فضيحة مجلة سيدتي - مجلة المرأة العربية
20 نيسان (إبريل) 2010 ... مجلة سيدتي العدد الجديد - مجلة سيدتي العدد الاخير - مجلة سيدتي الطرب - الفن - اغاني - البومات.
المقالة منقولة عن مجلة سيدتي
حين تلتمع عيناك بالحب يقولون فضيحة، حين تكتبين ما يحلو لك يقولون فضيحة، حين تضرعين أمام الله أن يمسخك طيرًا أبيضَ هائمًا في ملكوته يقولون: «طول عمرها متهورة ومجنونة، والآن تريد تلويث سمعة العائلة».
وحين أكتب أنا مثل هذا الكلام الذي يشبه الشعر وما هو بشعر، يقولون: «ما باله يشرق ويغرب ولا يقول مثل خلق الله ما يريد أن يقوله ببساطة ودون لفٍّ ودوران؟ إن منْ يكتب هذا يفضح نفسه».
أقول لهم: «يا سادتي، في بلادنا رنة العود فضيحة، صيحة الكروان في الجو فضيحة، الجمال عيب والحسن حرام والحرية قلة حياء، والوداعة قلة حيلة، وأن تقول ما تريد أن تقول ببساطة ودون لف ودوران قلة ذوق، أو قلة عقل، والشعر مجاف للحكمة، والنثر ثرثرة لا طائل من ورائها إنْ تحدث عن أشياء رقيقة دقيقة،
كطائر عرفته منذ زمان بعيد، في حجم بيضة عصفور، ملون بكل ألوان الطيف، وصوته كجرس من فضة، لا يكاد يسمع إلا من أذن منصفة، أذن محبة، كتبت عنه موضوع تعبير وأنا في الصف الخامس الابتدائي، فعلق المدرس بالقلم الأحمر: «مجنون».
وبهذه المناسبة الميمونة –التي لا أدري ما هي بالضبط- يحلو لي أن أزف لكم تعييني كمانًا في أوركسترا الموسيقى غير المحتشمة؛ غير المحتشمة لأنها جميلة، وإذا طبقنا مفهوم الاحتشام هذا، تكون موسيقاي جميلة؛ لأنها غير محتشمة،
والحمد لله أنا مجرد كمان كومبارس في جوقة، ولست كمان العازف المنفرد، أو طبلة يثير ضجيجها القيل والقال، أو بيانو يحكي وحده حكايات من نغم لا تستسيغها آذان المحترمين شديدي الوقار، منعقدي الجبهة في تقطيبة الجد والتفكير العميق.
أقول الحمد لله أني كمان تافه تائه وسط الكمنجات، وأستطيع أن أعيش وأغني مختبئًا مستدفئًا في زحمة الرفاق.
لست «سقراط» الذي حكموا عليه بالموت؛ لأنه فكر بشكل مختلف؛ لست الحلاج الذي خانه القول من فرط الحب لخالقه، أخذوه بـ«حرف» قوله فصلبوه، لست جان دارك التي أحرقوها بتهمة السحر، بينما كانت تدافع عن وطنها، لست بيرم التونسي الذي نفوه عشرين عامًا عقابًا على بضعة سطور من الشعر الذي رآه أولو الأمر فاضحًا.
في يوم ما، كان أحد شباب مدينة إقليمية في مصر، يتنزه مع خطيبته في الطريق، فوسوس له الشيطان فأمسك يدها، فخرج عليه الآمرون فقتلوه، وأنقذوا البلدة من فضيحة وجرسة لا يعلم مداها إلا الله.
فما بال حرق الأطفال –شيُّهم- ليس بفضيحة، بل حدث عادي يومي؟ ما بال الجوع والبيوت المنهارة فوق رؤوس أصحابها بديهيات كشروق الشمس وغروبها؟ ما بال الظلم من حقائق الحياة التي لابد أن نقبلها؟ لماذا الضعفاء فقط هم المفضوحون، والأقوياء لا يحاسبون؟
نحن في حاجة إلى إعادة تعريف معنى «الفضيحة».