"هُبَلٌ" : اسم أطلقه العرب المشركون في الجاهلية على الصنم الأكبر ، الذي وضعوه داخل الكعبة ، ووضعوا بجانبه مجموعة من الأصنام الصغيرة ، بلغ عددها ثلاثمائة وستون صنماً ، كانوا يجعلونها آلهة ، ويعبدونها من دون الله ، مع أنها قطع خشبية أو حجرية جامدة ، لا حياة فيها ! .
ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، في السنة الثامنة من الهجرة ، ودخل الكعبة المليئة بالأصنام ، كان "يكنسها" عن الأرفف بعصاه ، فتتهاوى وتتساقط على الأرض متكسرة ، وفي مقدمتها الصنم الأكبر ،"هُبَلٌ" .. وكان أثناء فعله بها وتحطيمها يتلو قوله تعالى :"وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" .
ولا أدري من أين جاء المشركيون بهذا الاسم لهذا الصنم الأكبر ، لكنني ألحظ فيه معنى : "الهَبَلِ" العامي عندنا ، فعندما يقولون : فلان عنده هبل ، فهو أهبل ، فإنهمم يعنون أنه ساذج عبيط هزيل .. وهذا يتحقق في الذين جعلوا الصنم "هبل" إلهاً ، إذ كيف ألهوه وعبدوه وأين عقولهم عنهم ؟ .. لقد كانوا في غاية "الهَبَل" عندما ألهوا "هٌبَل" !! .
والحاكم الظالم المتجبر الطاغية في زماننا "متفرعن" ، يسير على طريق ذلك الطاغية "فرعون" ، وهو مصاب بمرض "الفرعونية" الخطير _الذي تحدثنا عنه في حلقتين سابقتين_ وهذا الحاكم المتفرعن "متأله" يتصرف مع شعبه وكأنه "إله" معبود ، ولسان حاله يقول كما قال ذلك الفرعون بالفم الملآن : "أنا ربكم الأعلى" و "ما علمت لكم من إله غيري" ويمكنك أن تطلق على ذلك الحاكم المتفرعن الطاغية المستبد اسم "هُبَل" الذي أطلقه الجاهلون على صنمهم الأكبر داخل الكعبة ..
وهذا ما فعله الرائد المفكر الشهيد سيد قطب رحمه الله ، حيث ابتلى بالحاكم المستبد المتفرعن في أيامه ، وعذب على أيدي زبانيته تعذباً رهيباً ، سنوات عديدة ، انتهت بإعدامه _أو استشهاده_ . ومن المعلوم أن سيد قطب رحمه الله كان أديباً شاعراً قبل أن يكون مفكراً أو مفسراً ، ورائداً للفكر الإسلامي المعاصر.
ولقد تفاعلت شاعرية سيد قطب مع محنته القاسية ، وأنطقته بأبيات شعرية رائعة ، وصف فيها الحاكم المتأله بوصف "هُبَل" .. ونرى أن أبياته الشعرية تنطبق على كل "هُبَل" مستبد متجبر بحكم بلده في زماننا .
ونقدم للقراء قصيدة "هُبَلٌ ... هُبَل" لسيد قطب وندعوهم إلى ملاحظة انطباقها على الحكام الطغاة في هذه الأيام ، وكأنما صاغها سيد قطب سنة 2011 .
هُبَلْ..هُبَلْ.. هُبَلْ رَمزُ السخافةِ والدَّجلْ من بعدِ ما اندثرتْ على أيدي الأباةْ عادتْ إلينا اليومَ في ثوب الطغاةْ تتنشّق البخورَ تحرقُه أساطيرُ النفاقْ مَنْ قُيِّدَتْ بالأسر في قيد الخَنا والارتِزاقْ وثنٌ يقودُ جموعَهم.. ياللخجلَ!
هبلْ.. هبلْ رَمزُ السخافةِ والجهالةِ والدَّجلْ لا تسألنْ يا صاحبي تلك الجموعْ لِمَنِ التعبُّدُ والمثوبةُ والخضوعْ دَعْها.. فما هي غيرُ خِرفان القطيعْ معبودُها صنمٌ يراه العمُّ سامْ وتكفّلَ الدولارُ كي يُضفي عليهِ الإحترامْ وسعى القطيعُ غباوةً:.. يا لَلْبَطَلْ!
هبل.. هبل رَمزُ السخافةِ والجهالة والخيانةِ والدَّجلْ هُتّافَةُ التهريج ما مَلُّوا الثَّناءْ زَعموا له ما ليسَ عندَ الأنبياءْ مَلَكٌ تجلْبَبَ بالضِّياء.. وجاءَ من كبدِ السماءْ هو فاتحٌ.. هو عبقريٌ ملهَمُ هو مرسَلٌ.. هو عالمٌ ومعلِّمُ ومِنَ الجهالةِ ما قتَلْ!