«أَجْوَرُ مِنْ أُنْثَى عَلَى أُنْثَى»
وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ في كثيرِ الظُّلْمِ عظيمِه، وفي كارِهِ قَرِيْبِهِ وحَمِيْمِه، ولِمَنْ يَزْدَادُ ظُلْمُهُ عَلَى فِئات، ويَلِيْنُ لَدَى أُخْرَى كَالشَّاة، وأُفْرِدَتِ الأُنْثَى بِصِفَةِ الـجَوْر، لأنَّ كَيْدَها أَبْعَدُ في الغَوْر، كَمَا أنَّ جَوْرَ الإنَاثِ عَلَى الإنَاث، لَهُ وَقَائعُ ثَابِتَةٌ في التُّرَاث.
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ زِيْـجَةً رَابِعَة، منْ فَـتَاةٍ تَدْرُسُ في الـجَامِعَة، فكَانَتْ تَشْكُو لَهُ طَيْشَ العَامِلات، مِنْ مُوَظَّفَاتٍ ومُعَلِّـمَات، وكَانَتْ تَدْعُو أنْ يَصِيْرَ الأَمْرُ إلى الرِّجَال، لِـمَا تَـرَاهُ مِنْ رَأْفَتِهِمْ عَلَى كُلِّ حَال، أَوْ أَنْ يُوَلَّى مِثْلُها عَلَيْهِنّ، لِيَتَمَيَّـزَ لُطْفُهَا مِنْ بَيْنِهِنّ.
فشَاءَ ذُو المَنِّ وَالإحْسَان، أنْ تَكُوْنَ مِنْ مَنْسُوْباتِ المَكَان، فسَارَتْ عَلَى سِيْرَةِ المَوَائل، وجَاءتْ بِمَا لَـمْ يَأْتِ بِهِ الأَوَائل، فأَسَاءتِ المُعَامَلات، وفَـتَـكَتْ بِالطَّالِبَات، وبَلَغَ زَوْجَها ما هِيَ فِيْهِ مِنْ سُفُوْل، فأَنْشَأَ مِنْ فَوْرِهِ يَقُوْل:
رَثَيْتُ لَـهَا إذْ طَالَ بَوْحُ شَكَاتِـها *** مِنَ الغَبْنِ، وَالمَغْبُوْنُ لا بُدَّ أن يُرْثَى
تُسَائلُ مَوْلاهَا بِأَنْ يَرْفَعَ الأَذَى *** وَيَكْبِتَ عَنْهَا نِسْوَةً زِدْنَـهَا بَثّا
تَقُوْلُ: لَوِ المَوْلَى اصْطَفَانِي مُعِيْدَةً *** لَـحَرَّمْتُ هَذا الـجَوْرَ وَالكَيْدَ وَالـخُبْثا
وَكُنْتُ أُسَلِّيْهَا بِعُقْبَى اصْطِبَارِها *** وَأَبْعَثُ فِيْها الفَأْلَ –مِنْ طِيْبَتِي– بَعْثا
فَلَـمَّا مَضَتْ أَيَّامُهَا وَتَـخَرَّجَتْ *** أَفَاضَ عَظِيْمُ الـجُوْدِ فَضْلاً عَلَى الغَرْثَى
فَأَخْفَتْ شَكَاوَاها، وَأَبْدَتْ شُرُوْرَهَا *** وَرَاحَتْ تَـبُثُّ اللُّؤْمَ مِنْ حَوْلِـهَا بَثّا
فَقُلْتُ –وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ بَعْضِ جَوْرِهَا–: *** هُوَ الـجَوْرُ قَدْ حَازَتْهُ مِنْ جِنْسِهَا إرْثا
وَقَدْ صَدَقُوا.. لا شَيْءَ أطْيَشُ مِنْ فَتى *** وَأَجْوَرُ مِنْ أُنْثَى لَـجُوْجٍ عَلَى أُنْثَى