في لحظة عادية من يوم عادي حصل شئ غير عادي ... فكما تجتمع الدموع في العين دونما سابق موعد وكما تتلاقى الغيوم في كبد السماء بعد طول الشتات ,, حدث ما لم يكن بالحسبان ,, تلاقينا , لقاء تخاطبت فيه الارواح وتجانست فيه الخواطر فتعانقت فيه القلوب ... وعندها شعرتُ بألفة غريبة تشدني اليكِ حتى لكأن لقاءنا الأول هو موعد معتاد ومتكرر بين احساسين مترابطين منذ الأزل .. ومما لا يصدق ان ذلك اللقاء كان استثنائياً بكل ما يتعلق به .. فهو تم بمكان غير مألوف و بطريقة غريبة وانتهى بأحساس أغرب فلقد مررت بحالة من السفر الداخلي الى اعماق النفس .. سفر تشابكت عليّ فيه الرؤى وتداخل المفروض مع المرفوض و الممنوع مع المسموح فصرت اخرج من تيه لأدخل في ضياع ابعد في نفق المجهول حتى انعدمت عندي رؤية الصواب وما لاح لي في اخر النفق الا شعاع من ضوء ينير جرأة جعلتني لا ارى مانعا من الصراخ و التصريح بما يجول في خاطري.
ولكن - تمهل قليلاَ - هذا ما نادى به عقلي بأعلى الصوت مخاطبا قلبي ومحاولا زجره عن مسعاه ثم قال له ناصحا : تمهل أيها القلب المغفل لا ترتمي كالطفل في احضان أم غريبة فقد تنال منها الحرمان بدل الحنان والعقاب بدل الثواب وأعلم يا قلبي ان هذا الزمان قد كثرت فيه الأقنعة و اختلطت فيه الأوراق فكل ما يوضع تحت لافتة الحب محرم وكل ما يحمل صدق الأحساس بين طياته محارب ومحظور محظور محظور .
ولكن قلبي لم يكترث لكثرة التحذيرات ولم يلق بالاً للأسلاك الشائكة المحيطة بقصرك بعد ان شجعته أطراف الحديث والكلمات التي تبادلتها معك بكل بهجة وانتشاء .. حتى لأن قلبي - لسذاجته - ظن ان هذه التعابير الرقيقة والالفاظ المرهفة هي الضوء الأخضر الذي يعلن أن ساعة الصفر قد حانت وأن الأوان قد آن للبوح بالمكتوم وكشف المستور
وماهي الا لحظات سرقتها من الساعة لألقي فيها التعويذة المكونة من الحروف السحرية الأربعة .. وهنا ضرب الزلزال فما أن نطقت بهذه الحروف حتى انقلب السحر على الساحر و ارتدت علي الحروف سيوفاً من نار تتطاير شرراً يحرق الاخضر واليابس في ربوع قلبي وضرب الاعصار فاقتلع الاشجار وتطايرت الأزهار وغدا بستان الفؤاد صحراء جرداء بعد ما كان روضة غناء
وها هو اليوم يحتضر ويلفظ اخر انفاسه وعينه ترمق عرشك الذي ينبع من تحته نهر الحياة الحامل مع جريانه الأمل ترتجيه اشجاري متعطشة للحنان وتستجديه ازهاري ضمآنة تبغي الارتواء . فهل ان قدري ان تعيش وتموت سهولي في قحط الجفاف أم هل سيغير نهرك البعيد مجراه ليسقي فؤادي فيعود جنة خيالية كما كان .. جنة تطيرين فيها كالطاووس وتعانقي أقطار السماء فتلبسي النجوم قلادة وتضعي البدر تاجاً وتنسجي من خيوط الشمس رداءاً يزيد جمالك جمالاً ويضفي على بهاءك بهاءاَ
وهل اليك من سبيل أم أعلن الأحكام العرفية على مشاعري وأرمي قلبي في الزنزانة الأنفرادية ؟