جيران بقلم احمد حسن الزعبـي
--------------------------------------------------------------------------------
في حوارينا...كلما ضاقت الشوارع كلما اتسعت القلوب..وكلما عتقت «طينة» البيوت..كلما اخضرّت طيبة ساكنيها ..فرحم الله بساطتنا العتيقة العتيقة..
***
لم نكن نتثاقل من سخرة الجيران على الإطلاق..ما أن تطل جارة برأسها من بوابة صدئة ، وبمجرد أن»تغمض»عينها من الشمس وتضع يمناها على خصرها ويسارها على فمها نعرف ان التكليف بات قاب قوسين أو أدنى : «هي ولك تع جاي « وعندما تقترب منها ..تمسك كتفك وتبدأ بالموضوع مباشرة: »جيب لي قطرميز طحينة وبعشر قروش شبّة» بسعّ..تضع كل شيء من يدك وتنصاع لطلب الجارة..وبعد اتمام المطلوب تحظى «بكروة» مقدارها «شلن» صحيح أو عبارة ناشفة ومكررة لا تسمن ولا تغني من جوع: «سلم ع أمك»..
ذات نهار أوقفتني - مثل شرطي مرور - عبارة «هي ولك تع جاي»..تسمّرت بانصياع واحترام ، اقتربت مني جارتنا ،فتحت راحتي وضعت بها «ليرتين» كانتا قد طويتا كسيجارة..ثم قالت :«دورلي ع جوز زغاليل.. للنفسا» لم اعرف أي نفساء تقصد ومع ذلك ذهبت الى حارات بعيدة وسلكت طرقا ملتوية ولبدت ُ في «وديان» خوفاً من الزعران و»كبابين الشرّ» ..أحضرت زوجا من الزغاليل المغتربة الخائفة ..نظرتْ اليهما قبل ان تنظر اليّ ، تحسست «حوصلتهما» فحصت ما تحت آباطهما ثم قالت: «ولّ عليها البعيدة..زغار»..ولا أذكر أني نلت شيئاً رمزيا أو عبارة ثناء أو حتى تحية للوالدة..على العكس فقط انقطع الشبشب في منتصف الطريق ورضيت..
«هي ولك تع جاي»..خذ هالفطور «للبلّيطة»..»هي ولك تع جاي» وقف عند تبع الكهربا..»هي ولك تع جاي» اسقي القصارة ..هي ولك تع جاي ..»ازقط لي هالديك» ..»هي ولك تع جاي»..»شوف لي شو فيه عند دار فزّة»..الخ..
***
أمشي الآن في حارتنا..علّ واحدة من الجارات القديمات تناديني كما كانت ..«هي ولك تع جاي»..فلا اجد ..لماذا غاب «العشم» المجتمعي ..واختفت تلك السخرة الأمومية الجميلة...لماذا لم نعد نسمع ذلك...الاّ من الحكومات؟