قصيدة أمّوا عميد قريش في أرومته
ملاحظات حول كتاب «مهارات الاتصال» للثانوية العامة
د.عوني توغوج - كتاب مهارات الاتصال للثانوية العامة هو المنهج المقرر على الفرع العلمي والأدبي وفروع أخرى، ويفترض في أي كتاب يطلب في الثانوية العامة أن تكون مطالبه واضحة ومحددة حتى لا يتجاوز المعلم دوره المطلوب في الشرح والايضاح على حساب الوقت وعلى حساب المادة المطلوبة أيضا.
ولمصلحة الطالب أطرح هنا بضع ملاحظات حول الوحدات الثلاث الأولى علما بأن ما جاء في الوحدات التالية لا يخلو أيضا من مواضع تستوجب الكثير من التساؤلات أشير الى بعضها إشارات عابرة.
وأنوه هنا الى أنني لا أقصد التشهير بالكتاب، ولا أرمي الى الانتقاص من شأن واضعيه ولكن المعلم في الميدان وكذلك الطالب يستحقان ابداء كل ما من شأنه أن يعود عليهما وعلى العملية التعليمية بالخير والفائدة.
- يطلب في الوحدة الأولى التعرف الى المجرد والمزيد والى أنواع الخبر واعراباته والجملة الشرطية ومعاني بعض حروف العطف والجر ثم الاستثناء.
ويفترض في الطالب أن يكون ملما بأنواع الخبر كذلك بالمجرد والمزيد، لكننا نتوقف عند الجملة الشرطية، وفي الكتاب بضعة اسئلة يطلب فيها إعراب أداة الشرط أو فعل الشرط، وهنا نتساءل : هل يعني هذا أن الأداة المذكورة هي التي ينبغي أن يعرف إعرابها؟؟ أم أن المطلوب هو الالمام بجميع الأدوات ومنها أسماء ومنها حروف وكل منها يستدعي إعرابا حسب وضعه في الجملة، وإيضاح هذا كله يتطلب درسين حصتين مدرسيتين، أما معاني الحروف فقد جاء بعضها مقترنا بلا الناهية، فهل المطلوب معرفة المعنى الذي خرج إليه حرف العطف أم معرفة المعنى البلاغي الذي أفادته لا الناهية ؟؟ ومن بين هذه الحروف وفي الوحدة الأولى جاء حرف الجر من وقد طلب أيضا التعرف الى المعنى الذي خرج إليه هذا الحرف، وهنا نتساءل أيضا : هل يطلب من المعلم تقديم حروف الجر كلها مع معانيها العديدة أم يكتفي بهذا الحرف وحده ؟ وما الجدوى من التركيز على من وحدها ؟ وكيف يمكن للمعلم أن يستعرض حروف الجر كلها مع معانيها وكم حصة يتطلب ذلك ؟ ونأتي الى التدريب المقدم حول الاستثناء، قراءة هذا التدريب تعني بكل وضوح أن جميع أنواع الاستثناء مطلوبة، ولست هنا بصدد ذكر أنواعها واعراباتها المختلفة فكيف يقدم المعلم هذه المادة التي تستغرق أيضا حصتين ؟! وقد يعترض أحدهم بالقول أن هذه المادة أو غيرها سبق أن درسها الطالب في مراحل سابقة، وهذا صحيح وصائب تماما لكن المراجعة وحدها تتطلب عدد الحصص التي ذكرتها، وليس لدى الطالب الوقت الكافي للذهاب الى كتب المراحل السابقة ومراجعتها، وكل معلم في ميدان العمل يعرف تماما أن هذا الأمر لا يحدث، ومن هنا استغل تجار الكتب والدوسيهات فملأوا اصداراتهم بمواد مفصلة تربك الطالب أو تجعله يعرض عما يقدم له في المدرسة ما دامت الدوسيهات موجودة.
ويؤسفني القول هنا أن طلابنا في غالبيتهم يعتمدون على الشرح الموجود في هذه الدوسيهات وبخاصة فيما يتعلق بالقصائد، وبهذا يتخرج طالبنا وهو متأثر بأساليب هذه الشروح الخالية من روح الأدب ومن التعابير الجيدة ومن الابتكار، وكان أولى بقسم المناهج في وزارة التربية أن يتولى هذا الموضوع بما يناسبه ولا يترك طلابه فريسة لقناصي الفرص، علما بأن قسم المناهج لا تنقصه الكفاءات المطلوبة.
