عندما نتكلم عن التنمية السياسية كمفهوم، فإن الأصل في المسألة هو إيجاد الآليات والميكانيزمات الحقيقية للوصول إلى الديمقراطية كيفما كانت تشاركية أو تمثيلية.
في قراءة لتاريخ الحضارات والأمم الرائدة في المجال الدراسي للمفهوم،نجد بأن النظرية كانت أداة قوية ووسيلة فعالة في محاربة الأمية السياسية التي هي السرطان الذي قد يصيب جسم الديمقراطية المنظرة.
إذا حاولنا قراءة الحالة السياسية للعالم العربي، فإننا نجد بأن المسافة والهوة اللتين أصبحتا بين رجل السياسية والمواطن، هي في حقيقة الأمر ناتجة عن عدم تفهم رجل القرار للمتطلبات وحاجيات الأجيال الحالية التي تريد أن تفرض ذاتها وتكون رؤيتها محتضنة في البرامج والآليات التنموية.
فالتكلس السياسي يؤدي ويدفع هذا الجيل، الذي يعيش على إيقاع السرعة الإلكترونية، إلى الاستقالة الكلية من الشكل السياسي المطروح ،ومن ثم إلى عزوف سياسي يزيد من الاختناق ويكثر من حالات الإحباط.
فالتنمية السياسية كنظرية، جاءت لتواكب التطورات المجتمعية في البنية وفي الرؤية كذلك، لكي تكون القاطرة الحقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لهذا، فالعلاقة بين المجتمع والنظام السياسي، والذي هو أساس هذا الفرع من العلوم السياسية، يجب أن تكون دائما تحت المجهر، لأن أي إخلال في العلاقة سيؤدي إلى الطلاق، ومن ثم إلى الجمود والرتابة.
ما يميز كل طرف في هذه العلاقة يجعل من النظام السياسي، عبر الآليات المؤسساتية التي تؤطره، هو الفاعل الوحيد في تذويب المسافة والتقرب إلى الآخر من أجل احتضان أفكاره وهواجسه.
هذا الاستيعاب جد مهم من أجل العمل في بيئة ملائمة يكون فيها تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، وهذه هي الضمانة لمشاركة الجميع في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال المؤسسات الدستورية.
التحديث والإصلاح السياسي كانتا الوصفة التي تم إدراجها للخروج من سلبيات الماضي السياسي العربي . تجربة التناوب التوافقي وما صاحبها من تطورات على الساحة السياسية كانت البداية الحقيقية التي أطرت الظهور الحقيقي لمفهوم التنمية السياسية. لكن تبقى التجربة في حد ذاتها، ولو كانت فريدة، غير كافية للاستجابة لمتطلبات شريحة كبيرة من المواطنين والذين كانوا يعلقون آمال كثيرة عليها.
الأسباب السياسية، وهذه ليست غاية هذه الورقة، التي أدت إلى هذا المعطى، كانت حاسمة في ظهور نوع من الرتابة السياسية، ومن ثم ظهور ما أصبح يصطلح عليه من طرف علماء الاجتماع "بالجيل اللامنتمي". فالانتخابات كرست الواقع من خلال عزوف سياسي قوي جعل عملية التنمية السياسية تدخل قاعة الانتعاش.هنا أصبح من اللازم التعاطي مع المشكل الحقيقي الذي أربك العملية. وهنا تظهر مسؤولية الأحزاب السياسية والمجتمع برمته. فالكل ملزم بالعمل بإخلاص لخلق الظروف الملائمة للنهوض من هذه "الغيبوبة" السياسية عبر الإصلاح والتطوير في العملية السياسية.
الأحزاب السياسية من خلال الديناميكية والحركية، قد تلعب الدور المحوري في العملية الديمقراطية ،شريطة أن تكون داخل بيوتها ديمقراطية تشاركيه مبنية على المساواة والحس الوطني، لأن هذا هو المدخل الأساسي، وهذا هو رأي فقهاء القانون أيضا في تحديد الميكانيزمات الحية للدولة القانونية