موضوع: الإسلام في لينشيا شمال غربي الصين 3/3/2011, 00:08
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تقع ولاية لينشيا الذاتية الحكم لقومية هوى في وسط مقاطعة قانسو شمال غربي الصين، وتلفت انتباه زائرها بها بملامحها وثقافتها الإسلامية الخالصة. يوجد فيها ألفان وسبعمائة وسبعة وخمسون مسجدا، الأمر الذي يفوق أعداد المساجد في بعض المدن العربية.
تقع لينشيا في طرف المجرى الأعلى للنهر الأصفر، وهي مدينة ثقافية عريقة ذات تاريخ يعود إلى خمسة آلاف سنة. ومنذ أن وحد الإمبراطور الأول لأسرة تشين (207ق.م – 221 ق.م) الصين ظلت لينشيا محطة ترانزيت على طريق الحرير، وكانت عاصمة دويلة تشين الغربية.
في فترة أسرتي تانغ وسونغ (618-1279 م) الملكيتين، يأتي إلى الصين كثير من التجار العرب والفرس، وقد استوطن نفر منهم لينشيا، التي كانوا يمرون بها أثناء سفرهم، وهكذا تشكلت بدايات الوجود الإسلامي في هذه المنطقة. وفي أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، أسرت قوات جنكيز خان في حملاتها على آسيا الوسطى وغربي آسيا، عددا كبيرا من الجنود المسلمين، وكان يتم إرسال هؤلاء الجنود إلى لينشيا التي كانت وقتذاك موقعا عسكريا استراتيجيا، فإزداد عدد مسلمي لينشيا. في عهد الإمبراطور يوان شي تسو من أسرة يوان، أعلن القائد المنغولي آن شي وانغ وجنوده البالغ بلغ عددهم مائة وخمسين ألف جندي الدخول في الإسلام. وبعد فشل إنقلابهم ضد حكم أسرة يوان سافروا إلى لينشيا واستقروا فيها.
في عهد الإمبراطور شون تشي لأسرة تشينغ الإمبراطورية (1638-1661)، شهد الإسلام في الصين إزدهارا كبيرا، حيث كانت مدينة شيآن التي تقع شرق لينشيا مركزا صينيا للثقافة الإسلامية. وبعد شون تشي، تم توريث عرشه، إلى ابنه كانغ شي، ومن بعده حفيده يونغ تشنغ وقد أوليا اهتماما بالحياة الدينية للمسلمين، لكن سياسة أسرة تشينغ تجاه المسلمين تغيرت في عهد الإمبراطور تشيان لونغ الذي اعتلى العرش لمدة ستين سنة، حيث قمعت حكومة تشينغ النشاطات الإسلامية ونفت المسلمين إلى غربي الصين، فاضطر المسلمون في مدينة شيآن، وكان عددهم مائة ألف مسلم في ذلك الوقت، إلى الهجرة إلى لينشيا، وهكذا انتقل مركز الثقافة الإسلامية إلى لينشيا. ثم قام المسلمون في مقاطعتي شانشي وقانسو بشمال غربي الصين بعدة ثورات ضد حكم أسرة تشينغ الإمبراطورية (1644-1911) وقد تم قمعها جميعا، فهاجر كثير منهم إلى لينشيا، التي أفلتت من قمع الحكومة عدة مرات بأعجوبة، فزاد عدد المسلمين، مع مرور الزمن، وأصبحت لينشيا مركزا هاما للتعليم الإسلامي بشمال غربي الصين.
