ليس المطلوب هنا طرحَ موضوع الزواج والطلاق من زاوية واقع إحصائي، أو أحكام فقهية محضة، أو نتائج اجتماعية إيجابية وسلبية، وإن تعرّض الكلام لذلك بقدر الضرورة فيما يفرضه سياق الحديث، إنّما الهدف طرح الموضوع من زاوية واحدة، هي: "كيفية استيعاب الزواج والطلاق" من جانب الفرد المسلم، ذكرا أو أنثى، وبالتالي على مستوى المجتمع، عقيدة وثقافة وممارسة، بعد أن انتشرت تصوّرات وممارسات تحت عنوان الإسلام، وهي متناقضة معه في جلّ عناصرها، وهذا ما يستدعي السؤال عن كيفية انتشار هذه التصوّرات والممارسات، مع تعداد بعضها على ضوء ما شاع من ألوان استيعابنا الراهن لكلّ من الزواج والطلاق في نطاق منظومتنا الاجتماعية والثقافية الإسلامية. ولا يخفى ما غلب على انطباعاتنا من أنّ الطلاق أصبح أداةً "تعسفية" في يد الرجل تجاه المرأة، أو في صورة معاكسة تحت عنوان "الخلع"، وهو ما يعني تضييع موقعه الأصلي البالغ الأهمية، كحلّ اضطراري أخير لمشكلة أسرية لا تفلح جهود الإصلاح في التغلب عليها. كما ساد لدينا –لا سيما على صعيد الشبيبة- الاعتقاد بأن الزواج لتكوين أسرة مستقرة أصبح "هدفا" عسير التحقيق أو رهنا بالصعاب، وهو ما يعني واقعيا أنّ "تكوين مجتمع مستقر" بات مستحيلا!..
إدراك الحقيقة إذا تساءلنا عن الأسباب نجد ما هو موضوعي يحتاج إلى علاج، ويمكن علاجه، ولكن غالبا ما يواجهنا ذكرُ أسباب في صيغة عقباتٍ كأداءَ لا يجدي معها علاج ولا يفيد دواء.. وهذا ما يفرض التمحيص فيه -لا التسليم المباشر بصحّته- كي نتبيّنه على حقيقته، دون تهويل من شأنه ولا تهوين، لا سيّما وأن غالب ما نجده بين أيدينا من "معلومات وأرقام وأطروحات" عن واقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية بصدد الزواج والطلاق، وتتناقله الوسائل الإعلامية والشبكية، يفتقر إلى التوثيق السليم، ويحمل إلينا صورا "مرعبة"، فإن صحّت مضامينها بالمنظور الاجتماعي وثبتت بالمعايير المنهجية الموضوعية، مع ما يرتبط بها من إشكاليات، وجب التفاعل المدروس والهادف معها، وآنذاك تزول صفة "مرعبة" عنها سريعا، إذ لا يفيد أن يصبح غالبُ ما يُنشر ويستهدف أسماعنا وأبصارنا وأحاسيسنا وأفكارنا فيؤثّر على سلوكنا وواقعنا، يتركّز على "الشكاوى" و"المخاوف" و"التحذير"، دون طرح حلول جذرية قابلة للتطبيق، هذا ناهيك عن اتّباع كثير من الأقلام أسلوبا انتقائيا في اختيار أرقامٍ ومقولاتٍ تناسب –مسبقا- ما يريد صاحب القلم التعبير عنه من موقف أو رأي، بل يأتي اختيارها –أحيانا- لتتناسب مع ما يريد الوصول إليه بعض أصحاب الأقلام من أغراض أبعد مدى من قضية الزواج والطلاق نفسها.
