يتعامل التربويون في مدارسنا مع جملة من المشكلات السلوكية التي يمارسها الطلاب ومنها مشكلة التحرش الجنسي sexual harassment التي تصدر من طلاب غير أسوياء تجاه أقرانهم في الصف و المدرسة (1). وقد ثبت من الدراسات التي تناولت الايذاء abuse والعنف في المدارس ان التحرش الجنسي منتشر في مدارسنا وان بدرجات متفاوتة؛ فنحو 23% من الاطفال من سن 6-10 سنوات (طلاب المرحلة الابتدائية) يعدون الأكثر تعرضا للتحرش الجنسي، وان معظمهم يعدون ضحايا محتملة للتحرش والأساءات الجنسية (2). وقد تبين من دراسة تمت في الأردن وتناولت هذا الموضوع ان نحو 27% من الطلاب دون سن الرابعة عشرة قد تعرضوا للإنتهاك الجنسي (3). وفي دراسة أخرى تمت في لبنان تبين ان نحو 16% من التلاميذ دون سن 18 تعرضوا للأساءة الجنسية، وان أكثر من 12% كانوا ضحايا أفعال جنسية (4). وفي السياق ذاته فأن "منظمة غوث الأطفال السويدية" أعدت تقريرا شمل 13 بلدا خلصت فيه إلى ان ما بين 13 و27% من اطفال تلك البلدان تعرضوا للأساءة الجنسية، وان ملايين الأطفال حول العالم يخضعون للإستغلال الجنسي في اطار تجارة الجنس والدعارة (5). ولأن الوضع بهذه الصورة المقلقة فأنه يجب القيام بعمل ما لمواجهة مشكلات الاساءة للأطفال، ومنها مشكلة التحرش الجنسي في المدارس التي يلزم أولا تحديد خصائصها ومعرفة أسبابها.
وعادة فأنه يسبق التحرش الجنسي مشكلة أخرى لا تقل خطورة عنه وتسمى "بظاهرة التنمر" bullying ، أو تسلط الطلاب الأقوياء بدنيا على من هم أضعف منهم وايذائهم بدنيا ضربا ولكما وركلا، مما يخلق لدى الضحايا مشكلات نفسية (6). ولاتكاد تخلو مدرسة من وجود تلاميذ يمارسون التنمر وكأنهم عصابات فتوة أو "زعران" كما يقول اخواننا الشوام؛ بل ان التنمر يتفشى بدرجة أكبر من التحرش الجنسي ليس بين الفتيان فحسب ولكن عند الفتيات كذلك مما يشير إلى سيادة انماط غير معهودة من العنف في مدارسنا، و خلل واضح في العملية التربوية برمتها. وتتناول هذه المقالة قضية التحرش الجنسي؛ بحيث يشمل العرض تعريف "التحرش الجنسي" وتحديد سماته أو خصائصه، وأنواعه، ومؤشرات أنتشاره في المدارس، وأسباب انتشاره، ونتائجه، وطرق الحد منه وعلاجه.
ما هو التحرش الجنسي ؟
يمكن تعريف التحرش الجنسي بأنه أقوال وافعال وايماءات تخرج عن نطاق اللياقة وتصدر من أشخاص يقصدون من وراءها استمالة الآخرين ليمارسوا معهم سلوكا جنسيا. وقد يتم ذلك بالتهديد أو الأبتزاز أو التخويف، مما يعد تعديا فاضحا على حرية الآخرين وكرامتهم (7). ويأخذ التحرش الجنسي عدة صور كأن يكون كلاما جنسيا مبتذلا، أو كلاما عاديا لكنه يحمل مضامين تشير إلى رغبة المتحدث باغواء الضحية جنسيا بأساليب ترفضها الاعراف والمتواضعات الاجتماعية. ومن التحرش الجنسي الملامسة البدنية المباشرة للضحية، أو استخدام لغة الجسد؛ كالنظر الذي يخرج عن حدود اللياقة (التحديق الطويل)، والغمز بالعين، أو استخدام حركات اليد أو اعضاء أخرى من الجسم للتعبير عن رغبات جنسية. وقد يكون التحرش الجنسي "افتراضيا" virtual بمعنى عدم ممارسته بشكل مباشر تجاه الضحية؛ ولكن بأسلوب مختلف كلجوء الفاعل إلى اظهار (عرض) اجزاء حساسة من جسمه، أو عرض صور وافلام ومواد اباحية امام ضحاياه بهدف استمالتهم أو التأثير عليهم (8).
دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ومن الصور المستحدثة للتحرش الجنسي في المجتمع السعودي وهو ما قد يدخل تحت العنف النفسي والجنسي استخدام بعض الشبان لوسائل حديثة كتقنية التصوير والبلوتوث والانترنت لألتقاط صور ومقاطع فيديو لنساء أو سرقة صورهن وجوالاتهن بهدف ابتزازهن وتهديدهن بنشر الصور في حال عدم الموافقة على ما يطلب منهن (9)؛ كمرافقتهم والخروج معهم وربما ممارسة الجنس في مرحلة متقدمة عندما تستسلم الضحية للجاني ولاتبدي مقاومة تذكر تجنبا للفضيحة أو لعدم ثقتهن بوجود من يساعدهن للتخلص من المشكلة التي وقعن فيها. وقد تبين مما تنشره الصحف المحلية ان مكاتب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقوم بدور حيوي وفعال في معالجة مثل هذه المواقف عندما تتقدم الضحية بشكوى. وتضمن اجراءات الهيئة الايقاع بالفاعل متلبسا ليتم احالته إلى الجهات الأمنية، وفي الوقت ذاته توفر الهيئة للضحية ما يرفع عنها حرج الفضيحة من خلال معالجة الأمر بطريقة سرية، وهو أسلوب جيد للغاية يجدر عدم التقليل من أهميته وفاعليته في درء الفضائح وحفظ كيانات الأسر من التمزق.
وكثيراً ما تتحدث الصحف عن تحرش الرجال بالنساء سواء في اماكن العمل، أو في الأسواق، أو الشارع، أو من رجال يقومون على خدمتهن؛ كسائقي سيارات الأجرة. وتزداد وطأة المشكلة عندما تكون المرأة بحاجة إلى عون دائم من رجال غرباء لتقديم خدمة أو عمل لهن بما في ذلك الاعمال مدفوعة الأجر (السائقين والممرضين وعمال الخدمات الذين يدخلون المنازل) مما قد يعرضها للتحرش الجنسي في ظل غياب قوانين رادعة تمنع التحرش وتعاقب عليه. ولأن موضوع التحرش الجنسي متشعب فأن العرض الوارد يقتصر على "التحرش الجنسي" الذي يصدر من طلاب تجاه طلاب آخرين مما يشي كذلك بوجود نزعة مثلية homosexuality عند من يمارسونه، وهي مشكلة أخرى تحتاج إلى بحث واستقصاء لمعرفة درجة انتشارها.
"التنمر" كمقدمة للتحرش الجنسي:
تكمن مشكلة "التنمر" انه وفي مرحلة متقدمة من ممارسته قد يؤدي إلى التحرش الجنسي بصورة تجعل المدرسة مكانا مقززا لطلاب صغار يفترض بهم المكوث في المدرسة مدة لاتقل عن ست ساعات في اليوم لخمسة أيام في الأسبوع. ان طول فترة الضرر ووقوعه بأستمرار قد يجعل الأذى النفسي الذي تتعرض له الضحايا عميقا مما ينعكس على مستوى تحصيلهم الدراسي لتبدأ المدرسة بعد ذلك بمواجهة مشكلة أخرى تتمثل في التخلف الدراسي وربما تغيب التلاميذ عن المدرسة، أو تركها وعدم الرجوع اليها. وتستفحل المشكلات السلوكية عند الطلاب كالتنمر والتحرش عندما ينكر التربويون وجودها، وتصبح أكثر ضررا عندما يجهل الآباء أسباب تخلف ابنائهم دراسيا وأسباب كراهيتهم للمدرسة (10). ومصدر هذا الجهل يعود بالدرجة الأولى إلى غياب المتابعة من قبل أولياء الأمور، وترك المهمة للمدرسة اعتقادا منهم بأنها بيئة آمنة وان ادارة المدرسة تقوم بكل شيء في الوقت الذي تشير المعطيات إلى ان جميع مدارسنا مكتظة بالتلاميذ، وان عدد المعلمين قليل جدا وانه لا يتناسب مع العدد المثالي للتلاميذ الذين يمكن تعليمهم. بعض الفصول يتجاوز عدد التلاميذ فيها 30 تلميذاً ومساحتها صغيرة جدا وغير ملائمة كأماكن للتعليم مما يجعلها بيئة مناسبة للمشكلات السلوكية كالتنمر والتحرش الجنسي.
