قبل أن أشرب البحر !
--------------------------------------------------------------------------------
يقتلني الروتين كل يوم مرة،
فتراني أخلد إلى الهم كل مساء، متأكدا،
أنني سأصحو على إشراقة خيبة جديدة في الصباح !
ليس لأنني متشائم أو شيء من هذا القبيل،
بل لأن التفاؤل يلفظ أنفاسه الأخيرة مائة مرة كل يوم،
بين يدي ذات الروتين !
مهووسّ بالخيبة أنا،
أتحراها كل سنة خوف أن تضيع ذكرانا السنوية و التي تصادف كل يوم،
أتفقدها حال خروجي من المنزل كما يتفقد طفل مصروفه المدرسي،
أبحث عنها كثيرا بقلق، و هي تتمركز بين عيني، كما يبحث أحدكم عن نظارته الطبية،
أنظر إليها قبل الآذان، قبل الإقامة، و قبل تكبيرة الإحرام، نظر الإمام إلى ساعته،
أشتاقها كأشد ما تشتاق المفاتيح للأقفال،
أحتاجها كأحوج ما يحتاج مدمن لإبرة في الوريد،
الخيبة عندي بمثل تلك الأهمية، اليوم،
حتى أنني حين أفتقدها لوهلة،
أراني كالمجنونة التي فقدت عقلها في إثر ضناها،
أبحث عن أيّ دمية أسمّيها لي خيبة !
حين أرسلني القدر إلى سطح البحر الهائج،
ثقبت سفينتي المتهالكة، و لم يكن وراءها ملك ولا حاجة،
و لكنني فعلت تماما ما يجب على صاحب الخيبة أن يفعل !
ثقبت السفينة،
و يا ليتها تغرق بأهلها أحب إليهم من دوار البحر !
لأنني شمعة أحترق، ع الفاضي،
فلا أنير الطريق لأحد،
و لأن الناس ما فتئت تلعن الظلام رغم أنف النار التي تطحن رأسي،
يذوب دمعي على وجنتي،
لأنني إنسان، لا أحلم إلا مغمض العينين،
فإذا فتحتهما، سالت أحلامي كقطر الأذى،
ثم و بكل بساطة، أمدّ يدي إلى علبة أمامي على الطاولة،
و أسحب منها خيبة، أمسح بها الدموع !
ثم أهيم على وجعي في الهجير،
أكتب على الجدران:
اسحب خيبة خير من أن تطفئ النيران !