موضوع: مائة عام من العزلة، رواية عظيمة! 30/3/2011, 20:38
مائة عام من العزلة رواية عظيمة
قد نتفق أن الانطباعات الشخصية حول عمل أدبي ما تختلف باختلاف الفرد وثقافته وذائقته، لكن دون ريب هناك معايير ثابتة يقيم من خلالها الأدب الجيد من الرديء. وهناك أعمال أدبية تخلدها ذاكرة الشعوب. و"مائة عام من العزلة" تنتمي إلى هذا الصنف من الأدب الرفيع، الأدب الذي سيخلد في تاريخ شعوب أمريكا اللاتينية، والإنسانية جمعاء.
يجب أن نذكر شيئاً بداية، إن ما يحدث في الواقع لا يطابق المثال بالضرورة. السلوكيات التي تصدر من الأفراد على هذه الأرض لا تطابق دوماً ما تدعو إليه الديانات السماوية أو الفلسفات البشرية. وهناك تياراتٌ ومذاهب أدبية ترى أن الأدب يجب أن يُعبر عن الأخلاق المثلى، والعقائد العلية لا الواقع. لكن هناك مذاهب أدبية أخرى تعتقد أن الأدب يجب أن يكون معبراً عن الواقع لا المثال، ليعبر عن الناس كما هُم، لا كما يجب أن يكونوا. هكذا نرى أن "أخلاقيات" النص الأدبي محل خلاف، وليس اتفاق -كما يتصور البعض-، بين الأدباء في أصقاع الأرض.
"مائة عام من العزلة"، إنها رواية ماكوندو. رواية القرية المعزولة التي تظهر فجأة، ثم تتمدد وتنكمش، ثم تختفي وتعود للعزلة الأبدية. يأتيها الغجر والعربُ بالاكتشافات والاختراعات والعلوم. ثم يختفون بعض أن يلقنوا الباحث عن الحقيقة خوسيه أركاديو بوينديا بذرة المعرفة. إنها أيضًا ماكوندو التي يأتيها الكاهن، حينما تكتشفُ الدولةُ ماكوندو، ليفتتح كنيسته ويطرقُ الأبواب مبشراً بالمسيحية. إنها ماكونو التي يأتيها الاستعمار وشركة الموز الأمريكية، لتستغل العمال والأراضي الزراعية، وتحتكر أرزاقهم، ثم تقتلهم إن ثاروا. إنها ماكوندو التي تشعل ثورة الأحرار ضد المحافظين، مذكراً بثورة سيمون بوليفار ضد الملكية الإسبانية، وثورات اليساريين اللاتينيين ضد أرباب الإقطاع والكنيسة المحافظة. إنها ماكوندو الرمز الذي يضيعه قراء الرواية. يظنونها رواية مكشوفة، لكنها مخاتلة. مخاتلة حتى النخاع.
إنكم أيها السادة تقرؤون النص مجرداً، وهناك ما وراء النص. إن الرواية لا تتحدث عن ماكوندو تلك القرية الهادئة. من قال لكم ذلك؟ إنها تتحدث عن تاريخ البشرية. ماكوندو ليست إلا الأرضَ. وآل بوينديا لا يمثلون إلا سلالة البشر بشكل أو بآخر.
ثم إن الأحداث والنزوات التي جاءت في الرواية تمثل النزوات التي طبعت تاريخ البشر. فبحثُ خوسيه أركاديو بوينديا عن الحكمة كان موازياً لفترات ظهور الفلاسفة (قبل ظهور العلم الحديث)، ثم ظهر العرب بمخترعاتهم لينشيء بوينديا مختبره الصغير (ليحاكي فترة ظهور العلم).
ثم يظهر الاستقطاب الجديد أحرار\محافظين، وهو استقطاب لايزال قائماً حتى اليوم في دول أمريكا اللاتينية، حيث تلعب الكنيسة دوراً مهماً في الحياة السياسية ببلدان تلك القارة. يذكر جارسيا أبناء تلك القارة بالحقبة الزمنية التي استمر فيها الصراع بين أبناء بلد واحد أحياناً لعشرات السنين (كما في كولومبيا، بين الأحرار والمحافظين).
وتستمرُ الأحداث، لكن ذنب الخنزير الذي تنبأت به أورسولا مع التأسيس، وهو الذي سيحملُ نهاية السلالة ونهاية ماكوندو لم يكن إلا نذير شأم بشأن الانحدار الأخلاقي الذي سيعم السلالة "آخر الزمان".
رقاق أو صحاف ملكياديس ليست إلا ألواح القدر التي لم يستطع أفراد السلالة فك شفرتها، لأن الوقت لم يحن. استطاع آخر السلالة، أوريليانو، فك تلك الشفرة في آخر اللحظات ليرى مصير ماكوندو البائس، والماء يحيط بها من كل الجهات. إنها نهاية العالم..
إنها ماكوندو..
وكنص أدبي، كصنعة أدبية، تبقى مائة عام من العزلة رواية مدهشة ومتقنة. جابريل جارسيا صنع رواية مفككة الأحداث، لا مركزية، مذكراً بلا مركزية الحياة (عند بطل واحد). وتمكن تمكناً تاماً من التحكم بالزمن، وتفاصيل الشخصيات، وخلقها، ثم إنهائها بشكل متقن. أيضًا أقام ذلك الأسلوب المميز في تقديم الشخصيات على دفعات قبل وأثناء وبعد زمنهم الروائي.
إنها رواية عظيمة.
ازهار القدس
موضوع: رد: مائة عام من العزلة، رواية عظيمة! 30/3/2011, 21:41
مشكوووووووووووووووورة
KLIM
موضوع: رد: مائة عام من العزلة، رواية عظيمة! 31/3/2011, 00:29
من احلى الروايات الي قراتها و عجبتني كمان رواية لنفس الكاتب الجب في زمن الكوليرا
يسلمو على الاختيار
theredrose
موضوع: رد: مائة عام من العزلة، رواية عظيمة! 31/3/2011, 04:31
طبعا كاتب رهيب ورائع وطبعا مائة عام من العزلة اخذ عليها جائزة نوبل والحب في زمن الكوليرا من اجمل الروايات الي قرأتها
c0n@n
موضوع: رد: مائة عام من العزلة، رواية عظيمة! 31/3/2011, 04:54
طبعا موضوع رائع ووافي عن رواية مائة عام من العزلة ,فعلا رواية قوية ورائعة لماركيز
يسلمو وعد اختيار موفق
theredrose
موضوع: رد: مائة عام من العزلة، رواية عظيمة! 31/3/2011, 05:03