ومن أسباب تفشي المشكلة ان الضحايا قد يحجمون عن البوح بتعرضهم للتحرش الجنسي؛ خوفا من المتحرش أو لأنهم لا يحصلون على العون الكافي من ادارة المدرسة التي قمين بها معالجة المشكلة من خلال تفعيل دور الاخصائي الاجتماعي والنفسي الذي غالبا ما يتم تغييب واختزال دوره الحقيقي ليصبح في نهاية المطاف مسؤولا عن مقصف المدرسة والارباح التي يجنيها بدلا من تفهم ومعالجة مشكلات التلاميذ.
صور التحرش الجنسي:
يأخذ التحرش الجنسي عدة صور؛ كأستخدام كلمات وعبارات وايماءات جنسية من قبل الفاعل تجاه التلميذ الضحية، وربما ملامسة اجزاء حساسة من جسمه، ومضايقته بطريقة تنم عن الرغبة في مواقعته جنسيا. وقد يأخذ التحرش صورة التهديد في الوقت الذي تميل فيه الضحية إلى تجنب الشكوى، خوفا من الجاني أو الفضيحة وخاصة في حالة الاناث، التي تشير بعض الدراسات إلى ان 4% فقط ممن تعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن تقدمن بشكوى فيما أحجمت عن الشكوى نحو 96% لعدة أسباب يأتي على رأسها الخوف من فقدان العمل، والفضيحة، وأهتزاز مركز الضحية أمام زملاء العمل، أو لأن الجاني هو صاحب المنشأة (11).
ومن المؤكد ان البعض منا قد سمع عن أولياء امور قاموا بنقل أبنائهم الى مدارس أخرى بسبب تعرض الأخيرين الى مضايقات وتحرشات جنسية في ظل عجز ادارة بعض المدارس عن فعل شيء تجاه المشكلة. أشير بهذا الخصوص الى ان مشكلة التحرش الجنسي يتفاوت مداها وبروزها من مدرسة الى اخرى طبقا لمتغيرات اجتماعية وتربوية منها الخلفية الثقافية والسكانية والأقتصادية التي يأتي منها الطلاب، وطريقة تنشئتهم الاجتماعية، و الاحياء التي يقيمون بها، ودرجة تدين الأسر التي يفدون منها، وقبل هذا وذاك أسلوب الادارة التربوية المتبع في كل مدرسة حيال مشكلات التلاميذ السلوكية وطرق التعامل معها وعلاجها.
مؤشرات التحرش الجنسي في المدرارس:
ان أهم مؤشر ينبىء بتفشي مشكلة التحرش الجنسي في المدارس والتي يجب عدم اغفاله هو ظاهرة الكتابات النابية والعبارات البذيئة على الجدران والأماكن المنزوية في المدرسة؛ كدورات المياه؛ وهي الكتابات التي يصعب أزالتها أحيانا ولاسيما ان طلاء الجدران والأبواب في معظم مدارسنا ليس من النوع القابل لأزالة ما يكتب عليه بخلاف المباني الحديثة ذات الطلاءات الخاصة التي تحد من ظاهرة الكتابة على الجدران. أن وجود هذه الكتابات وقراءتها من قبل الطلاب بصورة يومية يجعلها ترسخ في ذهن الطالب وكأنها كتابات عادية مما يجعل استخدامها في لغة الطلاب المحكية أمرا واردا، ومن ثم اعادة استخدامها مرة أخرى في مضامين أخرى ومنها التحرش الجنسي اللفظي. يجب والحال كذلك تفقد دورات المياه من قبل القائمين على المدرسة وذلك بشكل أسبوعي وازالة الكتابات النابية وان يستخدم للجدران والابواب والأفنية طلاءات خاصة مما يمكن ازالة ما يكتب عليه بسهولة.
ومن العلامات الأخرى لأنتشار التحرش الجنسي في المدارس حمل بعض الطلاب لأقراص مدمجة CD تحمل مواد اباحية، مما يمكن تحميله ونسخه من مواقع الأنترنت الاباحية؛ بحيث يقوم الطلاب بمشاهدة محتوى الأقراص على أجهزة الحواسيب في المدرسة وغالبا خارجها. وتكمن الخطورة في ان الطلاب في المرحلة الثانوية على وجه الخصوص يقومون وفيما بينهم بتبادل الاقراص المدمجة دون ان يتكبد الآباء عناء السؤال عما تتضمنه من مواد اعتقادا منهم انها تضم مادة علمية !!
ومن المؤشرات الأخرى التي تشي بوجود التحرش الجنسي وربما ما هو أبعد منه انتشار تداول المواد الاباحية وتداولها من خلال تقنية البلوتوث التي أصبحت تتوفر اليوم في معظم اجهزة الهواتف المحمولة التي يستخدمها صغار السن، مما يستلزم من الآباء والمعلمين الاهتمام بهذا الجانب ومعالجته ولا سيما ان خطر البلوتوث يتعدى حامل المادة إلى آخرين يتم أرسال المادة لهم بسهولة متناهية.