ولكن.. إذا كان الخلل في التعاطي مع الأرقام والمعلومات يساهم سلبيا في طريقة استيعابنا للزواج والطلاق، وبالتالي في التأثير على تفكيرنا بصددهما، فالأهم من ذلك إدراك حقيقة وجود اتجاهٍ إجماليّ عام يُنْبئ بالفعل عن اضطراب متزايد في الحياة الزوجية في مجتمعاتنا، مقترنٍ بارتفاع مطّرد لنسبة انهيارها عبر الطلاق. وفي مواجهة هذا "الاتجاه العام" يمكن استقراء "خلفيّات عامّة" من وراء التطوّر السلبي المعبّر عنه، وهذا ما تعطي العناصر التالية بعض "المؤشرات" بصدده:
1- الثابت في الواقع الأسروي في الغرب، واستنادا إلى ما يتوافر من معلومات وأرقام موثقة ودراسات منهجية، اضمحلال موقع الأسرة بمعناها الحقيقي في المجتمع، ونشوء علاقات أخرى إلى جانبها، على أساس المعاشرة والشذوذ، مع تقنينها، وترسيخ "اعتبار" اجتماعي لها.
2- الثابت أيضا أنّ هذا الوضع الراهن مختلف جذريا عمّا كان عليه في الغرب نفسه قبل زهاء 40 سنة فقط، فجلّ التغيير المتسارع على حساب وجود أسرة مستقرة –أصبحت توصف بالتقليدية- كان خلال تلك السنوات الأربعين.
3- كما تَكشف المعلومات والأرقام والإحصاءات –وهنا الشاهد المطلوب- أنّ الفترة المذكورة نفسها سجّلت في معظم البلدان الغربية، انخفاض النسب السنوية لحالات عقد القران للزواج الأسروي من عدد السكان، إلى أقلّ من نصف ما كانت عليه، وارتفاع النسب المئوية لعدد حالات الطلاق من عدد السكان، وكذلك من عدد عقود القران السنوية، إلى أكثر من الضعف، رغم انخفاض عدد تلك العقود باطّراد.
4- توجد أسباب مباشرة عديدة متنوّعة وراء هذا التطوّر السلبي في الغرب، ولكن لا يمكن تجاوز العلاقة السببية المباشرة والأساسية بين هذه الحصيلة وما شهده الغرب عبر 40 سنة مضت من "تطوّر اجتماعي وثقافي" يوصف بالثورة الجنسية، وتراه "الحركة النسوية" إنجازاً كبيرا حققته، وبلغت به أقصى ما لديها عبر أطروحة "النوع البشري/ الجندر" حديثا نسبيا.
5- لا يوجد تطوّر اجتماعي وثقافي شمولي مماثل في غالبية البلدان العربية والإسلامية، إنّما توجد توجّهاتٌ مبدئية نحو تطوّر مشابه، وبغض النظر في هذا الموضع عن ظاهرة انتشار الصحوة الإسلامية يمكن القول: - إنّ مفعول تلك التوجّهات قطع أشواطاً في التأثير على مجتمعاتِ بعض البلدان مثل سورية ومصر وتونس.. - وإنّه يقطع حاليا الشوط الأول "نسبيا" في مجتمعاتِ بلدان أخرى، الخليجية تخصيصا..
6- هذه التوجّهات ونتائجها -مع كثير ممّا يشابهها- هو ممّا يعنيه مصطلح "التغريب" الذي تُدفع عجلة نشره بمختلف الوسائل دفعاً في مختلف هذه البلدان، فنجد أنّ حصيلته –أو عواقبه- سبقت بالظهور هنا أو هناك، على حسب حجم ما اقتحمه من حصوننا الفنية والفكرية والأدبية والاجتماعية، وليس السياسية والاقتصادية فقط.
7- ومن المرجّح -إن أجريت دراسات منهجية- اكتشاف موقعٍ حاسم لهذا العامل بين عوامل إضافية أخرى –كالعامل المالي- لتفاوت سرعة انخفاض نسب الزواج وارتفاع نسب الطلاق ما بين الأقطار "الشقيقة".
