بين الجنس والسياسة في مصر خيط رفيع يكاد لا يري.. فالعلاقات الجنسية السرية للسياسيين تكون عادة عبارة عن فخاخ مُحكمة ينصبها النظام لرجاله ويضعها في ملفاتهم الخاصة دون أن يعلموا، وتظل عبارة عن مشروع فضيحة كامن إلي أن تأتي اللحظة الحاسمة، فيخرج السياسي عن الدور المرسوم له، أو يتجاوز بشعبيته الحدود المسموح بها، وهنا يبدأ النظام في إيقاظ الفضيحة النائمة، وتحويلها إلي سلاح قاسٍ لتصفية هذا السياسي وإلقائه إلي غياهب النسيان!
والجنس هو إحدي أدوات صناعة القرار في مصر، والعبارة السابقة ليست اجتهادا أو رأيا، ولكنه اعتراف رئيس وزراء مصري سابق.. وهي ترجمة أيضا لما حدث وسيظل يحدث.. فقد استخدم سلاح التصفية بالجنس والتشويه مع المشير عبد الحكيم عامر الذي تحول إلي مجرد رجل شهواني يبحث ليلا عن مغامرة نسائية جديدة، بعد أن كان الرجل الأقرب لقلب عبد الناصر، ولما حدثت المواجهة وتدخلت حسابات السلطة كانت ورقة ممثلة الإغراء هي الأداة التي استخدمت للقضاء علي سيرته وسمعته، والشيء نفسه حدث مع الأب الروحي لجهاز المخابرات المصرية صلاح نصر.. الذي قبض عليه واتهم باستغلال النفوذ، وكانت مجموعة من الممثلات هن شهود إدانته!
وفي مصر السلطة قادرة علي فعل أي شيء بأي مسئول.. لسبب بسيط يتمثل في سيطرة الدولة علي كافة المؤسسات الصحفية واحتكار النشاط الإعلامي.. لذلك فليس أسهل من إسكات أي سياسي أو تصفية أي رجل من رجال السلطة!
وتحول الفضائح الجنسية - المدبرة - إلي سلاح للدمار الشامل، تستخدمه السلطة لتصفية صراعاتها السياسية.. هو موضوع كتابسقوط رجال الرئيس" الذي صدر منذ أيام، للكاتب الصحفي حمادة إمام، والذي يكشف فيه أسرار تصفية الصراعات السياسية بالفضائح الجنسية، وكذلك إسقاط رجال الرئيس الذي يثق فيهم ويقربهم منه، كما حدث مع المشير عامر، والمشير أبو غزالة.. وحتي آخر القضايا التي شغلت - وما زالت - الرأي العام، وهي قضية هشام طلعت مصطفي، والذي فضل الكاتب عدم التعرض لشخصيته وعلاقته بدوائر الحكم ورجال الدولة وصراعاتهم إلي حين صدور حكم نهائي وغير قابل للطعن في القضية التي حكم عليه فيها بالإعدام لتحريضه علي قتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم.
ولا يخفي أن كل خطوة من خطوات المسئولين في مصر تكون تحت سيطرة ورقابة الدولة، وقد أوضح ذلك، المشكلة التي تفجرت عام 1998 بين وزير الداخلية وعدد من الوزراء بسبب إصرار الوزير علي تغيير الحراسات الخاصة بهم، وقد كشفت هذه الواقعة بوضوح أن أي مسئول في مصر لابد أن يكون له ملف داخل الأجهزة الأمنية حتي ترصد أنفاسه وتحركاته وسلوكياته خاصة الخفية، ويظل هذا الملف محفوظا تتزايد أوراقه بمرور الأيام؛ وربما يوضح ذلك أن تسرب معلومات وملفات حول انحرافات مالية أو أخلاقية لمسئول سابق أو حال لا تأتي مصادفة.. بل إن هناك من يقف وراء عملية تحريك وتسريب هذه الملفات بشكل متعمد.
