سورة الإسراء:
آية 1
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : يعني تعالى ذكره بقوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه شريكا وأن له صاحبة وولدا وعلوا له وتعظيما عما أضافوه إليه ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم .
وقد بينت فيما مضى قبل أن قوله { سبحان } اسم وضع موضع المصدر فنصب لوقوعه موقعه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع وقد كان بعضهم يقول : نصب لأنه غير موصوف وللعرب في التسبيح أماكن تستعمله فيها فمنها الصلاة كان كثير من أهل التأويل يتأولون قول الله { فلولا أنه كان من المسبحين } فلولا أنه كان من المصلين ومنها الاستثناء كان بعضهم يتأول قول الله تعالى : { ألم أقل لكم لولا تسبحون } : لولا تستثنون وزعم أن ذلك لغة لبعض أهل اليمن يستشهد لصحة تأويله ذلك بقوله { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون } قال : { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } فذكرهم تركهم الاستثناء ومنها النور وكان بعضهم يتأول في الخبر الذي روي [ عن النبي : لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء ] أنه عنى بقوله سبحات وجهه : نور وجهه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده } قال أهل التأويل ذكره من قال ذلك .
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة [ عن النبي أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان : سبحان الله قال : إنزاه الله عن السوء ] .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثنا عبدة بن سليمان عن الحسن بن صالح عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : سبحان الله قال : إنكاف لله وقد ذكرنا من الاثار في ذلك ما فيه الكفاية فيما مضى من كتابنا هذا قبل والإسراء والسرى سير الليل فمن قال : أسرى قال يسري إسراء ومن قال سرى قال : يسري سرى كما قال الشاعر : .
( وليلة ذات دجى سريت ... ولم يلتني عن سراها ليت ) .
ويروى : ذات ندى سريت .
ويعني بقوله { ليلا } من الليل وكذلك كان حذيفة بن اليمان يقرؤها .
حدثنا أبو كريب قال : سمعت أبا بكر بن عياش ورجل يحدث عنده بحديث حين أسري بالنبي فقال له : لا تجىء بمثل عاصم ولا زر قال : قرأ حذيفة سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وكذا قرأ عبد الله .
وأما قوله إمن المسجد الحرام فإنه اختلف فيه وفي معناه فقال بعضهم : يعني من الحرم وقال : الحرم كله مسجد وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا وقال : وقد ذكر لنا أن النبي كان ليلة أسري به إلى المسجد الأقص كان نائما في بيت أم هانئ ابنة أبي طالب .
ذكر من قال ذلك : .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثنا محمد بن إسحاق قال : ثني محمد بن السائب عن أبي صالح بن باذان عن أم هانئ بنت أبي طالب في مسرى النبي أنها كانت تقول : .
ما أسري برسول إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة فصلى العشاء الاخرة ثم نام ونمنا فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول فلما صلى الصبح وصلينا معه قال : يا أم هانىء لقد صليت .
معكم العشاء الاخرة كما رأيت بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت صلاةالغداة معكم الآن كما ترين .
وقال آخرون : بل أسري به من المسجد وفيه كان حين أسري به .
ذكر من قال ذلك : .
حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا محمد بن جعفر بن عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصة وهو رجل من قومه قال : قال نبي الله بينا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة فأتيت بطست من ذهب فيها من ماءزمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا قال قتادة : قلت : ما يعني به ؟ قان : إلى أسفل بطنه قال : فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة ثم أتيت بدابة أبيض وفي رواية أخرى : بدابة بيضاء يقال له البراق فوق الحمار ودون البغل يقع خطوة منتهى طرفه فحملت عليه ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إماما ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فذكر الحديث ؟ .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا خالد بن الحا رث قال : ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك يعني ابن صعصعة رجل من قومه عن النبي نحوه .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه قال : قال نبي الله ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : قال محمد بن إسحاق : ثني عمرو بن عبد الرحمن عن الحسن بن أبي الحسن قال : قال رسول الله بينا أنا نائتم في الحجر جاءني جبريل فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فجلسث فلم أرشيئا فعدت لمضجعي فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه فجلست فأخذ بعضدي فقمت معه فخرج بي إلى باب المسجد فإذا دابة بيضاء بين الحمار والبغل له في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه يضع يده في منتهى طرفه فحملني عليه ثم خرج معي لايفوتني ولا أفوته .
حدثنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر قال : سمعت أنسا يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أيهم هو ؟ قال أوسطهم هو خيرهم فقال أحدهم : خذوا خيرهم فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى جاؤوا ليلة أخرىفيما يرى قلبه والنبي تنام عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئرزمزم فتولاه منهم جبرئيل عليه السلام فشق ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه ثم أتي طست من ذهب فيه تور محشو إيمانا وحكمة فحشا به جوفه وصدره ولغاديده ثم أطبقه ثم ركب البراق فسار حتى أتى به إلى بيت المقدس فصلى فيه بالنبيين والمرسلين إماما ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء : من هذا ؟ قال : هذا جبرئيل قيل : من معك ؟ قال : محمد قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : .
نعم قالوا : فمرحبا به وأهلا ! فيستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله بأهل الأرض حتى يعلمهم فوجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبرئيل : هذا أبوك فسلم عليه فرد عليه فقال : مرحبا بك وأهلأ بابني فنعم الابن أنت ! ثم مضى به إلى السماء الثانية فاستفتح جبرئيل بابا من أبوابها .
فقيل : من هذا ؟ فقال : جبرئيل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قد أرسل إليه فقيل : مرحبا به وأهلا ! ففتح لهما فلما صعد فيها فإذا هو بنهرين يجريان فقال : ما هذان .
النهران يا جبرئيل ؟ قال : هذا النيل والفرات عنصرهما ثم عرج به إلى السماء الثالثة فاستفتح جبرئيل .
بابا من أبوابها فقيل : من هذا ؟ قال : جبرئيل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم قد بعث إليه قيل : مرحبا به وأهلا ففتح له فإذا هو بنهر عليه قباب وقصور من لؤلؤ وزبرجد وياقوت وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله فذهب يشم ترابه فإذا هو مسك أذفر فقال : يا جبرئيل ما هذا .
النهر ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبا لك ربك في الاخرة ثم عرج به إلى الرابعة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم أنس فوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة و موسى في السابعة بتفضيل كلامه الله فقال موسى : رب لم أظن أن يرفع علي أحد ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا باب الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما شاء وأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال : عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة قال إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك وعنهم ! فالتفت إلى جبرئيل كأنه يستشيره في ذلك فاشارإليه أن نعم فعاد به جبرئيل حتى أتى الجبار وهو مكانه فقال : رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلى موسى عليه السلام فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه عند الخمس فقال : يا محمد قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس فضعفوا وتركوه فامتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا فارجع فيخفف عنك ربك ! كل ذلك يلتفت إلى جبرئيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرئيل فرفعه عند الخمس فقال : يا رب إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فخفف عنا ! قال الجبار جل جلاله : يا محمد ! قال : لبيك وسعديك ! فقال : إني لا يبدل القول لدي كما كتبت عليك في أم الكتاب ولك بكل حسنة عشر أمثالها وهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت ؟ فقال : خفف عني أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها قال : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا قال : يا موسى قد والله استحييت من ربي مما أختلف إليه قال : فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه أسرى بعبده من المسجد الحرام والمسجد الحرام هو الذي يتعارفه الناس بينهم إذا ذكروه وقوله { إلى المسجد الأقصى } يعني : مسجد بيت المقدس وقيل له : الأقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغى في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام فتأويل الكلام تنزيها لله وتبرئة له مما نحله المشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة وما يجل عنه جل جلاله الذي سار بعبده ليلا من بيته الحرام إلى بيته الأقصى .
ثم اختلف أهل العلم في صفة إسراء اللة تبارك وتعالى بنبيه من المسجد الحرام إلى المسجد .
