سورة النحل:
آية 1
يقول تعالى ذكره : أتى أمر الله فقرب منكم أيها الناس ودنا فلا تستعجلوا وقوعه .
ثم اختلف أهل التأويل في الأمر الذي أعلم الله عباده مجيئه وقربه منهم ما هو وأي شيء هو ؟ فقال بعضهم : هو فرائضه وأحكامه .
ذكر من قال ذلك : .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك عن جويبر عن الضحاك في قوله { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال : الأحكام والحدود والفرائض .
وقال آخرون : بل ذلك وعيد من الله لأهل الشرك به أخبرهم أن الساعة قد قربت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا .
ذكر من قال ذلك : .
حدثنا القاسم قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : لما نزلت هذه الآية يعني { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال رجال من المنافقين لبعض : إن هذا يزعم أن أمر الله أتى فأمسكو عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا : ما نراه شيء فنزلت : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) فقالوا : إن هذا يزعم مثلها أيضا فلما أروا أنه لا ينزل شيء قالوا : ما نراه نزل شيء فنزلت ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى بن يمان قال : حدثنا سفيان عن إسماعيل عن أبي بكر بن حفص قال : لما نزلت { أتى أمر الله } رفعوا رؤوسهم فنزلت { فلا تستعجلوه } .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا ابو بكر بن شعيب قال : سمعت ابا صادق يقرأ .
يا عبادي أتى أمر الله فلا تستعجلوه .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو تهديد من الله أهل الكفر به وبرسوله وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك وذلك أنه عقب ذلك بقوله { سبحانه وتعالى عما يشركون } فدل ذلك على تقريعه المشركين ووعيده لهم وبعد فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم فيقال لهم من أجل ذلك : قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها وأما مستعجلو العذاب من المشركين فقد كانوا كثيرا .
وقوله { سبحانه وتعالى عما يشركون } يقول تعالى ذكره تنزيها لله وعلوا له عن الشرك الذي كانت قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يدين به .
واختلفت القراء قراءة في قوله تعالى : { عما يشركون } فقرأ ذلك أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين { عما يشركون } بالياء على الخبر عن أهل الكفر بالله وتوجيه للخطاب بالاستعجال إلى أصحاب رسول الله وكذلك قرءوا الثانية بالياء وقرأ ذلط عامة قراء الكوفة بالتاء على توجيه الخطاب بقوله { فلا تستعجلوه } إلى أصحاب رسول الله وبقوله تعالى عما تشركون إلى المشركين والقراءة بالتاء في الحرفين جميعا على وجه الخطاب للمشركين أولى بالصواب لما بينت من التأويل أن ذلك إنما هو وعيد من الله للمشركين ابتدأ أول الآية بتهديدهم وختم آخرها بنكير فعلهم واستعظام كفرهم على وجه الخطاب لهم