مقالات أحلام مستغانمي .....
المقال الأول
تلك التفاحة
منذ سنة أو أكثر، بدأ الوزراء اللبنانيون جلستهم الوزارية بقضم تفاحة، دعماً لتفاح لبنان، الذي كان معرّضاً آنذاك للكساد بسبب مقاطعة إحدى الدول المغاربية له بعد أن كانت سوقه الأُولى.
قرأت أنّ التفاح يقي أمراضاً كثيرة، وأنّ تفاحة واحدة في اليوم كافية لدعم صحتك، وإذا بالتفاح نفسه يحتاج إلى إنقاذ، ولا تتوقف الحملات لدعم صحته الاقتصادية. آخرها، حملة قامت بها إحدى المؤسسات اللبنانية، رافعة شعار "بديّاتنا (أي بأيدينا) نقطف تفاحاتنا"، قصد تشجيع الشباب اللبناني على المشاركة في عملية قطافه.
وإن كان لا أجمل من يد فتيّة تقطف ثمرة من شجرة، فلا أخطر على الثورة من لحظة دخول الدودة إلى قلب الثمرة.
لذا أُشفق على الفلسطينيين، الذين بعد أن سَرَقَت منهم إسرائيل برتقال يافا وعنب الخليل، اكتشفوا أنّ دودة دخلت تفاحتهم، التي تمَّ قضمها سرّاً من قِبَل الذين كانوا يوزّعون بالتساوي الشعارات الواعدة على الجائعين، والتفاح على المسؤولين.
حمــداً للّــه أنّ العراقيين وفَّرُوا على أنفسهم هموم التفاح، مـذ جاءهم بستاني، يتولّى في البيت الأبيض زراعة وقطاف كل ما تحبل به أرض العراق.
وبينما كان مطربنا رابح درياسة يغني "يا التفاحة.. يا التفاحة قولي لي وعلاش الناس والعة بيك"، كان ناظم الغزالي يستبق المصاب ويستعدُّ لزمن لن يجد فيه عراقي تفاحة يهديها إلى حبيبته: "وتريد مني التفاح وأنا ما عندي تفاح". وعندما اكتشف العراقيون أن "لا تفاح لمن تنادي"، انخرطوا في حزب البرتقالة، وسلَّطوا علينا مخلوقاً يُردِّد على مدار النهار "يا برتقالا ااة" "يا برتقالا ااة".
بربكم، لولا عقم نخيل العراق حزناً، أكان لأغنية كهذه أن تتصدَّر الأغاني العراقية رَوَاجَاً؟
مناسبة الحديث عن التفاح، أنني قبل أسبوع قمت بدعم التفاح اللبناني وأنا في المطار، قاصدة الجزائر، فارتأيت أن أشتري لأمي منه صندوقاً صغيراً، لعلمي بانحيازها إليه.
البائع الشاب في محل "غوديز" في المطار، الذي سبق في إحدى الرحلات أن تعرّف إليَّ، فأهديته كتاباً لي كان في حوزتي، أسرع إلى خدمتي، وتفانَى في عرض أكثر من فاكهة عليَّ. لكنني بقيت على وفائي للتفاح. قلت له وهو يرافقني إلى الصندوق، إنّ لي قَرَابَة بالتفاح، مستشهدة بمقولة أمين نخلة: "ولد الفن يوم قالت حواء لآدم ما أجمل هذه التفاحة، بدل أن تقول له: كُل هذه التفاحة".
ولأننا كنّا في رمضان، احتفظت لنفسي بخاطرة جارتي الجميلة شهرزاد، التي حوّلت التفاح من فاكهة للخطيئة إلى ثمرة للتقوَى، حين قالت: "كلّما رأيت أمامي تفاحة، ردّدتُ في داخلي: سأتقاسمها معك في الجنّة بإذنه تعالى".
ولأنّ التفاح ثمرة التأمُّل، ارتأيت أن أكتب لكم هذه الخواطر استناداً إلى قول جميل احتفظت به بين أوراقي، للرائعة غادة السمّان: "لو شاهدتَ التفاحة وهي تسقط من الشجرة، وفكرت في قانون الجاذبية، فأنت عالم، لو أخذت التفاحة وبعتها فأنت تاجر، لو التهمت التفاحة فأنت واقعيّ، لو أحزنك موت التفاحة فأنتَ شاعر، لو انحزت إلى الأفعى ضدّ آدم فأنتَ سياسي، أما لو فكرت في كل ذلك، ولم تملك إلاّ أن تكتبه فأنت كاتب وروائي".
اعذرونــي إذن، إن كنت أحتاج إلى كلِّ هذه الروايات لأُحدِّثكم عن تفاحة.