العدل صفة ربانية جعلها الله اسما من أسمائه واختص بها ذاته لعظمتها وأهميتها في كل وقت ومكان ، وبدونها تضيع الحقوق ويسيطر الظلم ويعتدي الكبير على الصغير ، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} [النحل: 90] ومعنى ذلك أنه يجب علينا أن نطبقه في جميع شئون حياتنا .
والمتأمل في كتاب الله وسنة نبيه يجد الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ورد فيها الحث على العدل فنجد قوله تعالى في سورة النساء "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58)" وفى سورة الأنعام قال تعالى " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا "152}.
وفى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" )البخاري(.
وقد فسر علماء اللغة معنى العدل بأنه الإنصاف، وإعطاء المرء ما له، وأخذ ما عليه كما أن العدل هو ضد الظلم وعدل الله هو تنزيه الله عن الظلم،والظلم هو التعدي ووضع الشيء في غير موضعه الذي يليق به وهذا نقصٌ بالضرورة والمفروض أنه تعالى مسلوب عن جميع النقائص فهو عادل فالعدل هو تنزيهه تعالى على النقائص الفعلية) وأنه لا يتصف بصفات الظالم فلا يفعل القبيح ولا يجبر العباد على الطاعة أو العصيان وسيجزيهم بما عملوه ثواباً أو عقاباً. فلا جور في قضائه ولا حيف في حكمه ولا يكلف عباده بما لا يطيقون ويعاقبهم على ما يستحقون فهو عادل في حكمه وخلقه وأفعاله.
إذن معنى العدل هو رعاية الحقوق كاملة على عكس الظلم الذي يعني عدم احترام الحقوق أو عدم رعاية حقوق الناس فبالعدل توزع الحقوق على الناس حسب الأولويات الطبيعية بينما الظلم يعني سحق تلك الأولويات وبالتالي إضاعة حقوق الآخرين ،فما يعطينا سبحانه من نعمه وبركاته وفيضه ورحمته ليس مقابل طلب ماضٍ نطلبه منه سبحانه!! بل هو من منه وعطفه وهذا التوزيع العادل هو الذي يجعلنا نكبر عظمة الخالق الكريم في كل صنوف الطبيعية
وللعدل أنواع كثيرة منها
* العدل بين المتخاصمين: كان صلى الله عليه وسلم مثالا في تطبيق العدل، وقد جاء إليه رجلان من الأنصار يختصمان إليه، ويطلبان منه أن يحكم بينهما، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن مَنْ يأخذ حق أخيه، فإنما يأخذ قطعة من النار، فبكي الرجلان وتنازل كل واحد منهما عن حقه لأخيه.
* العدل في الميزان والمكيال: المسلم يوفي الميزان والكيل، ويزن بالعدل، ولا ينقص الناس حقوقهم، ولا يكون من الذين يأخذون أكثر من حقهم إذا اشتروا، وينقصون الميزان والمكيال إذا باعـوا، وقـد توَّعـد الله من يفعـل ذلك، فقـال الله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم} [المطففين: 1-5]. وقال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} [الرحمن: 9].
* العدل بين الزوجات: والمسلم يعدل مع زوجته فيعطيها حقوقها، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والنفقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل) [أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه].
والميل الذي حذر منه هذا الحديث هو الجور على حقوقها، ولهذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين زوجاته -رضوان الله عليهن- بالعدل، ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك).[أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه].
* العدل بين الأبناء: فالمسلم يسوِّي بين أولاده حتى في القُبْلَة، فلا يُفَضِّل بعضهم بهدية أو عطاء؛ حتى لا يكره بعضهم بعضًا، وحتى لا تُوقَد بينهم نار العداوة والبغضاء.
يقول النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة (أم النعمان): لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. فقال صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) (البخاري)
* العدل مع كل الناس: المسلم مطالب بأن يعدل مع جميع الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، فالله يأمر بعدم إنقاص الناس حقوقهم، قال تعالى {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم، بل يجب العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء.
ومن هنا نجد أن للعدل فضائل عديدة:
* العدل له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9]. وكان الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة.
* العدل أمان للإنسان في الدنيا، وقد حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلة عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.
* العدل أساس الملك، فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم.
* العدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر.
* العدل ينشر الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم.
* العدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض.
هذه هي عدالة الإسلام فهل منا من يعود إلى تعاليم الإسلام ويعدل ولو في أقرب الناس إليه ففي عهد رسولنا الكريم سرقت امرأة أثناء فتح مكة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحدَّ ويقطع يدها، فذهب أهلها إلى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقطع يدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أسامة حبَّا شديدًا. فلما تشفع أسامة لتلك المرأة تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: (أتشفع في حد من حدود الله؟!). ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم و خطب في الناس، وقال: (فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطعتُ يدها) [البخاري)
وواجب على المسلمين أن يلزموا العدل حتى مع الأعداء، فلا تكون عداوتهم وبغضهم سببًا في ظلمهم؛ لأن المسلمين هم حملة المنهج الرباني الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ليقيم العدل.
ففي غزوة أحد لما رأى المسلمون ما حدث بقتلاهم من تمثيل قالوا لو أصبنا منهم يومًا من الدهر لنزيدين عليهم، فأنزل الله:" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" {النحل: 126}.رواه عبد الله بن أحمد، والطبراني
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة العدل والإمام العادل في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : "سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل". متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم : "المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا". {مسلم 1827
والعدالة ليست فقط العدالة القانونية التي يعبر عنها بالمساواة، وإنما هي العدالة الشاملة التي تعم الحاكم والمحكوم على حد سواء، وتشمل العدالة الاجتماعية والاقتصادية وكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم.
فهيا بنا لنعود إلى تعاليم ديننا السمح ونحيى فضائله لنعمر الأرض وننشر المحبة وتعود الحقوق إلى أصحابها ونبرز الصورة الحقيقية لهذا الدين فهل من رجوع ؟؟؟