[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]في تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر السبت، كشف الصحفي الأمريكي بوب وودورد سر المكالمة الهاتفية التي أوصلت الأمريكيين إلى مخبأ أسامة بن لادن في بلدة أبوت آباد
الباكستانية، ومن ثم قتلهم له يوم الاثنين الماضي.
يقول وودورد إن المكالمة بدت للوهلة الأولى وكأنها كأي مكالمة هاتفية عادية وبريئة.
ففي السنة الماضية، تلقى أحد المقربين من بن لادن، ويُعرف باسم أبو أحمد الكويتي، وتقول الاستخبارات الأمريكية إنه كان المراسل الرئيسي لزعيم تنظيم القاعدة، مكالمة هاتفية من صديق قديم سأله فيها:
"أين أنت؟ لقد افتقدناك. كيف حال الحياة معك؟ وماذا تفعل هذه الأيام؟"
وقد جاء رد الكويتي غامضا ومبهما، وإن تضمن بعض الدلالات الهامة، إذ قال: "لقد عدت إلى الأشخاص الذين كنت أعمل معهم من قبل."
يصمت الرجلان قليلا، وبعدها يرد المتصل على صديقه الكويتي قائلا له: "ربنا يسهِّل"، وكأنه عرف أن صديقه عاد إلى العمل مجددا مع بن لادن، وربما مع الدائرة الضيقة المقربة منه، وقد يكون في تلك اللحظة موجودا إلى جانبه.
وتتلقف الاستخبارات الأمريكية المكالمة "الكنز"، فتعلم أنها بلغت "لحظة هامة" في رحلة البحث عن بن لادن، والتي استغرقت قرابة عقد من الزمن.
ويبدأ عملاء الاستخبارات الأمريكية على الفور تعقب مصدر الكالمة، ليقودهم البحث في نهاية المطاف إلى بلدة أبوت آباد الواقعة على بعد حوالي 23 ميلا شمال العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وبالتحديد إلى ذلك المجمَّع السكني غير التقليدي بأسواره المرتفعة والأسلاك الشائكة التي تحيط بها.
وينقل وودورد عن مسؤول أمريكي بارز، ومطَّلع على على عملية تجميع المعلومات الاستخباراتية التي مهَّدت لتنفيذ الغارة على المجمَّع السكني الذي كان يقبع بن لادن بداخله، قوله: "كان ذلك هو الوقت الذي بدا فيه تعقُّب بن لادن."
وبرغم التحفُّظ لدى بعض مستشاري الرئيس الأمريكي باراك أوباما على إصداره أمر مهمة محفوفة بالمخاطر تقضي بأسر أو قتل بن لادن، إلا أن الخطة مضت قدما وتم وضع الكثير من الموارد البشرية والوسائل التقنية المتطورة بين أيدي القائمين على تنفيذها، الأمر الذي مكنهم من تحقيق الهدف المنشود في نهاية المطاف.
ومن الأمور اللافتة التي يكشف عنها المسؤولون الأمريكيون أن الكويتي، أو أي شخص آخر في المجمَّع، كانوا يغادرون المنطقة إلى مسافة حوالي 90 دقيقة بالسيارة عندما يودون إجراء أي مكالمة هاتفية، وذلك قبل حتى أن يضعوا بطارية الهاتف المحمول داخل الجهاز وتشغيله، وذلك كإجراء احترازي للالتفاف على أي محاولة للمراقبة الإلكترونية أو التنصت على المكالمات.
يقول المسؤولون الاستخباراتيون الأمريكيون إنهم تمكنوا من رصد رجل كان يظهر باستمرار ليتمشى في فناء المجمَّع السكني، حيث كان يزرع البهو ذهابا وإيابا لحوالي الساعة أو الساعة ونصف كل يوم تقريبا، وقد راحوا يطلقون عليه تسمية "الرجل ذي الخطوات المنتظمة".
