كان علي بن أبي طالب رضي
الله عنه أول من أسلم من الأحداث، وصدَّق برسول الله صلى الله عليه وسلم،
شهد كثيراً من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبلى فيها بلاءً
حسنًا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، قيل: إن قوله تعالى: { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } (البقرة:207) نزلت في حقه رضي الله عنه .
وفي "الصحيحين" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: ( لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) .
دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: ( اللهم ثبت لسانه واهدِ قلبه ) رواه الإمام أحمد وابن ماجه،
فكان رضي الله عنه بفضل هذه الدعوة من الموفَّقين والمسدَّدين، حتى ضُرب
به المثل، فقيل: قضيةٌ ولا أبا حسنٍ لها...ولا عجب في ذلك، فقد رعته عين
النبوة، وترعرع في ربوعها، وتغذى من لبانها .
ثم إنه رضي الله عنه
جمع إلى جانب مهارته في القضاء والفتوى، العلم بكتاب الله، والفهم لمعانيه
ومقاصده، فكان من أعلم الصحابة رضي الله عنهم بأسباب نزول القرآن، ومعرفة
تأويله؛ يشهد لهذا ما رُوي عن ابن عباس رضي الله أنه قال: ( ما أخذتُ من تفسير القرآن، فعن علي بن أبي طالب ) فإذا كان هذا شأن ابن عباس رضي الله عنه، وهو ترجمان القرآن، فكيف - والحال كذلك - بمن أخذ عنه؟
روى أبو نعيم في "الحلية" عن علي رضي الله عنه أنه، قال: " والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، وإن ربي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً سؤولاً " .
والمتأمل في كتب التفسير التي بين أيدينا، يلحظ أنها قد أكثرت من الرواية عن علي رضي الله عنه، إلا أن نقاد الرواية بيَّنوا أن ما صح عن علي رضي الله عنه في ذلك قليل، قياساً بما وُضِعَ عليه .
ومن أصح الطرق التي ثبتت عنه طريقان، الأولى: طريق هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي رضي الله عنه، وهذه الطريق اعتمد عليها البخاري في "صحيحه" .
والطريق الثانية: طريق الزهري، عن علي زين العابدين، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي رضي الله عنه، وهذه الطريق صحيحة أيضًا، وإن لم تكن مشهورة كالطريق الأول، كما بيَّن ذلك أهل الرواية والدراية .
وبعد: فإن في الآثار التي صحت عن علي
رضي الله عنه، وغيره من صحابة رسول خير عون للمرء على فهم كتاب الله،
ومعرفة معانيه ومقاصده، إذ إن الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين، عاصروا نزول
الوحي على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وشاهدوا من تطبيقه لكتاب الله،
وتنـزيله على وقائع الحياة، ما لم يتوفر لمن بعدهم، فكانوا خير قدوة، وخير
سلف، يُرجع إليهم في الوقوف على تفسير القرآن الكريم .