وقد يكون من المفيد لجوء الآباء وقبل توفير أجهزة جوال لأبنائهم اشتراطهم فحص جوالات ابنائهم بين الحين والآخر للتأكد ان الجوال لايستخدم بطريقة سلبية. ان هذه الحيلة البسيطة - رغم الاعتراضات التربوية عليها - قد تقلل من فرص تعرض الاطفال للمواد الأباحية ومن ثم منع انتشارها وتداولها حتى لا تصبح وسيلة لظهور التحرش الجنسي عند التلاميذ في سن مبكرة.
وحقيقة فأن المدارس لاتمارس أسلوب المكاشفة في مواجهة مشكلات التحرش الجنسي بل تلجأ الى طريقة التستر وادعاء ان ماحدث حالات فردية وان المشكلة محدودة....الخ. وبالمقابل فأن كل ما تستطيع ان تفعله اسرة تلميذ تعرض أبنها للتحرش الجنسي هو ان تقوم بنقل ابنها الى مدرسة اخرى. وقد لا تنتهي المشكلة عند هذا الحد خاصة اذا كانت المدرسة الجديدة المنقول اليها التلميذ تدار بنفس الاسلوب التربوي الذي تدار به المدرسة السابقة مما يعني ان الظاهرة موجودة في جميع المدارس وان بدرجات.
فصل الجنسين والتحرش المثلي:
تعد مشكلة التحرش الجنسي (المثلي) في مدارس الاولاد قضية تربوية في المقام الأول، وأود ان اشير فقط الى بعض الاسباب التي تجعل تحرش التلاميذ ببعضهم واردا. ويبدو لي ان أهم سبب يولد التحرش الجنسي المثلي في المدارس هو الفصل بين الجنسين (تلاميذ وتلميذات) في المدارس الأبتدائية والتي يفترض ان تكون مختلطة وتدار بطاقم نسائي كامل. ان قلقنا من اختلاط اطفال من الجنسين في هذه السن يعد قلقا لا مبرر له، شريطة ان نتوفر على مدارس حديثة تبنى بطريقة مناسبة بحيث تكون دورات المياه مفصولة طبقا للجنس، وتخضع المدارس لأشراف تربوي سليم مع توفر وحدة ارشاد اجتماعي فاعلة تعالج مشكلات التلاميذ بمهنية عالية؛ فيكون التنسيق بين الوحدة وأمهات التلاميذ وليس آبائهم، لأن اغلب آباء اليوم غير متعاونين مع المدارس مقارنة بما تفعله الامهات. كثير من الاباء على سبيل المثال لا يعلمون وربما لايتذكرون في أي صف أو مستوى يدرس ابنائهم بسبب انصراف الآباء عن متابعة ابنائهم في المدارس في الوقت الذي تقوم فيه الأمهات بما فيهن "الأميات" منهن بدور أفضل مقارنة بأزواجهن. انهن في الغالب أكثر متابعة لأبنائهن دراسيا عدا انه ليس من السهل عليهن الذهاب لمدارسهم لأنها تدار بطواقم رجالية.
ان فصل الجنسين عن بعضهما في المراحل التعليمية الاولى وفي سن مبكرة قد لا يكون عملا مفيدا؛ فهذا الأجراء يولد لدى التلاميذ من الجنسين ومنذ الصغر النزعة المثلية؛ فإدارات مدارس البنات تواجه مشكلة أخرى تسمى "الأعجاب" وهو اعجاب الفتاة بفتاة أخرى أو معلمة في مدرستها؛ ما قد يقود لاحقا إلى عواقب وخيمة. ومصطلح "اعجاب" لمن لم يسمع به ليس سوى تعبير محلي مؤدب للمثلية الأنثوية lesbianism أو ميل البنت جنسيا الى بنت أخرى أو معلمة. وهذه المشكلة موجودة وان بدرجات متفاوتة؛ تبعا لنمط الأدارة المدرسية واسلوب الأشراف الاجتماعي.
