شروط الإنتخابات الحقيقية
تنظم بلادنا كل خمس سنوات انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة تؤسّس عليها السلطة مشروعيتها وتعتبر نفسها تحكم باسم الشعب استنادا على النتائج التي تصرّح بها إثر عملية انتخابية غير نزيهة وغير شفافة تحصل في ظل مناخ عام يتسم بانغلاق سياسي من أبرز مظاهره:
احتكار السلطة الحاكمة على مدى نصف قرن لكل مجالات الحياة العامة ورفضها المتعنت لكل إصلاح جدي، رغم ما ترتب عن ذلك انعكاسات سلبية في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
عزوف المواطن عن الشأن السياسي العام نتيجة ما يشاهده من محاصرة للرأي المخالف وتجريم العمل المعارض وخنقه، ومن تهميش مخطط وإقصاء مستمرّ للقوى الحيّة من مواطن القرار.
وفد برز هذا العزوف خاصة من خلال نسبة المشاركة المتدنية في جل الإنتخابات السابقة التي اتسمت كلها بغياب الشروط الدنيا للشفافية والنزاهة والحرية، ممّا أدّى إلى التلاعب المفضوح بصندوق الاقتراع على الرغم من النتائج الرسمية المضخمة جدا والمنافية للحقيقة، وهو ما أفقد الإنتخابات كل مصداقية وحوّلها إلى مجرّد طقوس تقتصر على احترام شكليات التوقيت والتنظيم.
إن ما سبق يؤكد ضرورة الإصلاح العاجل ويدفع إلى اعتبار فرصة الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة سنة 2009 محطة مشتركة للجميع للعمل من أجل تحقيق انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة ويتطلب ذلك إلتقاء كل القوى الوطنية المعنية بالتغيير وبدون أيّ إقصاء من أجل تحقيق الإنتقال الديمقراطي عبر النضال المشترك من أجل تجسيم الفعلي للشروط الدنيا للإنتقال الديمقراطي عبر انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة. وتفترض هذه الشروط:
I. فيما يتعلق بحرية الانتخابات:
يتطلب ذلك تحقيق شروط دنيا تتعلق بالمناخ العام وهي:
إصدار عفو تشريعي عام وإطلاق سراح المساجين السياسيين وإيقاف المحاكمات السياسية الصريحة والمقنعة منها عبر التوظيف المستمر للقضاء. وهو ما من شأنه أن يعيد إلى كافة ضحايا القمع حقوقهم المدنية والسياسية ويبعد شبح الخوف عن المواطن و يدفعه للمشاركة في الحياة العامة.
رفع كل الحواجز أمام ممارسة حرية الإعلام والسماح بإنشاء مؤسسات إعلامية جديدة للمعارضة والمستقلين وكل من يرغب في ذلك من المواطنين وفق قوانين واضحة لا لبس فيها، تنزع عن وزير الداخلية (وهو خصم وحكم) سلطة القرار المطلق في الشأن الإعلامي وإلغاء القانون المتعلق بتجريم الدعوة إلى المرشحين عبر القنوات التلفزية الأجنبية.
رفع المحاصرة المنهجية الأمنية اللاقانونية عن الأحزاب والجمعيات والإعتراف بمن سبق له أن تقدّم بطلب من الأحزاب والجمعيات للحصول على رخصة العمل القانوني.
ضمان حياد الإدارة.
تمكين جميع الأحزاب على قدم المساواة من التمويل العمومي بقطع النظر عن صفتها البرلمانية من عدمها.
II. نظام الاقتراع
إلغاء نظام التصويت الحالي على كافة القائمة المغلقة في التشريعية وإدراج مبدأ النسبية وإلغاء مبدأ المحاصصة المعمول به.
III. فيما يتعلق بنزاهة الانتخابات وشفافيتها
يتطلب ذلك تعديل الإطار القانوني للإنتخابات (الدستور والمجلة الانتخابية) بإدخال إصلاحات جوهرية من أهمّها:
إنشاء هيئة وطنية قارة رئيسها مستقل وممثلة لجميع الحساسيات تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية بمقتضى قانون المالية لها لجان قارة في كل ولاية، وتكون صلاحياتها الإشراف على القائمات الإنتخابية وعلى العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها وتتولى البت في الترشحات والإعلان عن نتائج الفرز والنتائج النهائية.
نزع جميع الصلاحيات المتعلقة بالانتخابات عن المجلس الدستوري وإسناد صلاحيات النظر في الطعون للمحكمة الإدارية.
تنقيح الدستور بما يضمن حرية ومصداقية الترشح للانتخابات الرئاسية بعيدا عن الشروط التعجيزية الحالية ويغلق الأبواب بصفة فعلية أمام الرئاسة مدى الحياة.
إلغاء القانون المتعلق بتجريم الدعوة إلى مرشح في القنوات التلفزية الأجنبية.
فتح وسائل الإعلام السمعية البصرية أمام الجميع على قدم المساواة مع إلغاء كل أشكال الرقابة.
إلغاء الإيداع القانوني للوثائق والمواد الانتخابية وتكريس حريتها من حيث الشكل والمضمون والتوزيع.
تقليص عدد مكاتب الاقتراع طبقا للمعايير الدولية (نحو 2000 ناخب مرسم في كل مكتب) بما يضمن إمكانية رقابة فعلية للانتخابات.
تولي الهيئة الوطنية للانتخابات الإشراف على الانتخابات واختيار رؤساء مكاتب الاقتراع بما يضمن الحياد والتمثيلية.
اعتماد ورقة واحدة للتصويت تتضمن كل المرشحين (صورهم وأسمائهم وألوان قائماتهم) ويتولى الناخب وضع علامة أمام المرشحين الذين يختارهم.
تكريس مبدأ سرية الاقتراع بالتأكيد على ضرورة الدخول للخلوة واعتبار ورقة من لا يدخل الخلوة أو من يختار مرشحه أمام العموم ملغاة حينا ولا توضع في الصندوق.
يتم الفرز إثر انتهاء وقت الاقتراع بالمكتب ويكون علنيا بحضور كل من يرغب من الناخبين والمواطنين والصحافيين والمراقبين ويصرّح كل مكتب بنتائجه حينا إثر نهاية عملية الفرز. وتكون محاضر الفرز ممضاة من طرف جميع أعضاء المكتب، وتسلم نسخة لجميع ممثلي القائمات بالمكتب للاحتجاج بها عند الحاجة. ويسلم أعضاء المكتب الصندوق مختوما مع محضر جلسة إلى اللجنة الجهوية المشرفة على الانتخابات. وتلتزم الإدارة بضمان مرافقة أعضاء المكتب صحبة الصندوق والمحضر إلى مقر اللجنة الجهوية.
تجريم التزوير بعقوبات جزائية مع الحرمان من الحقوق المدنية والسياسية.
التوقف عن استعمال المال العام والإمتيازات اللاقانونية لشراء الذمم واستعمال أجهزة الدولة لترهيب الخصوم السياسيين.
ضمان مراقبة نزيهة لصيرورة كامل العملية الانتخابية من قبل كل من يرغب من الأطراف المحلية ومن هيئات دولية مختصة ذات مصداقية.