عولمة وإستراتيجية التعليم في الجامعات الأردنية: الواقع والتصورات المستقبلية
Submitted by anthony.haddad on 26/11/2010 - 14:26
* نشاطات • تربية وتعليم
* الندوة الأولى: العولمة والتعليم العالي
* مقالة
* المنتدى العربي الخامس للتربية والتعليم
* المنطقة العربية
* غير مترجم
* د. غازي صالح نهار
* عربي
* مؤسسة الفكر العربي
لاقت العولمة في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا.ولقد ذكرت الأبحاث ووسائل المتعددة عن هذا الموضوع في أيامنا المعاصرة ووصفت العولمة بصفات متعددة منها ، الاستعمار القديم والجديد وغيرها، وكذلك أيضًا شهد التعليم العالي الأردني خلال السنوات الماضية عدة تطورات وتغييرات في مجالات متعددة منها فتح المزيد من الجامعات وقبول أعداد كبيرة من الطلبة وغيره.
وفي ضوء ما ذكر أعلاه، يحاول هذا البحث توضيح طبيعة العلاقة بين العولمة وإستراتيجية التعليم العالي في الأردن.ويهدف هذا البحث للتعرف على إستراتيجية التعليم العالي الأردنية والمشاكل والتحديات التي تواجهها.
التفاصيل
العولمة وإستراتيجية التعليم في الجامعات الأردنية: الواقع والتصورات المستقبلية
د. غازي صالح نهار
أستاذ مشارك في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
ملخص البحث:
لاقت العولمة في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا.ولقد ذكرت الأبحاث ووسائل المتعددة عن هذا الموضوع في أيامنا المعاصرة ووصفت العولمة بصفات متعددة منها ، الاستعمار القديم والجديد وغيرها، وكذلك أيضًا شهد التعليم العالي الأردني خلال السنوات الماضية عدة تطورات وتغييرات في مجالات متعددة منها فتح المزيد من الجامعات وقبول أعداد كبيرة من الطلبة وغيره.
وفي ضوء ما ذكر أعلاه، يحاول هذا البحث توضيح طبيعة العلاقة بين العولمة وإستراتيجية التعليم العالي في الأردن.ويهدف هذا البحث للتعرف على إستراتيجية التعليم العالي الأردنية والمشاكل والتحديات التي تواجهها.
والجدير بالملاحظة القول هنا أن الباحث يرى أنه لا يمتلك حلولاً جاهزة للمشكلة،ولكنه يرى أن الحلول تكمن في طريقة إعادة النظر في تصميم تلك الإستراتيجية بشكل يتناسب مع احتياجات المجتمع المحلية،وهذا يتطلب ضرورة التغيير الديناميكي بشكل يتناسب مع المتغيرات والمستجدات. وعلى الرغم من أن الهدف من هذا البحث يتضمن على رسالة للتعليم العالي الأردنية التي ترى بضرورة الاستقلال الفكري في بناء إستراتيجية التعليم العالي الوطنية الأردنية، إلا أن الباحث لا يعني من تلك الرسالة بعدم وجود فائدة علمية من التعاون بين المجتمعات.بل على العكس من ذلك، فإن الحوار بين المجتمعات يلعب دوراً كبيرًا وهامًا في تبادل الأفكار والخبرات ووجهات النظر المتعددة ، بالإضافة إلى أنه يفيد في الوصول لاختبار الفرضيات العلمية والحصول على نتائج مفيدة.
1-المقدمة:
لقد ظهرت محاولات لدمج دول المجتمع الدولي اقتصاديًا و ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا بشكل تتجاوز معه تلك المحاولات الحدود الثقافية والسياسية والحضارية للمجتمعات من خلال ما يعرف بظاهرة العولمة والتي كثر الحديث عنها في الكتابات والندوات العلمية وأثرت على الحركة التفاعلية لدول العالم بشقيها المتطور والنامي منها.ومن خلال عالم العولمة تحاول الدول الكبرى لعب دور يقوم على تدويل النشاطات العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ويؤثر سلبًا على سلطة وسيادة الدول الحديثة والصغيرة منها.
فلقد شهد التعليم العالي في الأردن وفي المنطقة العربية تغييرًا سريعًا نتيجة للتغييرات السريعة والشاملة التي حدثت في عالم العولمة في أيامنا المعاصرة . وبناء عليه، كان على المعنيين بهذا الموضوع، وخاصة من ينتسب منهم للجامعات أن يجتهد كل من جانبه لحماية هذا القطاع الحيوي والهام من الأخطار المحيطة به، لإزالة المشاكل التي تواجهه داخليا ومحاولة تنقيتها من شوائبها الذاتية بهدف دفعه نحو التطور والتقدم .
كذلك أنجز التعليم العالي الأردني الكثير، وساهم بعناصره المتعددة في عجلة التنمية الوطنية في الأردن،وفي العديد من الدول العربية الشقيقة، والإقليمية أو الدولية التي هاجر إليها العديد من خيرة العلماء الذين تخرجوا من مؤسسات التعليم العالي الأردنية. ولكن وعلى الرغم من ذلك، فان الباحث يرى أن هناك ضرورة لقيام المؤسّسات المختصة بشؤون التعليم العالي الجامعي ذاتها من حين إلى آخر، بإجراء مراجعة موضوعية لكل جوانب التعليم العالي الجامعي في الأردن ثم عليها أيضا مراجعة الموضوع والكتابة فيه بهدف التقويم والبحث عن الإصلاح الاستمرار والتجديد. وإننا إذ نبحث اليوم في مقدار ما تم انجازه ونفكر في مستقبل هذه الطبقة والشريحة الاجتماعية وفي مستقبل الأردن، فإنما نقوم بذلك رغبة منا في الحصول على المزيد من الخير والسعي للوصول للأفضل.
