لعل أي نظام دكتاتوري يصنف سياسيا على أنه نظام مركزي يكون الديكتاتور فيه الشخصية المحورية ،وهو من يتحكم في معظم القرارات التي تصدر ،وسقوط نظام مثل هذا يبدأ من التهاوي التدريجي لأسباب منها مثلا العامل الصحي للدكتاتور ،فاذا كبر دكتاتور ما في العمر ولم يعد قادرا على التحكم الشامل في الدولة بسبب ظروفه الصحية فانه يكن مضطرا إلي أن يوزع جانب من سلطاته على مجموعة من أقاربه أو المقربين منه ،فهو يعطي مثل مسئولية الأمن لنسيبه كما فعل مبارك مع العادلي ،ويعطي مسئولية الاقتصاد لابنه ،وهكذا ،ومن هنا تتكون مجموعة من الدكتاتوريات المتعارضة ،التي لا يمكن للدكتاتور الغير قادرفعليا على الادارة بأن يحدث تجانس بينها ، ويستطيع المواطنين العاديين في تلك الدولة الاحساس بنتائج تلك السياسات المتعارضة من تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ،ومع مزيد من التذمر لا يكون أمام النظام الأمني إلا خيار واحد وهو مزيد من الضغط على المواطنين ،للمحافظة على النظام الدكتاتوري .ولكن نظام كهذا مستحيل أن يستمر منطقيا ، فالمواطنين في النهاية سيجدون طريقين أمامهم للموت ،إما أن يموتون بلا كرامة جوعا ومرضا ،أو أن يموتوا شهداء للدفاع عن حقوقهم ، وفي النهاية يكون الأختيار الأخير هو مسألة وقت فقط .
ولعل نظام مبارك يمثل درسا سياسيا في كيفية إنهيار أي نظام دكتاتوري ،
فنظام مبارك كان يتكون من مجموعة من الأعمدة الأساسية القائم عليها،
كان أول وأهم عمود بها هو العمود الأمني الذي إستعمل معظم التطبيقات الا أخلاقية الممنوعة لارهاب المواطنين ،وتكون النظام الأمني لمبارك من
1- جهاز الأمن المركزي والذي تكون من حوالي مليون جندي أمي يعملون كمتاريس لمنع أي مواطن أو مجموعة من المواطنين من الوصول إلى مكان ما للتظاهر على سبيل المثال ،لم يكن من صلاحيته القبض على المواطنين,بل فقط القمع .
2-جهاز الشرطة وتكون على ممر 30 عاما من ظباط غير قادرين على أداه وظائفهم بكفاءه لسبب بسيط لان عملية اختيارهم كانت تتبع أسلوب الواسطة ،وليس مدى زكاء أو كفائة الطالب فأصبح ضابط الشرطة المصري غير قادر ذهنيا على إستخادم الوسائل الحديثة للقضاء على الجريمة فانتشرت الجريمة وارتفعت معادلتها بطريقة مخيفة ،وتابع ذلك فساد الضباط واعتدائهم على حريات المواطنين وإستخدام جنود شرطة فاسدين في إنتشار الفساد في هذا النظام ،وإرتفع التذمر بين المواطنين.
3- جهاز أمن الدولة الذي تكون أيضا على شاكلة جهاز الشرطة من ضباط غير أكفاء ،يقومون بقتل وترويع المواطنين لجعلهم غير قادرين على المطالبة بحقوقهم ،
4- الحرس الجمهوري وهو جهاز يقوم بتأمين حماية مبارك وعائلته شخصيا وليس له أو تدخل في الأمن الداخلي ،ولكننا بدنا نسمع عن إستغلال بعض عناصره لسلطتهم في القيام بأعمال منافية للقانون مثل الإبتزاز أو تهريب المخدرات .
5- المخابرات العامة , كانت المخابرات العامة تتكون قبل مجيئ مبارك من مجموعة من أكفأ وأذكى الكوادر ،ولكن مع قدوم مبارك والبدء في التركيز عل الواسطة أصبح معظم كوادرها غير قادرين فعليا على إدارة أي عمليات استخبارية سواء بالداخل أو الخارج ،وهرمت وتقاعدت كوادرها القديمة .
