فى دول العالم التى سبقتنا فى التحضر و التى كنا نسبقها يوما ما ، يعرف البشر ما يسمى بأدب الاختلاف ، يسمعون ، يقرءون ، يشاهدون ، يفكرون ، يتأملون ، ثم يكونون و جهات نظر عن مختلف القضايا و الشئون ، و عندما يتناقشون ..... يتجادلون بالحجة و المنطق و الدليل و البرهان ليدافع كل منهم عن وجهة نظره و يبرر سبب تبنيه لها ، و ليس ليثبت صحتها و خطأ وجهة نظر الآخر ، و ليس ضروريا على الاطلاق أن يقتنع طرف برأى طرف ، فالاختلاف هو ناموس الحياة و سنة الله فى خلقه .
أما فى بلدنا الحبيبة مصر ... فإنك تستطيع القول و انت مطمئن البال مرتاح الضمير أن كثير منا ينتمى لمدرسة قلة أدب الأختلاف !!!! و هذه ليست سبة ، فقلَّ الشىء أى نقص ، و نحن نعلم يقيناً أن معظمنا لدينا نقص واضح فى معطيات هذا الأدب !!
و هذا النقص يتجلى بوضوح فى كل ما يحدث فى مجتمعنا بين مختلفى الرأى و الرؤى ، سواءاً كانوا من أصحاب المصالح المتعارضة المتنافسة ، أو مجرد أفراد عاديين لا يشغل بالهم سوى الانتصار الجدلى العظيم !!! ، يتجلى فى المناظرات و المناقشات و الممارسات و الاستقطابات و التعديات اللازمة و الملازمة لشرح وجهات النظر و فرضها بالقوة على المعارضين !!!
و أول ملامح هذه المدرسة و أشهرها على الاطلاق هو أن تعلى صوتك إلى أقصى ترددٍ تستطيع الوصول له و أنت تتناقش مع مخالفيك فى الرأى ، فلا تسمح أبدا أن يعلو صوت على صوتك ، لا تمنح الآخر فرصة للتحدث أو التعبير ، قاطع .. شوش ... هاجم ...استفز .. اسخر .. حطم الأعصاب ، كل الأسلحة مباحة ، فهى معركة لا يمكن أن تخرج منها مهزوما !
و إن لم ينجح هذا السلاح ، فلتجرب سلاحا آخر أقوى تأثيراً و أوسع انتشاراً ، ألا و هو سلاح التشوية الفتاك ، شوِّه صورة معارضيك بكل ما أوتيت من قوة ، ادعى بكل ثقة أنك تعلم بواطن الأمور و خبايا الضمائر ، اتهمهم فى أخلاقهم أو دينهم أو وطنيتهم ، روج لوصفهم بالزندقة أو الفسق أو الكفر أو الخيانة أو العمالة و حمل الأجندات - و لا تنسى التهمة التى كانت الأكثر رواجاً فى مصر و هى الإساءة لسمعة ستّنا مصر ! فربما تحتاج إليها مرة أخرى - و لا بأس أن تدخل فى أروقة الحياة الخاصة فتفتش و تنقب علك تجد نقطة ضعف هنا أو هنا ، صورة أو خبراً أو تعليقاً أو تلفيقاً ، فتسلط عليها الضوء الساطع الفاضح ، و إن لم تجد شيئا يذكر فابتكر ما شئت ، فلا زال مبدأ المحاسبة هنا مفقود لدينا و لم يُفعَّل بالشكل الكاف .
