زغاليل ومخصصات..
لم تنفع معه كل محاولات الترصد والمتابعة والمناوبة، فقد كان يغيب لحظة مراقبتنا له، ثم يعود ليغافلنا في لحظات يصيبنا فيها الملل أو الانشغال وينقض على رفوف الحمام المنصوبة على العمود الاسمنتي.. يخطف ما يخطف ويظفر «بزغلول» مكتنز ويهرب..لنرى في الصباح الباكر أثار جريمته؛ منقار، عظام، وريش، تحت الزيتونة الكبرى..
لا زلت أحفظ ملامحه جيداً، قط سمين، ذو تقاسيم متعجرفة، و»نياع» منتفخة أكبر من «نياعي»، أما لون وبْرِه فمموه بين الأخضر والرمادي..كان لئيماً ومثابراً،ولا يرهبه كل أسلحتنا التقليدية، أجزم أن ما ناله من حجارة ودبش وحفايات في حياته يفوق ما يناله ابليس من رمي الحجيج..
عجزنا في التعامل معه، قلنا نشبعه ليترك «زغاليلنا» في حالها، فصرنا – على سبيل حسن النية- نقدم لها من رأس الطعام، وبعض العظام المشفوعة بالقليل من اللحم، إلا انه لم يكن يتقبّلها، بل لم يكن يلتفت لكل ما هو موضوع عن قصد في طريقه ..وكأنه «حالف يمين» الا يأكل طعاماً حلالاً في حياته..
بقي الحال على ما هو عليه، مع كل نهار ..ثمة ريش وبقايا عظام وأقفاص صدرية لزغاليل وحمام عاجز..حتى بدأت الرفوف تفرغ من ساكنيها بسبب عدوانية ذلك النذل..
ذات يوم زارنا «ختيار» وقور صديق والدي، فشكا له «رحمة الحجي» سطوة ذلك « البسّ « الكاسر على الزغاليل ونفاد كل الطرق السلمية والحربية للتعامل معه..هزّ الرجل رأسه وكأنه يعرف الحلّ تماما.. طلب «موس كبّاس»..أخذ «الموس» فتحه وقرأ عليه بصوت منخفض لا أعرف بالضبط ماذا قرأ، ربّما «بعض الآيات والأدعية» ثم أغلقه وقال: علّقوه على العمود الاسمنتي : «و بكون أخو اخته أذا بقرّب»..لم نقتنع بالحل، لكن نفّذنا ما أمرنا به «الشيخ» ..الغريب أننا لم نرَ بعد ذلك التاريخ سحنة ذلك «البسّ» اطلاقاً، ولم نلحظ أية آثار للريش والعظام والأقفاص الصدرية..
حقيقة لا يوجد لدي أي تفسير علمي لما حدث، وان كنت قد خرجت بأحد الاحتمالين : أما أن يكون ذلك «الموس» قد حرّم على «البس»الاقتراب من عمود الحمام فعلاً ..أو أنه قد «غيّر» تكتيكه» وصار يخطف الزغاليل ويهرب بها خلف سياج الدار ..المهم لم نعد نرى تقصيرنا تجاه زغاليلنا...
***
فكّرت في كل طرق الحد من الفساد ولم أجد حلا الا بنفس الطريقة ..نحن بحاجة الآن الى «موس كباس» طول الواحد منها أربعة أمتار ليعلق على مبنى كل وزارة أو شركة شبه حكومية أو دائرة كبرى أو مؤسسة استثمارية علّها تحول بين «بِسّ « الفساد..وزغاليل «المخصصات والموارد»...
أحمد حسن الزعبي