المسجد أصبح معلقًا في الهواء بعد أن أذاب الاحتلال الإسرائيلي كل الصخور الموجودة أسفل المسجد باستخدام المواد الكمياوية، هكذا أطلق الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي، قاضي قضاة فلسطين تحذيرًا قويًا، لعله يلاقي صدى عند المسلمين الذين نسوا قضية المسجد الأقصى، وغفلوا عنها في غمرة الأحداث الملتهبة على أرض غزة، وما تلاها من تهديدات صهيونية بإعادة الكرة مرة أخرى، أطلق الشيخ صيحته الأخيرة بعد أن وصلت التهديدات الإسرائيلية وعبثهم بأساسات المسجد لدرجة شديدة الخطورة، ولم تسبق من قبل، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة، هل سيهدم الصهاينة المسجد الأقصى؟
لاشك أن حلم كل يهودي على وجه الأرض هو هدم السجد الأقصى وإقامة ما يسمونه معبد الهيكل مكانه، ولكن هذا الحلم أخذ شكلاً تخطيطيًا، سار بالتوازي على طريقين، أولهما ما سعت إليه الجماعات الصهيونية، وخاصة شديدة التطرف منها، مثل جماعة [ جوش إيمونيم] ومعناها كتلة الإيمان، وجماعة التاج الكنهوي، وجماعة الاستيلاء على الأقصى، وغيرها من الجماعات التي قامت وظهرت للوجود على خلفية واحدة وبهدف واحد هو هدم المسجد الأقصى، هذه الجماعات التي تزيد على الثلاثين جماعة تعمل بمنتهى الجد من أجل هدم المسجد الأقصى، ومنذ استيلاء اليهود على القدس سنة 1967 ميلادية، وأعضاء هذه الجماعات يخططون لهدم الأقصى، وبلغت محاولاتهم خلال الستينات ستة محاولات، أخطرها حادثة حرق المسجد الأقصى سنة 1968ميلادية، على يد الأسترالي دنيس مايكل، وفي السبعينات بلغت المحاولات أربعة، لترتفع إلى خمسة وثلاثين محاولة في الثمانينات، ومع دخول الألفية الثالثة وإقدام النجس المفلوج شارون بتدنيس المسجد الأقصى، تسارعت وتيرة التهديدات، وأخذت الاعتداءات تدخل طور التحضير النهائي لعمل شامل ضد المسجد الأقصى، وذلك بالتوازي مع الطريق الثاني للإجهاز على المسجد الأقصى، وهو طريق الحفريات.
مؤامرة الحفريات:
اتبع اليهود سياسة ممنهجة ومنتظمة تجاه الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى وذلك لهدفين رئيسين، أولهما إثبات أكذوبة اليهود وأسطورتهم بوجود آثار لهيكل سليمان تحت المسجد الأقصى، ثانيهما وهو الأهم خلخلة أساسات المسجد ومن ثم انهياره وسقوطه تلقاء نفسه، وقد مرت مؤامرة الحفريات أسفل المسجد الأقصى بعشر مراحل هي:
1ـ المرحلة الأولى وهي بعد حرب يونية مباشرة، فقد هدم اليهود حي المغاربة الوقفي نهائيًا لتكون الأرض جاهزة لأي أعمال حفر وتنقيب.
2ـ المرحلة الثانية وفيها استمرت عمليات الهدم في الأحياء السكانية، وفيها وقعت حادثة حرق المسجد الأقصى، وجرت الحفريات على امتداد 80 مترًا حول السور مرورًا بالأبنية الإسلامية هناك.
3ـ المرحلة الثالثة خلال الأعوام 1970ـ 1972، وفيها بدأ شق الأنفاق تحت أسوار المسجد من جانبيها الجنوبي والغربي، حتى نفذت إلى الأرضية الداخلية تحت الساحة الداخلية للمسجد، تم الاستيلاء على أبنية إسلامية كثيرة منها مبنى المحكمة الشرعية.
4ـ عام 1973 وفيها اقتربت الحفريات من الجدار الغربي للمسجد وتغلغلت مسافة طويلة تحته ووصلت أعماق الحفريات وقتها إلى أكثر من 13 مترًا.
