ما هي الحياة
الحياة هي نور الله، وتعبير الألوهية. إنا سماوية. إنها مجرى الكينونة الأبدية، وجريان وجود الذكاء والإبداع والنقاء والغبطة.
الحياة هي الأحادية. وعلى أساس الحياة المطلقة الأبدية، وعلى سطح الأبدية، نحن مخلوقات بشرية فانية للوجود الظاهري الدائم التغير.
الحياة هي الأحادية في الوعي الإلهي. إنها التعددية في نور الله. إن الحياة هي مطلقة في وعي الغبطة ونسبية في تنوع الفرح الظاهري.
إن الحياة بأساسها هي الكينونة. إن الحياة بطبيعتها الأساسية هي البحر الأبدي غير المقيد للكينونة.
عندما نصرح أن الحياة هي بحر الكينونة، لا نعني بأن الحياة هي ذلك فقط. إنها أيضاً المجرى والجريان للكينونة. وعبارة "مجرى الكينونة" تعني الكينونة من النواحي الظاهرة والنسبية.
لنأخذ مثلاً البحر، بما أننا ذكرنا بأن الحياة هي بحر الكينونة. تكون الماء باردة في عمق البحر، وكلما نرتفع باتجاه السطح نجد حرارة الماء ترتفع في كل مستوى، أما في السطح فتكون الأكثر حرارة. تكوّن الدرجات المختلفة للحرارة في المستويات المختلفة حرارة البحر ككل. إن الماء هي ذاتها في كل المستويات، ولكن وطبقاً لحرارة كل مستوى مختلف، تختلف الماء من حيث كثافتها. وهكذا تكون الماء هي ذاتها ولكنها تختلف بالمستويات المختلفة.
وهكذا، إن الكينونة هي ذاتها ولكنها تختلف على المستويات المختلفة للخليقة. إنها تتكون من مستويات مختلفة للفهم، ومستويات مختلفة للذكاء والإبداع، ومستويات مختلفة للسلام والسعادة.
ما هي الحياة
إن كل هذه المستويات للسلام والسعادة والإبداع والذكاء والقوة هي ليست سوى المستويات المختلفة للكينونة. إن أحد أطراف الكينونة هو مطلق والآخر هو الحالة السطحية للوجود النسبي. تكون المستويات المختلة لهذين الطرفين الحالات المختلفة للكينونة الظاهرة. هكذا نجد أن الحياة هي بحر الكينونة. ومع أنها تبقى أبداً الكينونة المطلقة، إلا أنها موجودة في النوعيات المختلفة والأشكال المختلفة والظواهر المختلفة للخليقة المتنوعة.
هناك مثال آخر بساعدنا كي نفهم طبيعة الحياة. نحن نعلم أن الهيدروجين والأوكسجين هما من الغازات وعندما يتوحدان يكونان الماء. بالرغم من أنهم من الغاز إلا أنهما يصبحان ماءً، ويبقى التكوين الأساسي للهيدروجين والأوكسجين هو ذاته.
ما هي الحياة
عندما تتجمد الماء وتتحول إلى جليد، تتغير النوعية مرة أخرى، ولكن التركيبة الأساسية تبقى هي ذاتها. لقد تحولت سيولة الماء إلى صلابة الجليد. وتحولت شفافية الماء إلى كمدة الجليد، ولكن ومع كل هذه التغيرات، لم تتغير التركيبة الأساسية للهيدروجين والأوكسجين. يتواجد العنصر ذاته في كل المستويات المختلفة وبظهوره بنوعيات مختلفة يعطي ظواهر مختلفة.
يشبه تماماً كما يكون الإنسان ممثلاً على المسرح ولاعباً في الملعب وتلميذاً في الصف و شارياً في السوق.
عندما يجلس القاضي في قاعة المحكمة، يلبس الرداء اللائق للقاضي، ولكن عندما يذهب إلى النادي نجده مرتدياً الثياب التي تلبس في النادي. عندما يكون في البيت يرتدي ثياب تختلف عن كل الثياب الأخرى التي يرتدي في الشارع. وقبل أن يخلد للنوم ثيابه أيضاً. إن الكساء يتغير دوماً ولكن الإنسان يبقى هو ذاته. يتم التعامل معه بشكل مختلف من أشخاص مختلفين، ولكن الإنسان هو ذاته أبداً.