ومن المشكلات الأخرى التي تنجم عن فصل التلاميذ (ذكور – اناث) ان التلاميذ الذكور يشبون وهم لا يعرفون الطرق المؤدبة في التحدث إلى الفتيات و السيدات؛ فهم في مدارسهم وخارجها يستخدمون وفيما بينهم "لغة غليظة" وربما عبارات نابية لا يستخدمونها في العادة مع أخواتهم، ولكنهم لا يتورعون عن أستخدامها مع غريبات يقابلونهن في الأسواق والأماكن العامة عندما يبلغون سن المراهقة مما قد يدخل تحت باب التحرش الجنسي اللفظي. أن عنف الالفاظ عند الذكور على وجه الخصوص ملحوظ بسبب عدم تعاملهم مع المرأة في سن مبكرة؛ سواء كانت معلمة أو زميلة صف (طفلة)، ومن ثم ينشأ الفتى عندنا جاهلا جميع أساليب التعامل مع المرأة وهو الجهل الذي سوف يستمر معه حتى مرحلة متأخرة من عمره مما يعمق مرة أخرى من مسألة الفروق الجندرية بين الجنسين. ان تولي السيدات تعليم وتربية الابناء حتى نهاية المرحلة الابتدائية سيعودهم على أدب الحديث مع المرأة واحترامها بدلا من النظر اليها بطريقة مقولبة تستحضر جميع مفردات "العورة" و"العيب" التي تغلب على الخطاب الذكوري. وحتى النساء فأنهن لا شعوريا وشعوريا قد تماهين مع الخطاب الذكوري للدرجة التي تجعل مهمة تقليص الفروق الجندرية في مجتمعاتنا العربية مسألة في غاية الصعوبة.
وعلى الضفة الأخرى فأنني أجزم انه لو تهيأ للبنت في مرحلة عمرية مبكرة ان تقترب قليلا من الولد، وان تكتشف هذا الرجل الصغير، وان تتعامل معه بندية، وان تتحدث اليه ويتحدث اليها بشكل طبيعي في بيئة تربوية سليمة لقضينا على البواكير الأولى للتحرش الجنسي والمثلية الجنسية عند الطرفين: الولد والبنت؛ ولقضينا كذلك على النظرة المختزلة للرجل كفحل masculine الا ان توجسنا من اختلاط الأطفال وعزلهم على أساس جنسي (ذكر- انثى) في سن مبكرة يقود الى بعض السلبيات ومنها المثلية الجنسية وتحرش كل جنس بما يماثله، ناهيك عن صعوبة تعامل الرجل مع المرأة لاحقا عند البلوغ، وترسخ افكار وصور نمطية يحملها كل جنس تجاه الجنس الآخر مما يعمق من الفروق بين الجنسين ويخلق بيئة مناهضة لكل ما يتعلق بترسيخ حق المرأة في التعليم و العمل الشريف والكسب بدعوى الخوف من الاختلاط والخلوة غير الشرعية.
خلاصة:
ولا يفهم من الكلام السابق انه دعوة للأختلاط المحرم والسفور فنحن لا نتحدث عن التعليم في المراحل فوق الابتدائية، وهذا مجرد لفتة الى أهمية معالجة ظاهرة التحرش الجنسي والتنمر في مدارسنا، وان هذه المعالجة تبدأ من عتبة المدرسة وفي مرحلة عمرية مبكرة عند الجنسين فيدمج التعليم الابتدائي ويدار بطاقم نسائي كامل؛ فالنساء بطبيعتهن الأمومية وتفهمن لسلوك الأطفال أكثر قدرة من الرجال على التعامل مع مشكلات الصغار؛ بما في ذلك طريقة الكلام واختيار المفردات والعبارات السليمة. وأنني آمل من كل من يقرأ هذه المقالة ان يقوم بعمل ملاحظات منتظمة لمحتوى حديث الاطفال من الجنسين ليتبين له ان الأولاد الذكور أكثر استخداما للعبارات غير المهذبة مع أخواتهم وربما امهاتهم أحيانا، فيما تحجم البنات عن استخدام نفس العبارات سواء مع أخوانهن أو حتى مع زميلاتهن. بكلمة أخرى المرأة أقل من الرجل استخداما للعبارات غير المهذبة وبالتالي يمكنها كمربية تعليم الاولاد الذكور هذه الخصلة الحميدة من خلال لغة الحوار في الصف والمدرسة. قد يجادل البعض بأن أختلاط الطلاب بالطالبات يخلق بيئة مناسبة للتحرش الجنسي (غير المثلي) الا ان وجود المرأة في المدرسة كمعلمة ومديرة واخصائية نفسية، وتعاون الامهات مع ادارة المدرسة ومعلمة الصف بشكل لصيق يضمن عدم انتشار كثيرا من المشكلات السلوكية التي يعاني منها ابنائنا في المدارس ومنها مشكلة التحرش الجنسي المثلي...