ومن أبرز الذين صفَّتهم السلطة بهذا السلاح الفتاك، المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، الذي كان في وقت من الأوقات شخصية محبوبة من رجال القوات المسلحة والمواطنين العاديين علي السواء، وكان أقوي المرشحين لتولي المنصب الشاغر منذ اعتلاء الرئيس مبارك للسلطة، وهو منصب نائب رئيس الجمهورية، لكن فجأة وجد أبو غزالة نفسه صيدا ثمينا لفضيحة جنسية شغلت الرأي العام في مصر.. وكانت الإرهاصات الأولي للفضيحة قد بدأت يوم 16 من مارس 1993 عندما اكتملت ولأول مرة مقاعد مجلس الشعب بالأعضاء الذين لم يتخلف أحد منهم - علي غير العادة - ليسمعوا الاستجواب الذي تقدم به النائب الدمياطي كمال خالد، وكان الاستجواب عن الفساد الأخلاقي لكبار المسئولين بالدولة، وبدأ الاستجواب بقنبلة دوت في أرجاء المجلس عندما سمع الأعضاء، ومن بعدهم المواطنون، نص الحوار التليفوني بين المشير أبو غزالة وحسناء بيانكي لوسي آرتين، وتضمنت المكالمة اعترافا من المشير أبو غزالة بالتوسط لدي قاضٍ ليحكم لصالح لوسي في قضية نفقة أقامتها ضد زوجها!
ويربط حمادة إمام في كتابه بين قرارات حكومة الدكتور عاطف عبيد عام 2003 لتحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه، والقضية التي شغلت الرأي العام وقتها عندما تم تسريب شريط جنسي للراقصة دينا ورجل الأعمال الشهير حسام أبو الفتوح خاصة أن الشريط تم تحريزه في قضية ليس لها علاقة بالأخلاق والقيم وإنما في قضية متعلقة بالاستيلاء علي أموال البنوك والحصول علي قروض بضمانات وهمية، وهي واقعة ربما توضح العلاقة بين الفضائح الجنسية وصناعة القرار، وكذلك دور الفنانات في تغطية الأخطاء السياسية وتصفية الحسابات بين كبار المسئولين!
وقد ظهر تأثير قضية حسام ودينا بوضوح من خلال رد فعل الشارع المصري علي القرار الذي تردد كل رؤساء وزارات مصر قبل د. عبيد في اتخاذه، فعندما بدأت الحكومة تطبيق القرارات الجديدة لم تجد أية معارضة وتم كل شيء بسهولة ومرونة أصابت الخبراء الاقتصاديين وعلماء الاجتماع والنفس بالحيرة.. وكان اختيار حسام لتصفيته بالفضيحة الجنسية مقصودا؛ فالرجل وقتها تجاوز الخطوط الحمراء وتصادم مع الكبار وهددهم بكشف المستور وتوقف عن توريد العمولات، كما أنه ليس غريبا عن عالم الفضائح والعلاقات مع الوسط الفني، حيث سبق ونشرت الصحف عن علاقته بشيريهان خورشيد والتي انتهت نهاية درامية!
ولم تكن هذه القضية الوحيدة في عهد حكومة الدكتور عبيد، فوقتها كان المصريون مشغولين ببيع القطاع العام من خلال عمليات الخصخصة، ولكن الحكومة نجحت في نقل اهتمام المواطنين من أخبار نهب ثروة مصر، إلي أخبار عالم الشواذ والفضائح الجنسية للشباب، بعد أن بدأت الصحف تنشر خبر القبض علي تنظيم من الشواذ جنسيا أطلق عليهم اسم "جماعة لوط الجديدة".
وإذا كان الدكتور عبيد هو المسئول عن أخطر القرارات الاقتصادية التي عرفتها مصر طوال تاريخها، فإن الدكتور كمال الجنزوري هو صاحب أخطر التصريحات والاعترافات الصحفية عندما أعلن أن الجنس هو إحدي أدوات صناعة القرار!
