هرايـــــــــس_عبدالهادي راجي المجالي
--------------------------------------------------------------------------------
هرايـــــــــس
كان ابي حين يأتي الى عمان لا بد من ان ألح عليه في طلب مهم وهو: ''جيب هرايس''... لا اعرف كيف استهوتني هذه الحلوى..!؟ وكان للطلب (3) مراحل.. اولها حين يفيق في الصباح ويبدأ بحلق اللحية كنت استغل اللحظة التي يقوم بنفخ خده على شكل (بلون) واقول: ''يابا.. يابا جيبلي هرايس'' فيهز رأسه موافقا.
والمرحلة الثانية هي مرحلة ارتداء اللباس.. ففي اللحظة التي ينهي فيها وضع الشماغ على رأسه ويبدأ (بلط) وجهه بالكالونيا.. كنت امسك طرف الجاكيت واقول بصوت خافت: (يابا لا تنس الهرايس)..
المرحلة الثالثة.. هي لحظة ركوبه السيارة.. في الصباح فقد كنت اقف كي امسح له الزجاج الخلفي واعيد نفس الطلب ولكن بصيغة تهديد.. تحمل قليلا من الوعيد: ''هرايس لا تنس الهرايس.. جيب كثير''.
وفي المساء كنت اقف على باب الدار منتظرا عودته، وثمة لهفة وشوق في القلب لطلته بالشماغ ولاقتناص التعب في وجهه الكركي الجميل.
ولحظة ان ينزل من السيارة اهجم عليه والسؤال الذي يداهمه: ''جبتلي هرايس''.. بالطبع أبي كان الممكن ان ينسى كل شيء الا (الهرايس)... كنت احملها بين يدي وابدأ بالاكل. وثمة نصائح تنطلق من هنا وهناك بضرورة توزيع جزء منها على بعض افراد العائلة.. وبالتحديد المرتبات الصغيرة ولكني كنت احتكرها واجيبهم دوما: ''هرايسي إللي لحالي''..
يا لله كم كان طعمها بالفم جميلا وحلوا.. ولست ادري هل هي كذلك لاني ابي احضرها لي ام لانني طفل اذوب في الاشياء (الحلوة).. ومع الزمن اكتشفت ان الاشياء من يد ا بي حتى لو كانت علقما.. يكون مذاقها في الفم حلوا.
يوم الخميس الماضي كنت في الكرك وقرأت الفاتحة على قبره وعلى (3) مراحل طلبت الهرايس.. جاءتني ذكراه.. وطلبت منه ان يحضر لي (هرايس) ولكنه الموت الذي يقتل الامنيات مع ذلك (لهمت) من تراب قبره صدقوني ان التراب حتى التراب.. طعمه (حلو) مثل مذاق (الهرايس).
لو لم يدفن بغير التراب الاردني ابي.. لكان طعم التراب مرا.. ولكنه الاردن الذي يضم عظام آبائنا وأهلنا.. وصدقوني انني احس بطعم تراب بلادنا حلوا مثل (الهرايس)..