الأقصى فقال بعضهم : أسرىالله بجسده فسار به ليلا على البراق من بيته الحرام إلى بيته الأقصى حتى أتاه فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيم سلطانه فجمعمت له به الأنبياء فصلى بهم هنالك وعرج به إلى السماء حتى صعد به فوق السموات السبع وأوحى إليه هنالك ما شاء أن يوحي ثم رجع إلى المسجد الحرام من ليلته فصلى به صلاة الصبح .
ذكر من قال ذلك وذكر بعض الروايات التي رويت عن رسول الله بتصحيحه : .
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : أخبرني ابن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله أسري به على .
البراق وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها بيت الحرام يقع حافرها موضع طرفها قال : فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية فنفرت العير وفيها بعير عليه غرارتان : سوداء وزرقاء حتى أتى رسول الله إيلياء فأتي بقدحين : قدح خمر وقدح لبن فأخذ رسول الله قدح اللبن فقال له جبريئل : هديت إلى الفطرة لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك قال ابن شهاب : فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله لقي هناك إبراهيم وموسى وعيسى فنعتهم رسول الله فقال : فأما موسى فضرب رجل الرأس كانه من رجال شنؤة وأما عيسى فرجل أحمر كأنما خرج من ديماس فأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به فلما رجع رسول الله حدث قريشا أنه أسري به قال عبد الله : فارتد ناس كثير بعد ما أسلموا قال أبو سلمة : فأتى أبو بكر الصديق فقيل له : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة ! قال أبو بكر : أو قال ذلك ؟ قالوا : .
نعم قال : فاشهد إن كان قال ذلك لقد صدق قالوا أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة ؟ قال : إني أ صدقه بابعد من ذلك أصدقه بخبر السماء قال أبو سلمة : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله يقول لما كذبتني قريش قمت فمثل الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن اياته وأنا أنظر إليه .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن أنس بن مالك قال : لما جاء جبرئيل عليه السلام بالبراق إلى رسول الله فكأنها ضربت بذنبها فقال لها جبرئيل : مه يا براق فوالله إن ركبك مثله ! فسار رسول الله فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق : أي على جنب الطريق .
قال أبو جعفر : ينبغي أن يقال : نائية ولكن أسقط منها التأنيث .
فقال : ما هذه يا جبرئيل ؟ قال : سريا محمد فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول : هلم يا محمد قال جبرئيل : سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير قال : ثم لقيه خلق من الخلائق فقال أحدهم : السلام عليك يا أول والسلام عليك يا آخر والسلام عليك يا حاشر فقال له جبرئيل : اردد السلام يا محمد قال : فرد السلام ثم لقيه الثاني فقال له مثل مقالة الأولين حتى انتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الماء واللبن والخمر فتناول رسول الله اللبن فقال له .
جبرئيل : أصبت يا محمد الفطرة ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فامهم رسول الله تلك الليلة ثم قال له جبرئيل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا بقدر ما بقي من عمر تلك العجوز وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه وأما الذين سلموا عليك فذاك إبراهيم وموسى وعيسى .
حدثني علي بن سهل قال : ثنا حجاج قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر في قول الله { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } قال : جاء جبرئيل إلى النبي ومعه ميكائيل فقال جبرئيل لميكائيل : ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه وأشرح له صدره قال : فشق عن بطنه فغسله ثلاث مرات واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسات من ماء زمزم فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما وختم بين كتفيه بخاتم النبوة ثم أتاه بفرس فحمل عليه كل خطوة منه منتهى طرفه وأقصى بصره قال : فسار وسار معه جبرئيل عليه السلام فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال النبي يا جبرئيل ما هذا ؟ قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبع مئة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضحت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال : ما هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها قال : ما هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئا وماالله بظلام للعبيد ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدور ولحم آخر نىء قذر خبيث فجعلوا يأكلون من النيء ويدعون النضيج الطيب فقال : ما هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتي رجلا خبيثا فتبيت معه حتى تصبح قال : ثم أتى على خشبة في الطريق لا يمربها .