ففي 2 من ديسمبر عام 1997 دعا الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء في ذلك الوقت - كل رؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والمستقلة لاجتماع بمبني رئاسة مجلس الوزراء، وكان الغرض من هذا الاجتماع أن تقف الصحافة بجوار الحكومة في محنتها بعد حادث الأقصر وقتل السياح الأجانب وأن تمنح الصحافة الحكومة مهلة ثلاثة شهور لتستوعب ما حدث وأن يتم تجاوز مجزرة الأقصر والتعامل معها علي أنها مجرد حادث سببه التقصير الأمني الذي تم تداركه وعلاجه بخروج وزير الداخلية وتغيير قيادات الأمن في الأقصر وتقديمهم للمحاكمة.. وللتأكيد علي بدء مرحلة جديدة اعترف رئيس الوزراء بأن قضية الآداب التي اتهمت فيها وفاء عامر وحنان ترك ملفقة من قِبَل وزارة الداخلية، بسبب تزايد حوادث العنف والإرهاب بشكل يمثل خطورة علي الأوضاع.. وفي هذا الوقت كانت عمليات العنف قد تصاعدت بشكل كشف ضعف جهاز الشرطة في منع الإرهاب، وزاد الأمر سوءً بعد حادث فندق أوروبا بالهرم، ثم حادث المتحف المصري.. لذلك اهتدي مستشارو وزير الداخلية حسن الألفي - وقتها - إلي أن تأمين الجبهة الداخلية يبدأ بالجنس، وأن جسد وفاء عامر يتحمل نهش ستين مليون مواطن، ونحافة حنان ترك كافية لمحو ذكريات ربع قرن من العنف والإرهاب!
وينتقل حمادة إمام في كتابه "تصفية رجال الرئيس"، إلي قضية أخري شغلت الرأي العام واحتلت صفحات الجرائد عام 1974، وتجاوز الاهتمام بها الصحف المحلية إلي الصحف العالمية، حيث نشرت مجلة إكسبريس الفرنسية تقريرا مطولا عنها، انتهت فيه إلي أن ملف القضية رقم 169 لسنة 1974 ليس ملفا جنسيا علي الإطلاق، ولكنه سياسي بحت، فقد كان الرئيس السادات وقتها يتعرض لهجوم ليبي عنيف، وأعدت مباحث الآداب خطة للرد علي الهجوم الليبي من خلال فضيحة جنسية يزج فيها باسم الرائد عبد السلام جلود وزير الدفاع الليبي والرجل الثاني في الثورة الليبية، وبعد إحكام التخطيط والإعداد انطلقت مباحث الآداب بالقاهرة لإلقاء القبض علي ميمي شكيب أشهر من جسدت دور الزوجة اللعوب، بالإضافة إلي عدد من نجمات الصفين الأول والثاني، خاصة اللاتي اشتهر بعضهن بأداء أدوار الإغراء مثل ميمي جمال وناهد يسري وعزيزة راشد وسهير توفيق ومشيرة إسماعيل وزيزي مصطفي وسامية شكري، وتم تلفيق القضية بنجاح، وانتهي دور الممثلات المتهمات عند هذا الحد، حيث تولت الأجهزة الإعلامية تنفيذ الجزء الثاني من حملة التشويه واستخدام القضية في الدعاية ضد الثورة الليبية وقادتها، وإظهار الرجل الثاني في ليبيا بصورة المراهق الذي يترك القيادة من أجل اقتناص لحظات داخل غرفة نوم فنانة أو راقصة مصرية!!
ويمضي الكتاب - وكاتبه - ليعيد إنتاج حكايات قديمة اختلط فيها الجنس بالسياسة بالفن.. لتصفية شخصيات سياسية أو اقتصادية، أو للتغطية علي فشل أو فضيحة نظام أو وزير.. أو لصرف انتباه الناس عن جرائم ترتكب في حقهم، دون أن يدروا؛ لأنهم مغيبون بفعل إعلام موجه، يروي قصصا وحكايات حمراء قاتمة.. بلون الدم والفضيحة!