وفي الوحدة الثانية اتوقف فقط عند قصيدة المتنبي ومطلعها :- أرق على أرق ومثلي يأرق وجوى يزيد وعبرة تترقرق وأعرف بجلاء ووضوح أن المطلوب هو التعرف الى عبقرية المتنبي، والمطلوب أيضا إستثارة اعجاب الطالب بتراث أجداده فهل حققت هذه الأبيات ما هو مطلوب ؟ ويعرف أضعف المختصين بالأدب أن المتنبي كان من أبعد الشعراء عن إجادة فن الغزل، وروح التكلف بادية واضحة في الأبيات الأولى من القصيدة ولنتوقف عند البيت التالي: وعذرتهم وعرفت أنني عيرتهم فلقيت فيه ما لقوا يقول المتنبي هنا أن ما أصابه من بلاء الحب كان بسبب تعريضه ولومه للعاشقين والمحبين فابتلاه الله بالحب حتى يلاقي من العذاب ما لقوا !! ولن نستغرب هنا لو لطمت المحبوبة شاعرنا إذ يدلي بهذا السبب، ماذا عن جمالها أو رقتها أو حديثها ؟ هل كان حبها عقابا ؟ وكيف يجرؤ أن يتقدم من محبوبته بهذا العذر ؟ هذا لو افترضنا أن المتنبي لا يتلاعب بنا وأن لديه محبوبة يتغزل بها أصلا.
وأغرب مما سبق أن القصيدة تقفز من البيت السادس الى غرض الزهد والإعراض عن الدنيا بما لا علاقة له بما سبق الا بوجه من التكلف والتأويل غير المقبولين.
وننتهي الى المديح، وهنا نتوقف عند بيت واحد ونتساءل ماذا يقول طالبنا اذا فهم هذا البيت، لا شك في أنه سيقول أن المتنبي بارد سمج ثقيل الظل .. يقول البيت وهو البيت الأخير.. ختامها مسك.. مخاطبا الممدوح..
أمطر علي سحاب جودك ثرة
وانظر إلي برحمة لا أغرق والمعنى مفصلا : أيها الممدوح أجزل لي في العطاء، عطاء يماثل ما يجود به السحاب، وليكن هذا العطاء هائلا عظيما كموج البحر.. ثم.. أدركني بالعون والمساعدة حتى لا أغرق في بحر هذا العطاء..
هل يجوز بحال من الاحوال أن نترك روائع المتنبي ونختار هذه القصيدة بالذات ؟ وحول هذا البيت.. لا نلوم الممدوح لو دفع المتنبي برجله وقال له : لا أقامك الله.
اخترت هذا البيت طلبا للاختصار ولكن هذا لا يعني أن الأبيات التي تسبقها تخلو من مثل هذا التكلف الذي يوقع المعلم في حيص بيص.
وبعد.. لا تلوموا الطالب إذا أعرض عن المتنبي وغيره ما دمنا نقدم له مثل هذه النماذج.
وهذا الخطأ يتكرر في الفصل الثاني من الكتاب، وذلك باختيار قصيدة مصطفى وهبي التل أموا عميد قريش في أرومته وهي ليست من أجود قصائده، واذا كانت المناسبة الوطنية هي التي استدعت فرض هذه القصيدة فإن لشاعرنا قصائد أجمل من هذه وأروع، ويشعر القاريء لدى قراءته لهذه القصيدة بالنمط التقريري البارز وبالتكلف الواضح أيضا، فضلا عن أن الإضاءة الموجودة في الكتاب لا تقدم إيضاحا كافيا حول المناسبة وأهميتها، وعلى سبيل المثال لنختر بيتا واحدا : وكاذب الفعل لم يفلح وإن صدقت
منه الألاعيب حينا بعد أحيان هذا البيت وأمثاله في القصيدة تقف برهانا على عجز الشعر العمودي التقليدي إذا وقع صاحبه في التكلف، وهذا البيت موزون ولا اعتراض على ذلك ولكن أين الموسيقى الداخلية وأين لغة الشعر وأين هذا البيت من روائع عرار ؟! ولولا ضيق المجال لقدمنا للقاريء من شعر عرار ما يملؤه إعجابا ودهشة، ومن شاء فليعد الى الديوان.
أخيرا.. هناك في نهايات الكتاب بحر المجتث وهو بحر في الاسم لا يساوي جدولا وأتحدى شعراء العربية أن يعثروا لنا على ثلاثين بيتا من هذا البحر غير المستعمل.. وغير المطروق.. فما الحكمة من دراسته ؟ ولعل السبب في إيراده هو الرغبة في استكمال دراسة بحور الشعر في المراحل الدراسية، وهذا لا يقف عذرا لدراسة هذا البحر أو البحر الذي يسبقه أيضا وهو المقتضب .
في الكتاب أيضا مواضيع أخرى، هناك وحدة عن الإيدز وعن الشرطة والمجتمع وعن التراث الشعبي وعن مقدمة ابن خلدون بعنوان الظلم مؤذن بخراب العمران ومثل هذه الموضوعات بدأت تكثر في مناهج اللغة العربية بدعوى التعرف الى الأساليب العلمية، ولكن مكان هذه المواضيع ينبغي أن يكون في مواد أخرى كالتربية الوطنية وماشابه، وكان يمكن القبول بمثل هذه المواضيع لو كان لطالبنا الإلمام الكافي بأدب أجداده وتراث أمته، وأما والحال كما هو فلا نستغرب اذا وصل الطالب الى الجامعة وهو لم يسمع بأبي العلاء المعري أو البحتري أو بالشنفرى وغيرهم، وهؤلاء مع مختارات من قصائدهم كنا نقرأها في المناهج القديمة ولا نزال حتى الآن نتذوق روعتها وجمالها.
فما الذي يحدث إذن ؟!