صَبَــاحٌ جميل
نور الجندلي
صباحُكم جميلٌ أيُّها السّادة ..!
إن قالها أحدٌ في هذه الأيّام لالتفت إليه الجميعُ يحدّقون إليه بغرابة وكلهم يقين بأنه قد حصل على واحدة من ثلاث؛ فإما أنه قد ربح جائزة قيّمة، أو أن زوجته أنجبت له مولوداً ذكراً، أو حصل على ترقية كبيرة في عمله. ولن يقنعهم أبداً أنه يلقي التحيّة لأنه حقاً يرى هذا الصباح جميلاً مليئاً بالفرح والسعادة والجمال.
لكنني سأكون من القلائل الذين يصدقونه، ويردّون التحيّة بأجمل منها .. صباح التفاؤل والفرح ..!
أليس من الجميل أن نسمعها فقط لنشعر أن أحداً ما في الحياة يتذوقها حقاً ويعيشُ حقيقة معناها ؟!
لقد لاحظتُ فقدانها من حياة البشر، ولأسباب قد تكون مقنعة في كثير من الأحيان، فسائق الحافلة مثلاً متجهمُ الوجه دائم الغضب؛ لأن الناس لا يتقيدون بمواعيد وصوله، فهم يحيجونه إلى بذل وقته في انتظارهم، ومديرُ الشركة يتناول الأقراص المهدئة كل ليلة ليستطيع النوم، فهو يعاني من مشكلات كثيرة في عمله. وربّة البيت عابسة دائماً، فلا أحد في البيت يأبه لهمومها وأحزانها، وبالكاد تسمع كلمة شكر وامتنان في الأعياد أو المناسبات الرسمية .
لكل واحد من هؤلاء الأشخاص وغيرهم مشاكل تؤرقهم، يحملونها معهم أينما ذهبوا، وتنطبع على ملامحهم فتغدو حزناً يُقرأ حتى وإن لم يتكلموا، وإن سألتهم عن سبب هذا الإحباط الدائم لقالوا لك :
- وما أدراك بمشكلاتنا، إننا نحملُ هموم العالم ثقيلة فوق كواهلنا، إننا نتألم بصمت ونذوي فلا يشعر أحد بنا!
ترى هل أصبحت السعادة لغة مفقودة هذه الأيام؟ أم أن كل واحد منا يعيش مع نفسه حياة خاصّة جداً بما تحمله من مخاوف وقلق وهموم وأحزان لا يريد أن يبوح بها، لكنها تأخذُ حيزاً كبيراً من سعادته، وهو بالتالي غير قادر على التحكم بها والسيطرة عليها، وهل يسمح لها بأن تتمرّد عليه فتخفي كل معاني الرضا وتسرق البسمة من حياته هكذا وبكل بساطة ليغدو بقايا إنسان !
كلما لمحتُ إنساناً محطماً – وكم ألمحهم هذه الأيام – تذكرتُ قصّة تاجر مكافح قد تعرّض لأزمة أودت بجميع أمواله، وكبدته خسائر كبيرة وديوناً توجب عليه أن يسددها لسنوات طويلة قادمة، كان يسيرُ في الشارع مهزوماً محطماً مثقلاً بالهموم إذ أنه لا يملك ثمناً لحذاء جديد يشتريه عوضاً عن حذائه القديم المثقوب. حتى قابل أمامه شاباً بلا قدمين يسيرُ على كرسي بعجلات، ابتسم ذلك الشاب في وجهه وألقى التحيّة قائلاً : صباح الخير يا سيدي .. ياله من صباح جميل ..!
عندها أصيب الرجلُ بالدهشة لما تحمله روح ذلك الإنسان من تفاؤل وإيمان بالحياة ، وقال تلك المقولة الشّهيرة : لقد كنتُ أشعرُ بالإحباط؛ لأنني لا أملكُ حذاءً، حتى قابلتُ في الطريق من لا يملكُ قدمين!
لقد أعطاه ذلك الشاب رغم إعاقته وقوداً جديداً أعانه كي يفتح صفحة جديدة للحياة، وقبل كل ذلك، جعله يشعر بروعة ما يملكه، فهو بألف خير مادام يملك قدمين سليمتين تقودانه لأن يجتهد ويكد ويبدأ العمل مجدداً دون التفات إلى الماضي مهما كان محملاً بالمرارة .
لقد استطاعت ابتسامة واحدة أن تهدم كل سدود العجز في حياة ذلك الرجل فتعيده للحياة لأنها أشعرته بروعة ما يملك، وكم نملكُ من هباتٍ ومواهب ثمينة تخولنا لأن نخوض غمار الحياة بجرأة وطموح وتدفعنا لأن نستقبل يومنا وهالة من السعادة تحيطُ بنا فنهتف للعالم كله بحب .. صباح السعادة .. صباح الفرح .. صباح الياسمين !.