القراءات القرآنية.. إشكالية النقد قراءة في كتاب السبعة لابن مجاهد*
( 1 )
نَقَدَ: كـ(نَصَرَ)، والنَّقْدُ والتَّنْقَادُ: تَمييزُ الدراهم، وإخراجُ الزَّيْفِ منها، وإِعطَاؤُكَهَا إنسانًا، وأَخْذُهَا: الانْتِقَادُ، ونَاقَدْتُ فُلانًا إذا نَاقَشْتُهُ في الأَمْرِ. ونَقَدَ الشيءَ يَنْقُدُهُ نَقْدًا: إِذَا نَقَرَهُ بِإِصْبَعِهِ، كما تُنْقَرُ الجَوْزَةُ. ونَقَدَ الطَّائرُ الفخَّ يَنْقُدُهُ بِمِنْقَارِهِ: أي يَنْقُرُهُ، والمِنْقَادُ: مِنْقَارُهُ. ونَقَدَ الرجلُ الشيءَ بِنَظَرِهِ يَنْقُدُهُ نَقْدًا، وَنَقَدَ إِلَيهِ: اخْتَلَسَ النَّظَرَ نَحْوَهُ، وما زال فلانٌ يَنْقُدُ بَصَرَهُ إلى الشَّيءِ: إذَا لَمْ يَزَلْ يَنْظُرُ إِلَيهِ، وقد جاء في الأثر: "إِنْ نَقَدْتَ النَّاسَ نَقَدُوكَ، وَإِنْ تَرَكْتَهُمْ تَرَكُوكَ"([1]) أي: إن عبتهم واغتبتهم قابلوك بمثله([2]).
فالدلالة المعجمية لمصطلح (النَّقْد) تسمح بأن يحمل ما عناه علماء النحو والقراءات من مصطلح (نقد القراءات) بأنها كانت موضع نظر، وتأمل، ومراجعة، وتمييز جيدها من رديئها، ولم يكن مصطلح (النَّقْد) متناصا مع البحث عن العيوب والمثالب، ولم يكن القصد من مصطلح (نقد القراءات) رفض القراءة وعدم قبولها، فـ(نقد القراءات) هو إعمال الفكر فيها اختيارا، وترجيحا، وتقوية، وتضعيفا، بمبررات وحجج علمية، تنطلق من ثوابت الإيمان بتواتر القرآن، وسلامته من أي نقص، ولا تتأسس على مبدأ الشك في هذه الثوابت، كما قد يتوهم ذلك الانفعاليون.
و(القُرْآن) في اللغة: من قَرَأ، يَقْرَأُ، ويَقْرُؤُ، قَرْءًا، وقِرَاءَةً، وقُرْآنًا.. ومعنى (القُرْآن): الجَمْعُ، وسُمّي قُرآنًا؛ لأنّه يَجْمَعُ السُّوَرَ فَيَضُمُّهَا، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ) ([3]) أي: جَمْعَهُ وقِرَاءَتَهُ، (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ) ([4]) أي: قِرَاءَتَهُ. و(قَرَأْتُ) الشّيءَ (قُرْآنًا): جَمَعْتُهُ، وضَمَمْتُ بَعْضَهُ إلى بَعْضٍ، ومعنى (قَرَأْتُ القُرْآنَ): لَفَظْتُ به مَجْمُوعًا. ورُوِي عن الشّافعي أنه كان يقول: (القُرْآن) اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من (قَرَأْتُ)؛ ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل، ويهمز (قَرَأْتُ)، ولا يهمز (القُرَان). وقال ابن الأثير: الأصل في لفظة (القُرْآن): الجمع، وكُلُّ شيءٍ جَمعتَهُ فقد قَرَأْتَه، وسُمّي (القُرْآن) لأنه جَمَع القِصَصَ، والأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والآيات، والسور، بعضها إلى بعض، وهو مصدر كالغُفْرَان والكُفْرَان([5]).
وقد حاول كثيرون من علماء التراث الإسلامي([6]) الوصول إلى صياغة تعريف جامع مانع محكم للقرآن، فجمعوا صفاته، وخصائصه، المتميز بها عن غيره، ورصفوها في أبنية سردية، وقفت عند حدود ملامحه الخارجية، ولم تتسلل إلى أنسجته اللغوية، أو بنياته الدلالية، فاقتصرت تعريفاتهم على حشد المصطلحات: (الكتاب- المعجز- المنزل على محمد- المتلو- المتواتر - المكتوب في المصحف -...) إلى غير ذلك من الملامح الظاهرية لهذا الكتاب العظيم الخالد، ولعل التعريف الذي انتخبه علي الجرجاني يعكس ظاهرية هذه المحاولات، ويبرز المهابة التي حالت دون التسلل إلى أبعد من الوصف الشكلاني للقرآن، حيث القُرْآن هو: "المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلا متواترا، بلا شبهة"([7]).
ويجري على (القِرَاءَة) في اللغة ما جرى في لفظ (القُرْآن)، فـ(القِرَاءَة) مفرد: القراءات، وهي مصدر سماعي لـ(قرأ)، لكنها تفترق عن لفظ (القُرْآن) في اصطلاح علوم القرآن والقراءات، فما القراءات إلا علم "به يعرف كيفية النطق بالقرآن"([8])، وبهذا العلم "يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض"([9])، وهي أيضا " مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم، مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف، أم في نطق هيآتها"([10]).