ثوب إلا شمته ولا شيء إلا خرقته قال : ما هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم قرأ { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون } ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال : ما هذا يا جبرئيل قال : هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يزيد عليها ويريد أن يحملها فلا يستطيع ذلك ثم لا إتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت .
عادت كما كانت لا يفتر عنهم ! ذلك شيء قال : ما هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء خطباء أمتك خطباء الفتنة يقولون ما لا يفعلون ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من .
حيث خرج فلا يستطيع فقال : ما هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها ثم أتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة وفيه ريح المسك وسمع صوتا فقال : يا جبرئيل ما هذه الريح الطيبة الباردة وهذه الرائحة التي كريح المسك وما هذا الصوت قال هذا صوت الجنة تقول : يا رب آتني ما وعدتني فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي وفواكهي ونخلي ورماني ولبني وخمري فآتني ما وعدتني فقال : لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي ولم يتخذ من دوني أندادا ومن خشيتي فهو امن ومن سألني أعطيته ومن أقرضني جزيته ومن توكل علي كفيته إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد وقد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين قالت : قد رضيت ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة فقال ما هذه الريح يا جبرئيل وما هذا الصوت ؟ قال : هذا صوت جهنم تقول : يا رب اتني ما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وجحيمي وضريعي وغساقي وعذابي وعقابي وقد بعد قعري واشتد حري فآتني ما وعدتني قال : لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل خبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب قالت : قد رضيت قال : سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة ثم دخل فصلى مع الملائكة فلما قضيت الصلاة قالوا : يا جبرئيل من هذا معك ؟ قال : محمد فقالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء قال : ثم قي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم فقال إبراهيم : الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي وأنقذني من النار وجرر علي بردا وسلاما ثم إن موسى أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي كلمني تكليما وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي وجعل من أمتي قوما يهدون بالحق وبه يعدلون ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما وعلمني الزبور وألان لي الحديد وسخر لي الجبال يسبحن والطير وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي سخر لي الرياح وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شيء فضلا وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير وفضلني على كثير من عباده المؤمنين وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي وجعل ملكي ملكا طيبا ليس علي فيه حساب ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب ثم قال له : كن فيكون وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وجعلني أبرىء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ورفعني وطهرني وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان علينا سبيل قال : ثم إن محمدا في أثنى على ربه فقال : كلكم أثنى على ربه وأنا مثن على ربي فقال : الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وأنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شيء وجعل أقتي خير أمة أخرجت للناس وجعل أمتي وسطا وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون وشرح لي صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعل في فاتحا خاتما قال إبراهيم بهذا فضلكم محمد - قال أبو نجر وهو الرازي : خاتم النبوة وفاتح بم الشفاعة يوم القيامة - ثم أقي إليه بانية ثلاثة مغطاة أفواهها فاتي بإناء منها فيه ماء فقيل : اشرب فشرب منه يسيرا ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن فقيل له : اشرب فشرب منه حتى روي ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر فقيل له : اشرب فقال : لا أريده قد رويت فقال له جبرئيل : أما إنها ستحرم على أمتك ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل ثم عرج به إلى سماء الدنيا فاستفتح جبرئيل بابا من أبوابها فقيل : من هذا ؟ قال : جبرئيل قيل : ومن معك ؟ فقال : محمد قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خلق الناس على يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك استبشر وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن فقلت : يا جبرئيل من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء وما هذان البابان ؟ قال : هذا أبوك ادم وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة إذا نظر إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر والباب الذي عن شماله باب جهنم إذا نظر إلى من يدخله من ذريته بكى وحزن ثم صعد به جبرئيل إلى السماء الثانية فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبرئيل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد رسول الله فقالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ؟ نعم المجيء جاء قال : فإذا هو بشابين فقال : يا جبرئيل من هذان الشابان ؟ قال : هذا عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا ابنا الخالة قال : فصعد به إلى السماء الثالثة فاستفتح فقالوا : من هذا ؟ قال : جبرئيل قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء قال : فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس كلهم في الحسن كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب قال : من هذا يا جبرئيل الذي فضل على الناس في الحسن ؟ قال : هذا أخوك يوسف ثم صعد به إلى السماء الرابعة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبرئيل قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ءونعم المجيء جاء قال : فدخل فإذا هو برجل قال : من هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا إدريس رفعه الله مكانأ عليا ثم صعد به إلى السماء الخامسة فاستفتح جبرئيل فقالوا : من هذا ؟ فقال : جبرئيل قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ثم دخل فإذا برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم قال : من هذا يا جبرئيل ومن هؤلاء الذين حوله ؟ قال : هذا هارون المحبب في قومه وهؤلاء بنو إسرائيل ثم صعد به إلى السماء السادسة فاستفتح جبرئيل فقيل له : من هذا ؟ قال : جبرئيل قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فإذا هو برجل جالس فجاوزه فبكى الرجل فقال : يا جبرئيل من هذا ؟ قال : موسى قال : فما باله يبكي ؟ قال : تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني ادم على الله وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا وأنا في أخرى فلو أنه بنفسه لم أبال ولكن مع كل نبي أمته ثم صعد به إلى السماء السابعة فاستفتح جبرئيل فقيل : من هذا ؟ قال : جبرئيل قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم ألأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء قال : فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس وقوم في ألوانهم شيء فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهرا اخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهرا اخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء فصارت مثل ألوان أصحابهم فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم فقال : يا جبرئيل من هذا الأشمط ثم من هؤلاء البيض وجوههم ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء وما هذه الأنهار التي دخلوا فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض وأما هؤلاء البيض الوجوه : فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم وأما الأنهار : فأولها رحمة الله وثانيها : نعمة الله والثالث : سقاهم ربهم شرابا طهورا قال : ثم انتهى إلى السدرة فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غيرآسن وأنهار من لبن لم يتغيرطعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وهي شجرة يسير الر اكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها والورقة منها مغطية للأمة كلها قال : فغشيها نور ا ألخالأق وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة قال : فكلمه عند ذلك فقال له : سل فقال : اتخذت إبراهيم خليلا وأعطيته ملكا عظيما وكلمت موسى تكليما وأعطيت داود ملكا عظيما وألنت له الحديد وسخرت له الجبال وأعطيت سليمان ملكا عظيما وسخرت له الجن والإنس والشياطين وسخرت له الرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان عليهما سبيل فقال له ربه : قد اتخذتك حبيبا وخليلا وهو مكتوب في التوراة : حبيب الله وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وشرحت لك صدرك ووضعت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي وجعلت أمتك أمة وسطا وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا وأولهم يقض له وأعطيتك سبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلك وأعطيتك الكوثر وأعطيتك ثمانية أسهم : ألإسلام وا لهجرة وا لجهاد وا لصدقة والصلاة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلتك فاتحا وخاتما فقال النبي ! : فضلني ربي بست : أعطاني فواتح الكلم وخواتيمه وجوامع الحديث وأرسلني إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وقذف في قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض كلها طهورا ومسجدا قال : وفرض علي خمسين صلاة فلما رجع إلى موسى قال : بم أمرت يا محمد ؟ قال بخمسين صلاة قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم فقد لقيت من بني إسرائيل شدة قال : فرجع النبي إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه عشرا ثم رجع إلى موسى فقال : بكم أمرت ؟ قال : باربعين قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بنى إسرائيل شدة قال : فرجع إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه عشرا فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرت ؟ قال : أمرت بثلاثين فقال له موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة قال فرجع إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه عشرا فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرت ؟ قال : بعشرين قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة قال : فرجع إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه عشرا فرجح إلى موسى فقال : بكم أمرت ؟ قال : بعشر قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة قال : فرجع على حياء إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه خمسا فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرت ؟ قال : بخمس قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة قال : قد رجعت إلى ربي حعى استحييت فما أنا راجع إليه فقيل له : أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة فإن كل حسنة بعشر أمثالها قال : فرضي محمد كل الرضا فكان موسى أشدهم عليه حين مر به وخيرهم له حين رجع إليه