وعلى هذا النحو، تختلف في نوعياتها جميع الأشكال والظواهر المختلفة في الخليقة. لا يوجد شكلان متطابقان في العالم، لأنه لا يوجد شيء ثابت في الخليقة. إن كل شيء يتغير من حالة إلى أخرى، ولكن في أساس كل المراحل الدائمة التغير للأشكال والظواهر في الخليقة، تبقى الحقيقة التحتية هي ذاتها الكينونة الأبدية المطلقة التي لا تتغير.
ما هي الحياة
يمكن تفسير ما هي الحياة في مثل الشجرة. إن كل ما ينسب للنواحي الخارجية للشجرة مثل الجزع والأغصان والأوراق والأزهار والثمر، مع ما ينسب إلى الجذور الداخلية، تكون جميعها الحياة الكاملة للشجرة. ولكن عندما نتعمق في حياة الشجرة نجد أنه وبالرغم من أن الجذور هي أساس الشجرة الخارجية، إلا أنها ليس في وضع تكون فيه مستقلة بشكل مطلق. تعتمد الشجرة على التغذية أو النصغ، الذي يأتي من مكان خارج الجذور ذاتها. إن هذا النسغ هو أساسي للشجرة كلها. هي التي توجد الجذور وتمر من خلالها كي تنمي النواحي المختلة للشجرة.
هكذا نرى أن الشجرة هي لا شيء من دون التغذية التي تأتي من خارج حدود الشجرة الفردية. إن الشجرة هي بالتأكيد محددة بروابط الجذور والشجرة الخارجية، ولكن أساسها هو خارج تلك الروابط.
إن أساس الحياة له طبيعة تجاوزية؛ إنها تتجاوز روابط الشجرة الداخلية والخارجية. إنها حقل المكون الأساسي للحياة.
وعلى هذا النحو، إن حياة الإنسان، أو أي حياة فردية أخرى في الخليقة، لها ثلاثة نواحي وهي الناحية الخارجية والناحية الداخلية والناحية التجاوزية. إن الناحية الخارجية للحياة هي الجسم، والناحية الداخلية هي الشخصية الذاتية التي تعنى بعملية الاختبار والعمل، أما الناحية التجاوزية للحياة فهي الكينونة.
ما هي الحياة
يمكننا أن نشبه النواحي المختلفة للحياة بحبة جوز الهند. يتكون الجزء الخارجي من جوز الهند من الغلاف الخارجي والقشرة السميكة والألياف الكثيرة. يمكن تشبيه القشرة وشكلها المعين مع الناحية الخارجية أو السطحية والمادية للحياة، أي الجسم. تحت القشرة يوجد ناحية ثمينة من جوز الهند وهي طبقة الحليب القاسية، وهي اللب. وتحت اللب يوجد خلاصة جوز الهند وهو الحليب بشكله الصافي. لقد تجمد الحليب الصافي وشكل الطبقة الداخلية الصلبة وغلف ذاته بطبقة أخرى قاسية وأكثر صلابةً من الغلاف من أجل حماية النواحي الداخلية الثمينة من جوز الهند.
وبشكل مماثل، نجد في حياة الفرد أن الكينونة الداخلية هي كينونة مطلقة غير ظاهرة والتي تظهر بالأنا والمنطق الذهن والحواس والبرانا. تكوّن هذه الحالات المرهفة جميعها، الإنسان الداخلي أي الذات في الداخل التي هي الناحية الذاتية للحياة. تختلف الناحية الذاتية للحياة عن الناحية الموضوعية، التي هي الجسم بكل أعضائه المتنوعة.
في دراستنا لمسألة الحياة علينا أن نأخذ بعين الاعتبار المسألة من كل جوانبها، وإذا توصلنا إلى كشف الصورة الواضحة لجميع نواحي الوجود الفردي، عندئذ نكون قد عرفنا المجال الكامل للحياة.
هكذا، تتكون الحياة بمجالها الكامل من ثلاثة أوجه: الوجهة الموضوعية والوجهة الذاتية والوجهة التجاوزية. هذه هي الحياة بشموليتها.