إلأ أنهم لم يتمكنوا من تحديد ملامح الرجل بشكل واضح، بما في ذلك طوله، إذ ترددوا باستخدام وسائل مراقبة أكثر تطورا خشية كشفها، وبالتالي انفضاح أمر المهمة.
كما أن الرجل "الغامض" لم يغادر المجمَّع قط منذ بداية عملية المراقبة، "وكأن سلوكه يشير إلى أنه ليس مجرَّد شخص لا يرغب بمغادرة المكان فحسب، بل بدا وكأنه أشبه ما يكون بالسجين".
ورووا كيف أن أسئلة شتى بدأت تراودهم، من قبيل: هل هذا الشخص هو بن لادن؟ أم هل هو طعم، أم خديعة؟
ويرصد لنا وودوورد الخيارات العدة التي كانت مطروحة أمام أوباما وفريق مستشاريه لاستهداف المجمَّع، حتى قبل أن يتأكدوا بشكل جازم من أن ساكنه هو فعلا بن لادن.
ومن بين تلك الخيارات كان إطلاق صاروخ عليه من طائرة بدون طيار من طراز "بريداتور" أو "ريبر"، أو اقتحام المبنى في خطة ميدانية تنفذها القوات الخاصة في ما عُرف لاحقا باسم "خيار ماكفرلن"، نسبة إلى ويليام ماكفرلن، قائد العمليات الخاصة المشتركة الأمريكية لمدة ثلاثة أعوام.
ويشير التحقيق إلى أن مستشاري الأمن القومي في إدارة أوباما لم يكونوا مجمعين على التوصية بالمضي قدما بتنفيذ "خيار ماكفرلن" ذاك، إذ لم يوافق الرئيس الأمريكي على الشروع بتنفيذ العملية سوى في الساعة الثامنة والدققة العشرين من يوم الجمعة الذي سبق تنفيذها.
ومن الأوقات العصيبة التي مرت على فريق القوات الخاصة المعروفة باسم "سيلز" كانت تلك اللحظة التي توقفت فيها المروحية التي تقلهم، وهي من
ماذا دار بالمكالمة التي كشفت مخبأ أسامة بن لادن؟
سر المكالمة التي قادت إلى مخبأ بن لادن والشبكة التي أمنت له الحماية
طراز "بلاك هوك"، عن العمل وتعطلها ليُجبر بالتالي عناصر القوة على التخلي عن خطة الهبوط على سطح المبنى، ويضطروا لمهاجمته من على الأرض.
والآن، وبعد تنفيذ العملية بنجاح منقطع النظير، يقول وودورد، فإن الخبراء والمسؤولين المختصين يعكفون حاليا على فحص وتحليل العديد من الأقراص الصلبة لأجهزة الكمبيوتر والأقراص المدمجة وكروت الذاكرة والفلاشات (يو إس بي) بحثا عن معلومات عن تنظيم القاعدة، لا سيما تلك المتعلقة بمكان أيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم، ورقم هاتفه.
والأمر الذي يخشاه الخبراء الآن هو أن يتسبب استخدام كلمات سر خاطئة بمسح المعلومات الرقمية الموجود على تلك الأقراص أو الفلاشات والشرائح.
ويختتم وودورد تقريره بتصوير ما جرى داخل غرفة العمليات في البيت الأبيض مساء الأحد، حيث راح الرئيس وفريق الأمن القومي التابع له على مشاهدة شريط الفيديو الذي يصور الغارة على المجمَّع.
ويتوقف وودورد عند وصف لحظة عرض جثة بن لادن، حيث طُلب من أحد عناصر القوات الخاصة أن يتمدد إلى جوارها على الأرض لمقارنة طول الجثة، وكان طول عنصر القوات الخاصة ستة أقدام، فيما كان طول الجثة أكثر بعدة بوصات.
ولدى نقل تلك المعلومة إلى الرئيس، التفت أوباما إلى مستشاريه وقال متسائلا: "لقد تبرعنا لهذه العملية بمروحية قيمتها 60 مليون دولار، ألم يكن باستطاعتنا شراء شريط قياس؟!"