5ـ المرحلة الخامسة عام 1974، وفيها توسعت الحفريات مسافة طويلة تحت الجدار الغربي أيضًا الذي ركز عليه اليهود بعد دراسة هندسية لأقرب سبل هدم المسجد.
6ـ المرحلة السادسة 1975ـ 1976، وفيها توسعت الحفريات حول المسجد أكثر فأكثر، وأزال اليهود مقبرة للمسلمين تضم رفات العديد من الصحابة منهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهما.
7ـ المرحلة السابعة 1977، وفيها وصلت الحفريات تحت مسجد النساء داخل المسجد، وتمت موافقة لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع بضم أقسام أخرى من الأراضي المجاورة للمسجد وهدم ما عليها بعمق تسعة أمتار.
8ـ المرحلة الثامنة 1979، وفيها بدأت الحفريات تقترب من جدار البراق، وتم شق نفق واسع وطويل ـ وتقرر الاستمرار فيه حتى يخترق المسجد الأقصى من غربه إلى شرقه، وقد تم تحصين هذا النفق بالأسمنت المسلح، وأقيم فيه كنيس يهودي، افتتحه رئيس الدولة العبرية ورئيس وزرائه سنة 1986.
9ـ المرحلة التاسعة 1986، وفيها استشرت الحفريات من كل جانب، وتم إجلاء أعداد كبيرة من سكان القدس القديمة، واغتصاب الكثير من أملاك المسلمين، واستوطن المفلوج شارون في إحداها تأكيدًا على تهويد القدس، وشارك في هذه الحفريات علماء آثار أجانب استقدمتهم إسرائيل، ودفعت لهم مبالغ كبيرة ليدلوا بشهادات يثبتون فيها كذبًا وزورًا أن أرض المسجد الأقصى بها بقايا آثار يهودية.
10ـ المرحلة العاشرة والتي انطلقت مع الألفية الجديدة بكل شراسة، وازداد التوغل تحت أرضية الساحات وبدأت التصدعات والشروخ في الظهور هنا وهناك، آخرها التصدع الذي حدث في مدرسة الأنروا مؤخرًا، وتم عمل نفق ضخم تحت الأرض، وفتح اليهود طريقًا جديدًا للحفر من ناحية باب الغوانمة.
هذه المؤامرة التي تم طبخها على نار هادئة ومنذ أربعين سنة وزيادة قد دخلت الطور النهائي، والفوضى الكبيرة التي تجتاح العالم الإسلامي من أقصاه لأدناه، والأخطبوطية الأمريكية المتشعبة في العراق وتركيا وغيرها من دول الخليج، من قبل أفغانستان وباكستان، مع حالة التناحر والتشرذم الداخلي الذي عليه الدول العربية التي انشغلت في الآونة الأخيرة في رمي بعضها بعضًا بشتى التهم من تخوين وعمالة والتطلع للزعامة والطائفية وجبن وتخاذل، كل هذه الظروف تصب في صالح المخطط الصهيوني لهدم المسجد الأقصى، ولكن المسلمين قادة وحكومات، وجماعات وأفرادًا، لا يشعرون بقرب هذه المصيبة العظمى التي لو وقعت، لباطن الأرض عندها خير من ظهرها.
المتآمرون جادون، والظروف مهيئة جدًا، والنصوص الشرعية لا يوجد بها ما يبرهن على استحالة حدوثه، وردود أفعال المسلمين تم دراستها جيدًا، ومصدر القوة المتمثل في المقاومة قد تم محاصرته، ووضعه في زاوية الدفاع، وجماهير المسلمين سيكتفون بالصراخ والتظاهر، والحكومات ستكتفي بالشجب والإدانة، إن هي حتى فعلت ذلك، والغرب والهيئات الدولية سيكتفون بطلب ضبط النفس والجلوس للتفاوض، وأما الصادقون والمخلصون فسيموتون كمدًا وحسرة تنصدع لها أفئدتهم.
فهل يفعلها اليهود وينتقمون من هزيمة غزة المريرة، بإذلال الأمة بأسرها، وذلك بهدم المسجد الأقصى؟