6- الجيش المصري وإدارته ،لعل الجيش المصري يعتبر الاستثناء الوحيد في هذه المنظومة الأمنية ،فضباط الجيش عموما يطلب منهم تقديم واسطه ولكنها ليست واسطة كبيرة كما في الأجهزة الاخرى كما أنهم لا يدفعون رشاوي في معظم الأحيان لتسهيل التحاقهم بالكليات العسكرية ،كما أن ضابط الشرطة ينظر عموما لضابط الجيش بإستعلاء شديد ،مما خلق جوا من العداء الدائم بين ضباط الجيش والشرطة ،في حين أن جنود الجيش يتكونونا من معظم طبقات الشعب المصري ويذهبون للخدمة الاجبارية في الجيش كارهين ولمدة محدودة .
فلماذا انهار النظام الأمني المصري في ساعات معدودة بعد أن تدفق المتظاهرون
1- لانه مع تزايد ضغوط الأعداد الكبيرة للمتظاهرين على جنود الأمن المركزي كان علي أؤلئك الجنود التراجع وإلا فتكت به الحشود ،فهرب الأمن المركزي وضباطه ،ومع تزايد الحشود ورغبتهم في الإنتقام وقيامهم بإحراق مقرات الحزب الوطني وأقسام الشرطة هربت عساكر وضباط الشرطة , وذهب كل منهم إلى بيته لمحاولة تهريب عائلته أو الدفاع عنها ، وبقيام المتظاهرين بمهاجمة مقرات المحافظات وأمن الدولة بها هرب ضباطها ومخبريها كذلك وذهبوا لحماية عائلاتهم
2- كان الملاذ الأخير أمام مبارك هو إستعمال الجيش لملئ الفراغ الأمني ،و إستعمال الجيش في هذه الظروف كالعب بالنار ،فذا أصدر مبارك أو قادة الجيش للفصائل المشاركة أمرا بإطلاق النار على لمتظاهرين وقتل عدد منهم ،فأن ذلك هو نهاية مبارك ،فإمكان حدوث إنقلاب من أحد الفصائل أمر كبير الأحتمال ،وهو ما سيعنى نهاية دموية لمبارك نفسه فأحتمال أنضمام فصائل أخرى فى الجيش الى التمرد أمر مؤكد وهو مايعني النهايه الحتمية ليس لمبارك فقط بل لكل من حوله ،ولذلك فقط صدرت الأوامر للجيش بعدم إطلاق النار على المتظاهرين . ولكنه إعتقد أن نزول الجيش للطرقات سترهب المواطنين ولكن حدث العكس.
3-و لم يبقى أمامه إلا أن يختفي في حماية جهاز الحرس الرئأسي ،فهل يستطع الحرس الرئاسي حماية مبارك فعليا إذا قامت الحشود بالتوجه إلى القصر ومهاجمته، أشك في ذلك يستطيع الحرس فقط حمايته لبضعة ساعات ولكن أمام أعداد حاشدة سوف يقوم بالهرب خصوصا إذا رأت قوات الجيش أن الحرس يقوم بقتل المتظاهرين فانها بالتاكيد سوف تتدخل لصالح المتظاهرين ،وذلك سواء صدرت لهم أوامر بعدم التدخل أم لا .
إنه درس يثبت أن النظم الدكتاتورية تسقطها الشعوب ،لأن أهم عنصر يجب الاعتماد عليه لتامين أي نظام هو الشعب نفسه ،وبدون مشاركات الشعوب في مقرراتها عن طريق العملية الديمقراطية فإن أي نظام دكتاتوري مكتوب عليه بالسقوط مهما طالت مدة بقائه فهذه سنة الحياة .
موضوع: اسباب سقوط حسني مبارك و نضامة الفاسد 
12/2/2011, 00:32