و حيث أنك ستحتاج لمعاونين لدعم وجهة نظرك و زيادة عدد أنصارها ، فهنا لا توجد مشكلة على الاطلاق !!! فما أكثر البسطاء و الأميين و من تتساوى عندهم كل الاتجاهات و الرؤى فى مصر ، حيث نعلم جميعا أن النظام المستبد الطاغى الذى حكمنا طوال ثلاثين سنة كان يسعى بكل جهده أن يوصل معظم قطاعات الشعب لحالة من التغييب و اللاوعى و الأمية و الانشغال بلقمة العيش عن التفكير فيما سواها ، و قد نجح للأسف مع عدد ليس بالقليل ، و هؤلاء من السهل جداً أن تؤثر عليهم و توجههم و تضللهم كيفما تشاء ، فلن تجد صعوبة فى غزو عقولهم البسيطة بأية فكرة و ذلك حسب نوع الأمية السائدة لديهم سواء كانت أمية سياسية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية ، و إذا حاول الطرف المعارض لرأى سيادتكم أن ينتقد هذا السلوك ، بادر باتهامه بأنه يسيىء للشعب المصرى العظيم الذى قام بالثورة ، و هنا سيثور عليه أفراد هذا الشعب ، و كل هذا سيصب فى مصلحتك بالطبع !!
أما إذا فشل كل ما سبق ، فستحتاج لبعض العنف المشروع فى مدرسة قلة الأدب ، فما عليك سوى الاتفاق مع بعض الهمج و المغيبين على الاشتباك بالأيدى و قذف معارضيك و مؤيديهم بالطوب و الحجارة على أنغام وصلة من الهتافات المعادية التى تتبلور فيها الاتهامات التى سبقت صياغتها ، مضافاً إليها بعض أشكال السب و القذف التى لا يعاقب عليها القانون ، و ذلك حتى تكتمل الصورة و تلمع فتخطف أبصار الجميع داخل و خارج البلاد !!!!
و الآن عزيزى القارىء هل أنت بحاجة إلى أمثلة لتأكيد انتشار مثل هذه المدرسة فى مصر سواء قبل الثورة أو أثناءها أو بعدها ؟؟ أم إن الأمثلة كثيرة و واضحة و مزرية و مؤسفة ، و قد نجحت بقوة فى تشويه صورة ماضينا و ما زالت تشوه صورة حاضرنا ، و لكن .... هل أنت على استعدادٍ أن تتركها تشوه صورة مستقبلنا ؟ و تدمر آمالنا و طموحاتنا ؟ هل تحتمل هذا و تطيقه ؟ هل ستسمح بهذا بعد كل هذه الدماء التى بذلت فى سبيل تحرير هذا الوطن ؟
ان كنت لا تسمح ، وان كنت مواطناً عادياً شريفاً لا تتبع جهات أو تنظيمات تسعى لتخريب هذا الوطن لتحقيق مصلحة خاصة ، فاسمع و حاول أن تستجب للنداءات التالية .
يأيها المواطن المثقف الواعى رجاءاً : انزل من برجك العالى و تواصل مع البسطاء الذين يشكلون غالبية الشعب ، خاطبهم بلغة يفهمونها ، انهم لا يقرءون الصحف ، و لا يدخلون على الانترنت ، و لا يشاهدون البرامج الحوارية الهادفة ، ان لهم عوالمهم الخاصة التى تحتاج إلى مفاتيح خاصة جدا لاقتحامها ، و إن كان النظام السابق قد أفسد فعليك يقع عبء الإصلاح .
و يأيها المواطن البسيط الطيب : يا من أسماك الكاتب الجميل بلال فضل ساكن مصر الأصلى و انت هكذا فعلا ، لا تسمح لأحد بأن يستغلك و يتلاعب بك و يضللك ، و اعلم أن صوتك و رأيك و جهدك ذوو قيمة فعالة فى تحديد مستقبل هذا الوطن .
و يأيها المتعارضون المختلفون : تخيروا الوسائل المتحضرة الشريفة لعرض أفكاركم و وجهات نظركم ، لأنكم إن نزلتم إلى مستوى الوسائلة الدنيئة سابقة الذكر ربما بادلكم البعض تدنياً بتدنى ، و هنا تتحول الحياة فى مصرنا الحبيبة إلى سجال متبادل من نقص الأدب أو قلة الأدب .
فهل هذا ما نريده لها ؟؟؟!!!