في كلام القبر عند نزوله إليه
46- خرج الترمذي من حديث عبد الله بن الوليد الوصافي عن عطيه عن أبى سعيد قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاّه فرأى أناسا كأنهم يكثرون ، أو يضحكون فقال : " أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هادم اللذات لأشغلكم عما أرى الموت فأكثروا ذكر هادم اللذات ، فإنه لم يأت يوم على القبر إلا يتكلم فيه فيقول : أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحدة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الدود فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر ، مرحباً وأهلاً : إن كنت لأحب من يمشي على ظهري ، فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك ، فيتسع له مد بصره ، ويفتح له باب إلى الجنة ، وإذا دفن العبد الكافر أو الفاجر قال القبر : لا أهلاً ولا مرحباً ، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهره فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك قال : فيلتئم عليه القبر حتى تلتقي وتختلف أضلاعه " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه وأدخلها بعضها في بعض قال : " ويقيض له سبعين تنيناً لو أن واحداً منهم نفخ على الأرض ما أنبتت شيئاً ، ما بقيت الدنيا فتنهشه وتخدشه حتى يفضي به إلى الحساب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " ، وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، قلت : الوصافي شيخ كوفي صالح أشغلته العبادة عن حف الحديث حتى وقعت المنكرات في حديثه . وفي آخر حديثه هذا رويت عن أبي سعيد من وجه آخر موقوفة ومرفوعة وسنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وباقي حديثه لا يعرف عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن روي معناه من وجه آخر .
47-روى بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن الهيثم بن مالك الطائي عن عبد الرحمن بن عائد عن أبي الحجاج الثمالي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول القبر للميت حين يوضع فيه : ويحك يا ابن آدم من غرك بي ألم تعلم أني بيت الفتنة ، وبيت الظلمة ، وبيت الوحدة ، وبيت الدود ، ما غرك بي إذ كنت تمر بي مراراً قال : فإن كان مصلحاً أجاب عنه مجيب القبر ، فيقول : أرأيت إن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قال فيقول القبر إني إذا تحول عليه خضراً ويعود جسده نوراًً ، وتصعد روحه إلى الله تعالى " خرجه ابن الدنيا وأبو أحمد الحاكم في كتاب الكنى .
48- قال : أبو الحجاج الثمالي ، واسمه عبد الله بن عبيد ، ويقال عبد الله بن عبداري له صحبة ، وقد روى هذا الكلام معاوية بن صالح أخبرني مخبر عن عمرو بن عائد الأزدي عن غضيف بن الحارث الكندي سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : ( إن العبد إذا وضع في قبره فذكره بنحوه ) خرجه أبو الحسن بن البراء عن علي بن المديني ، عن زيد بن الحباب عن معاوية ، وكذا رواه يحيى بن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي وهذا الموقف أصح .
49- وروى محمد بن أيوب الرملي عن أبيه عن الأوزاعي عن ابن المنكدر عن جابر رفعه قال : ( إن للقبر لساناً ينطق به يقول : يا ابن آدم كيف نسيتني ، ألم تعلم أني بيت الوحشة، وبيت الغربة ، وبيت الدود ، وبيت الضيق إلا ما وسع الله عز وجل ) أيوب بن سويد فيه ضعف ، وابنه محمد متروك .
50- قال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر الفقيه الحنبلي في كتاب الشافي في الفقه حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الشيرازي ، حدثنا محمد بن حماد قال : قرىء على عبد الرزاق وأنا حاضر عن الثوري عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فوجد القبر لم يلحد ، فجلس وجلسنا حوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا وضع الميت في قبره ثم سوى عليه كلمته الأرض ، فتقول : أما علمت أني بيت الوحشة ،والغربة ، والدود فماذا أعددت لي " غريب جداً وحديث البراء بن عازب معروف وقد سبق بعضه ولا نعرف هذا اللفظ فيه من غير هذا الوجه ، والشيرازي غير معروف .
51- وخرج ابن منده من طريق عروة بن مروان الرقي حدثنا محمد بن سلمة عن حفيص عن مجاهد عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله وفيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضع الميت في لحده تقول له الأرض : إن كنت لحبيباً إلي وأنت على ظهري ، فكيف إذا صرت اليوم إلي سأريك ما أصنع بك ، فسيفسح له في قبره مد البصر " .
52- وخرج ابن الدنيا من طريق داود بن فائد قال : صعدت مع عبد الله بن عبيد بن عمير في جنازة فقال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت يقعد وهو يسمع خطا مشيعيه فلا يكلمه شيء أول من حفرته فتقول : ويحك أي بني آدم ، أليس قد حذرتني وضيقي وهو لي ودودي فما أعددت لي؟ " .
53- ومن طريق عبد أبي بكر المكي حدثني أبي حدثني عبيد بن عمير قال : " ليس من ميت يموت إلا نادته حفرته التي يدفن فيها : أنا بيت الظلمة ،والوحدة والإنفراد ، فإن كنت في حياتك مطيعاً كنت اليوم عليك رحمة، وإن كنت لربك عاصياً، فأنا اليوم عليك نقمة، أنا البيت الذي من دخلني مطيعاً خرج مسروراً ، ومن دخلني عاصياً ، ومن دخلني عاصياً خرج مني مثبوراً " .
54- وروى هناد بن السري عن حسين الجعفي ، عن مالك بن مغول ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : " يجعل الله القبر لساناً ينطق به فيقول : ابن آدم كيف نسيتني أما علمت أني بيت الأكلة وبيت الدود ، وبيت الوحدة ، وبيت الوحشة " .
55- وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن عمر بن ذر قال : إذا دخل الميت حفرته نادته الأرض أمطيع أم عاص ، فإن كان صالحاً ناداها مناديه ناحية القبر عودي عليه خضراء كوني عليه رحمة ، فنعم العبد كان لله عز وجل ، ونعم المورد إليك قال : فتقول الأرض الآن استحق الكرامة ، وبإسناده عن محمد بن السماك الواعظ قال : بلغنا أن الرجل إذا وضع في قبره فعذب أو أصابه بعض ما يكره ناداه جيرانه من الموتى أيها المخلف في الدنيا بعد إخوانه وجيرانه أما كان لك فينا معتبراً ، أما كان لك في تقدمك إيانا فكرة ، أما رأيت انقطاع أعمالنا عنا في المهلة ، فهلا استدركت ما فات إخوانك قال : فتناديه بقاع القبر ، أيها المغتر بظاهر الدنيا هل اعتبرت بمن غيب عنك من أهلك في بطن الأرض ممن غرته الدنيا قبلك ثم سبق له أجله إلى القبور وأنت تراه محمولاً تهادى به أحبته إلى المنزل الذي لا بد منه .