ويعلم ان اصدق الكلام كلام الله

بسم الله الرحمن الرحيم


قوله : و يعلمون أن صدق الكلام كلام الله


هذا علمنا واعتقادنا، و أن ليس في كلام الله من كذب بل هو أصدق الكلام، فإذا اخبر الله عن شيء بأنه كائن ؛ فهو كائن و إذا اخبر عن شيء بأنه سيكون ، و إذا اخبر عن شيء بأنه صفته كذا أو كذا فان صفته كذا و كذا.

فلا يمكن أن يتغير الأمر عما اخبر الله ، و من ظن التغير فإنما ظنه خطأ لقصوره أو تقصيره

مثل ذلك لو قال قائل : إن الله عز و جل اخبر أن الأرض قد سطحت فقال
** و إلى الأرض كيف سطحت} الغاشية 20 ـ و نحن نشاهد أن الأرض مكورة فكيف يكون خبره خلاف الواقع ؟ فجوابه إن الآية لا تخالف الواقع و لكن فهمه خاطئ إما لقصره أو تقصيره فالأرض مكورة مسطحة و ذلك لأنها مستديرة ، و لكن لكبر حجمها لا تظهر استدارتها إلا في مساحة واسعة تكون بها مسطحة، و حينئذ يكون الخطأ في فهمه ، حيث ظن أن كونها قد سطحت مخالف لكونها كروية.

فإذا كنا نؤمن إن اصدق الكلام كلام الله ؛ فلا ذلك انه علينا إن نصدق بكل ما اخبر الله به في كتابه، سواء كان ذلك على نفسه أو على مخلوقاته.

قوله ** و خير الهدي محمد صلى الله عليه و سلم}
الهدي : و الطريق التي كان عليها السالك ، و طريق شتى ، ولكن خيرها طريق النبي صلى الله عليه و سلم فنحن نعلم ذلك و نؤمن به ، نعلم أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، في العقائد و العبادات و الأخلاق و المعاملات و إن هدي محمد صلى الله عليه و سلم ليس بقاصر ؛ لا في حسنة و تمامه وانتظامه و موافقته لمصالح الخلق، و لا في أحكام الحوادث التي تنزل تقع إلى يوم القيامة، فان هدي محمد صلى الله عليه و سلم كامل تام ؛ فهو خير الهدي ؛ أهدى من شريعة النواة و الإنجيل و ألزبور و صحف إبراهيم و جمع الهدي.

فإذا كنا نعتقد ذلك ؛ فوا لله لا نبغي به بديلا و بناء على هذه العقيدة لا نعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بفول احد من الناس كائنا من كان حتى لو جاءنا قول لأبي بكر و هو خير الأمة و قول لرسول الله صلى الله عليه و سلم أخذنا بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم و أهل السنة و الجماعة بنوا هذا الاعتقاد على كتاب و السنة.
قال تعالى ** و من أصدق من الله حديثا} النساء 87 ـ و قال النبي صلى الله عليه و سلم و هو يخطب الناس على المنبر : خير الحديث كتاب الله، و خير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم و لهذا نجد الذين اختلفوا في الهدي و خالفوا فيه : غما مقصورين عن الشريعة الرسول الله صلى الله عليه و سلم و إما غالين فيها ، بين متشددين و بين متهاونين ، بين مفرط و مفرط ، و هدي الرسول عليه الصلاة و السلام يكون بين هذا و هذا.

قوله : و يؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس
يؤثرون : أي يقدمون كلام الله على كلام غيره : من سائر أصناف الناس في الخبر و الحكم ، فاخبر الله عندهم مقدمة على خبر كل احد ، فإذا جاءتنا أخبار عن أمم مضت و صار القرآن يكذبها فإننا نكذبها.

مثال ذلك : اشتهر عند كثير من المؤرخين إن إدريس قبل نوح و هذا كذب ، لأن القرآن يكذبه كما قال الله تعالى :** إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيين من بعده} النساء ـ 163 إدريس من النبيين كما قال الله تعالى ** و اذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا } مريم ـ 57 إلى أن قال ** أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من درية ءادم و ممن حملنا مع نوح} مريم ـ 57 .

و قال تعالى ** و لقد أرسلنا نوحا و إبراهيم و جعلنا في دربتهما النبوة و الكتب} الحديد ـ 62 ـ فلا نبي قبل نوح إلا آدم فقط.

قوله : و يقدمون هدي محمد صلى الله عليه و سلم على هدي كل احد.
يقدمون هديه : أي طريقته و سنته التي عليها.

و على هدي كل أحد : في العقائد و العبادات و الأخلاق و المعاملات و الأحوال و في كل شيء لقوله تعالى : ** و إن هذا صراطي المستقيم فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } الأنعام ـ 153.
** قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم و الله غفور رحيم } آل عمران

قوله : و لهذا اللام في قوله و لهذا للتعليل أي من اجل إيثارهم كلام الله و تقديم هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم.


سموا أهل الكتاب و السنة :
لتصديقهما والتزامهما و إيثارهما على غيرهما ، و من خالف الكتاب و السنة و ادعى انه من أهل الكتاب و السنة ، فهو كاذب لأن من كان من اهل شيء لابد ان يلزمه و يلتزم به.

قوله سموا أهل الجماعة ، لأن الجماعة هي الاجتماع و ضدها الفرقة ؛ فالجماعة اسم مصدر اجتماع يجتمع أهل الاجتماع ، لأنهم مجتمعون على السنة متآلفون فيها لا يضلل بعضهم بعضا و لا يبعد بعضهم بعضا بخلاف أهل البدع.

قوله : إن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين : هذا في استعمال ثان حيث صار لفظ الجماعة

عارفا : اسما للقوم المجتمعين
و على ما قرره المؤلف تكون الجماعة في قولنا : أهل السنة و الجماعة}
معطوفة على ** السنة} و لهذا عبر المؤلف بقوله سموا أهل السنة و الجماعة

نقول : الجماعة في الأصل ـ الاجتماع : فأهل الجماعة يعني أهل الاجتماع، و لكن نقل اسم الجماعة إلى القوم المجمعين نقلا عرفيا.

قوله و الإجماع هو أصل الثالث الذي يعتمر عليه في العلم و الذي يعني به الدليل الثالث ، لأن الأدلة أصول الأحكام ، حيث تبنى عليها.
و الأصل الأول هو الكتاب و الثاني السنة ، و الإجماع هو الأصل الثالث و لهذا يسمون أهل الكتاب و السنة و الجماعة.

فهذه ثلاثة أصول يعتمد عليها العلم و الدين و هي الكتاب و السنة والإجماع.

اشكر لك مرورك الكريم