أطراف الإشكالية سيتردّد الحديث عن ذلك في ثنايا البحث، ولكن لِماما، إذ ينبغي التنويه في هذا الموضع أنّ طرح موضوعي الزواج والطلاق معا في بحث واحد، يفرض -تجنّباً للإطالة الزائدة- الاقتصارَ على طرح جوانب محدّدة كأمثلة، وعدم التعرّض أصلا لجوانب أخرى رغم أهميّتها البالغة، ومن ذلك مثلا:
1- مسؤولية الدولة عن جلّ ما يرتبط بالزواج والطلاق، تأمينا للظروف والشروط والمعطيات المادية والاجتماعية ذات العلاقة بالأسرة واستقرارها وعناصرها الكبرى، عشرةً زوجيةً وأمومةً وأبوّةً وبنوّة، وطفولة وشبابا وهرما وشيخوخة، ورعاية وتربية وتوعية وتأهيلا، وعلما وثقافة ورياضة وفنا، ومنشآتٍ للأغراض الاجتماعية والصحية ورعاية المواهب، وما ينبثق عن ذلك وسواه، ممّا لا يستثني ميدانا من الميادين المرتبطة بأمانة الحكم ارتباطا مباشرا. ولئن كان للواقع المتدهور للعلاقات بين الجنسين ارتباط وثيق بما شاعت تسميته غزوا ثقافيا واجتماعيا أجنبيا، فإنه يرتبط ارتباطا وثيقا أيضا بانحراف الأنظمة عن الصراط المستقيم لأداء هذه المسؤولية بحقّها، إلى السبل المتشعبة لانتهاكها بدرجات خطيرة، من خلال سياسات إعلامية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتربيوية، تقوّض أسس استقرار المجتمع وسلامةِ العلاقات الاجتماعية بدلا من بنائها ورعايتها. ولا يعفي الدولةَ أيّ تعليل لعدم النهوض بهذه المسؤولية، فهي محور "أمانة الحكم" التي يضيّعها المسؤولون بقدر ما يقصّرون أو يدمّرون أو يعجزون أو يتجاهلون –سيّان.. فالنتيجة واحدة- إزاء تلك الأمانة المحورية على صعيد الأسرة، الخلية الأولى في أي مجتمع قويم، الأشبه بما يسمّى خلايا المنشأ الجذعية، التي تتكوّن منها الخلايا الوظيفية في الجسم البشري.
2- منظومة العلاقات بين الجنسين في المجتمع عموما، وهي الحاضنة الأولى إمّا للأسرة بما يشمل الزواج القويم والطلاق عند الضرورة، أو لحالات انحلال خلقي وتفكك أسروي وانحراف سلوكي وإباحية جنسية وتربية فاسدة، وسوى ذلك من أمراضٍ اجتماعية تفتك بالمجتمع من الأعماق، كما تفتك بمستقبله من خلال أطفاله وناشئته وشبيبته، إناثا وذكورا. ولو أخذنا "واقع الأسرة" وحده وما ترتّب عليه في المجتمعات الغربية عبر التطوّر المذكور آنفا، دافعا للعبرة والتفكير بشأن ما يُطرح على مجتمعاتنا، لكان ذلك كافيا بكلّ مقياس عقلي/ عقلاني، ناهيك عن المعيار العقدي/ الوجداني، من أجل بذل أقصى الجهود للحيلولة دون مزيد من التغريب القيميّ والثقافي والاجتماعي، والعودة إلى ما لدينا من معين حضاري ذاتي ثمين، لتكوين الإنسان الفرد، وبناء الأسرة الصالحة، وتشييد المجتمع الراقي.
ازهار القدس
موضوع: رد: تكوين أسرة مستقرة..هل بات مستحيلا؟! 2/4/2011, 00:09
مشكووووووووووووووووووووووووووورة
Jasmine collar
موضوع: رد: تكوين أسرة مستقرة..هل بات مستحيلا؟! 2/4/2011, 06:21
العفو
الدين هو اساس قيام اسرة سوية
ازهار القدس
موضوع: رد: تكوين أسرة مستقرة..هل بات مستحيلا؟! 2/4/2011, 06:27
اكيد والحمد لله الاسرة بتقوى بدعم من الدين وايمان الاهل مشكوووووووووووووووووووورة
Jasmine collar
موضوع: رد: تكوين أسرة مستقرة..هل بات مستحيلا؟! 2/4/2011, 06:28