو أني لي مالا لفعلت كذا وقصد حراما كانت حراما وأثم، يقول صلى اللله عليه وسلم "مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله فينفقه في حقه ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل ما لهذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الوزر سواء"[2]، فدل هذا على أن لو هذه حكمها حكم ما نويَ بها.

وإن هي تعلقت بالنصح فحكمها حكم ما نوي بها أيضا كأن تقول لأحدهم لو كنت مكانك لفعلت كذا من الخير أو كذا من الشر أو أن تقول لأحدهم لو أنك آمنت فلك الجنة أو أن تقول لمن فعل شيئا مفضولا لو أنك فعلت كذا لكان أفضل أو لكان خيرا لك، تقوله ناصحا له تندب إليه الخير أو تنبهه إلى خير فاته أو شر وقع فيه فلا شيء فيها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم العرق فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا"[3]، وقال صلى الله عليه وسلم "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا"[4].

وإن هي تعلقت بالتوعد كانت بحكم نوعه فإن كان ظلما فهو حرام وإن كان عدلا فلا شيء فيه، كأن تقول لأحدهم لو أنك سرقت لتقطعن يدك فهذا توعد بما شرعه الله من حد السرقة وتهيب له، أو تقول لو أنك عصيتني لأقتلنك فهذا من الجور لأن الله ما جعل القتل إلا قصاصا أو حدّا، وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال "من سَرَّهُ أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن"[5].

وإن هي كانت للماضي من تسخط على الحوادث والأقدار فهي حرام وهي التي في الحديث لما فيها من عدم رضا بقضاء الله وقدره وتسخط على مشيئته وقال بعض العلماء أنه نهي تنزيه لألا يكون هذا مدخل للشيطان يقدح به في رضا العبد بما قدره الله، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت"[6]، على أنه ليس كل "لو" متعلقة بالماضي منهي عنها ولكن التي يعرف منها التسخط على قضاء الله والنقمة عليه أو يعرف منها أنا قد توصل إليه من اعتماد على الأسباب وترك للتوكل فتلك تقدح في الإيمان، وهي أغلب ما تكون في فوات حظ أو مكسب من مكاسب الدنيا، أما التي فيها تندم على فوات طاعة أو فعل معصية أو ضياع خير فلا شيء فيها بل هي من علامات التوبة، والله أعلم.

جزاك ربي كل خير

اشكر لكم مروركم الغالي شرف لي ان ارى ردكم يتالق ويضيء مقالي

هلا يا رائع