الإنسان بين العقل والشهوة
* شفق حسين يوسف
إنّ الله خلق الإنسان بشكل لائق ومتوازن من كل الجهات الجسمية والروحية والعقلية، إذ جعل فيه ألوان الكفاءات والطاقات، وأعده لتسلق سلّم السمو، وهو وان كان جرماً صغيراً وضعه الله في هذا العالم الأكبر، وسخر له كل شيء: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا...) (الجاثية/ 13).
هذا الإنسان بكل عظمته وخلقته المتناسقة يقول فيه سبحانه وتعالى بعد الإنتهاء من خلقته: (... فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون/ 14)، وعليه أن يستخدم هذه النعم وهذه الإمكانات المادية والمعنوية التي اعطاها له سبحانه وتعالى في طريق الخير والصلاح، ويزرع فيها كل ما هنالك من مصلحة وخير للبشرية جميعا.. (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا...) (الأعراف/ 58).
وقد اختص الإنسان بهداية تشريعية إضافة إلى الهداية التكوينية التي يتلقاها عن طريق الوحي وإرسال الأنبياء عليهم السلام، لتكتمل امامه معالم الطريق من كافة جوانبه، ومنحه قدرة التشخيص، وسلّحه بسلاح العقل الذي كرمه الله سبحانه على سائر المخلوقات، فإذا استطاع الإنسان أن يغلّب عقله ويؤمّره على الشهوة فهو أفضل من الملائكة، أما لو عكس الأمر وجعل العقل أسيراً للشهوة والشهوة، أميراً للعقل، فهو أضل من الأنعام: (أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ...) (الأعراف/ 179).
فالإنسان العاقل لا يجيز لنفسه أن يبيع الدار الباقية بامتعة فانية، ولا أن يستبدل اللذائذ المحدودة المحفوفة بألوان الآلام بالنعم الخالدة والنقية الخالصة، وهذا الأمر يتطلب جهداً كبيراً، وسعياً متواصلاً، وإرادة قوية للتغلب على أهواء النفس الإنسانية، والتفريط في الشهوات والملذات، حيث يقول الرسول الأكرم (ص): (مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر).
وذلك لأنّ المعارك الخارجية (الجهاد الأصغر) ذات أمد محدود، وتنتهي به، وتبقى المعركة الداخلية (الجهاد الأكبر) مصاحبة للإنسان، ملازمة له إلى آخر لحظة من حياته وآخر نفس، ما دام في الإنسان شهوة وغضب وعقل.