بلغ عدد المسلمين في لينشيا مليونا وتسعة وعشرين ألفا في نهاية عام ألفين وستة ، ويشكلون إثنين وخمسين فاصلة سبعة في المائة من سكان الولاية، ينتمون إلى قوميات هوي ودونغشيانغ وباوآن وسالار وقازاق والويغور. وهم يلتزمون بأركان الإسلام الخمسة وبالشريعة الإسلامية. تعتبر الزراعة هي النشاط الاقتصادي الرئيسي للمسلمين في لينشيا، وإن كان بعضهم يمارس التجارة. وومتمسكون بتقاليدهم وعاداتهم الخاصة في الطعام والشراب والملبس ويحتفلون بالأعياد الصينية مثل عيد الربيع التقليدي الصيني وعيد يوان شياو والأعياد والمناسبات الإسلامية مثل شهر رمضان وعيد الأضحى وعيد الفطر ورأس السنة الجهرية وإلى آخره.
تلعب المساجد في لينشيا دورا لا غنى عنه في حياة المسلمين. حسب تقاليدهم، يسكن معظم مسلمي لينشيا في دور مستقلة عن بعضها. لا يمثل المسجد مكان الصلاة للمسلمين فحسب بل مركزَ حياتهم واقعيا وروحيا. عندما يرتفع آذان الفجر، ينهضون جميعا من نومهم لأداء الصلاة، ويحرصون على أداء الصلوات الخمس في المسجد. في المساء، تقام في المسجد دورات لتعاليم الإسلام، فالشباب، بعد انتهاء عملهم في النهار، يدرسون هذه التعاليم ويرفعون مستواهم في قراءة القرآن وتجويده وحفظه، أما ربات البيوت، فيأخذن دروسا إضافية حول العلوم الإسلامية الأساسية. وقد نجحت المسنات في لينشيا في تعلم كيفية الصلاة وتصحيح قراءة القرآن. وفي مناسبات الزفاف ينظم مكتب إدارة المسجد فريق التهنئة، ويقدم أدوات المائدة لأسرة العروسين كي تقيم مائدة الزفاف. وقبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية، يدرس الأطفال في المسجد قراءة القرآن كل يوم، ويؤدون الصلاة تحت إرشاد الكبار والأئمة.
هناك مسجد كبير في لينشيا وهو مسجد نانقوان، الذي بني في فترة أسرة يوان (1271-1368)، ويعد أقدم مسجد في لينشيا ومن أقدم المساجد في منطقة مجرى النهر الأصفر وأدرج ضمن أشهر مائة مسجد في الصين. يتكون المسجد ذو الهيكل الخشبي، من القاعة الأمامية وقاعة الصلاة التي يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار محمولة على ثلاثين عمودا رخاميا. للمسجد ثلاث مآذن؛ منها مئذنة كبيرة ارتفاعها حوالي إثنين وعشرين مترا، تحمل اسم "وانغيوه لوه" (بناية مشاهدة الهلال). يجمع مسجد نانقوان بين طراز العمارة العربية وطراز العمارة الصينية، ويعتبر نموذجا رائعا لإندماج الحضارتين الصينية والعربية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تعتبر القباب مشهدا آخرا مميزا في لينشيا. القبة التي تسمى في الصينية ب"قونغبي"عبارة عن مجموعة من قبور لشخصيات إسلامية محلية وقبور طلابهم واتباعهم والبنايات التابعة حسب المذاهب الدينية، حيث ينتمي مسلمو لينشيا إلى المذاهب الإسلامية الأربعة ، ويقيمون نشاطاتهم الدينية في القبة الخاصة بمذهبهم. تتميز قباب لينشيا بسمات تقليدية خاصة، فتتكون غالبا من الغرفة الرئيسية بلون الذهب وقاعة الصلاة والقبور التابعة. والقبة الرئيسية مبنية بهيكل خشبي من طابقين أو ثلاثة طوابق. فأكبر القباب هي قبة لينشيا الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أسلوب موسيقي مشهور في لينشيا وهو ألحان "هوا أر" التي تعتبر من أبرز التقاليد الشعبية الإسلامية في هذه المنطقة. وفي ختام حلقة اليوم، ندعوكم للاستماع إلى مقطوعة موسيقية من هذا النوع الموسيقي وتحمل عنوان "الزهور والشبان".