إن هذا البحث يطرح الكثير من التساؤلات حول جوانب متعددة من علاقة العولمة بالتعليم العالي في الأردن التي يمكن أن يثيرها البحث لاحقًا، ولكن من الواضح هنا ،أننا لا نستطيع معالجة كل الأسئلة التي سترد في هذا البحث ، بل لا بد لنا من تناول بعض منها، آملاً أن تجد المواضيع الأخرى اهتماماً لدى باحثين آخرين.
1: 1- التعريف بمشكلة البحث وأهميته:
من خلال الاطلاع على الآراء التي تحدثت عن أثر موضوع العولمة على الإستراتيجية التعليمية في الأردن أو في غيرها من الدول الأخرى، نجد أن معظمها يركز على اثر العولمة على انتشار حركة التعليم العالي أكثر من تركيزها على دراسة الإستراتيجية التعليمية ذاتها.وبالمقابل نجد أن هناك القليل من تلك الآراء والأبحاث التي تهتم ببيان أثر العولمة على إستراتيجية التعليم العالي في هذا البلد. إن الفارق بين الآراء التي تحدثت عن هذا الموضوع وبين التطبيق العملي والنتائج المترتبة على العلاقة بين أطراف هذا الموضوع تقود بالباحث للبحث عن إستراتيجية جديدة يتبناها الأردن.أي بكلمات أخرى ،لا تزال الأبحاث والدراسات حول العولمة وأثرها على التعليم العالي للدول تحتاج إلى المزيد من التنوع في دراستها والعمق في تحليلاتها لهذه العلاقة.وانطلاقًا من ذلك سيهتم هذا البحث بدراسة العلاقة بين العولمة والتعليم العالي في الأردن ويحاول تقديم جهد مضاف للجهود العلمية التي سبقت في هذا المجال.وبما أن الأردن من الدول العربية النامية والصغيرة ، فان البحث سيركز على بيان اثر العولمة على سياسة التعليم العالي الأردنية، خاصة وان اثر ظاهرة العولمة بدأت تظهر على هذا القطاع الهام منذ أواخر القرن الماضي وبداية هذا القرن.
أما أهمية البحث فإنها ترجع إلى اعتبارين أساسيين هما:
أولهما:إن ظاهرة العولمة تعتبر التحدي الأساسي للتنمية والاستقلال الفكري في المجتمع الأردني ، وسيبقى كذلك فترة غير محددة على الرغم من محاولة هذا البلد إتباع سياسة تعليمية في الجامعات الأردنية مستندة على ثقافة عربية إسلامية، إلا أنها محاولة ضعيفة ولا تستطيع بما هي عليه من مواكبة ومقاومة التحديات القادمة المرافقة للعولمة.
وثانيهما: إن هذا الموضوع ونتيجة لتعلقه بالعلم والعلماء والتنمية والاستقلال الثقافي والفكري، قد جلب اهتمام معظم الباحثين من العالم العربي خاصة ودول العالم عامة.ويرجع ذلك الاهتمام لاعتبارات بديهية تتعلق بفكرة الاستقلال والتبعية بالنسبة للعالم العربي،ولامتداد مجالات عالم العولمة لتطال كل قطاعات المجتمعات بما فيها قطاع التعليم العالي.وللتعامل مع عالم العولمة والإلمام بمخاطرها عند رسم سياسات تعليمية، أصبح من الضروري في الأردن بلورة إستراتيجية تعليم عالٍ تتصف بالعقلانية والواقعية وبطريقة تأخذ تأثير الحقائق الثابتة بعين الاعتبار، مع ضرورة عدم إغفال المتغيرات أو العوامل المحتمل ظهورها.
إن التركيز على العولمة وأثرها على إستراتيجية التعليم العالي الأردنية يعود في هذا البحث لأكثر من اعتبار،منها ما يتعلق بأهمية هذا ذاته ولاعتباره تحدٍ كبير يواجه سياسة التعليم العالي في الأردن،ومنها أيضا وجوده ضمن اهتمامات الباحث ورغبته في الاطلاع على صنع تلك السياسة.
نرى ذلك ،لأننا عند قراءتنا للأبحاث والاستماع للآراء التي تحدثت عن إستراتيجية التعليم العالي الأردنية ، نجد أن العديد ممن تحدث في هذا الموضوع قد أبدى امتعاضه من المشاكل التي تواجه حركة التعليم العالي في الأردن ، ولذلك نجده يسال عن قدرة هذا البلد على بناء إستراتيجية جديدة للتعليم العالي تكون قادرة على التعامل مع ظروف الأردن الداخلية وعالم العولمة الجديد.( فايز الخضاونه، 2001 ص، ص 223 – 225 ).
1: 2 – أهداف البحث ومنهجية:
يهدف هذا البحث إلى التعرف على آثار ظاهرة العولمة على سياسة التعليم العالي في الأردن. وأما المشكلة الأساسية التي تواجه هذه المرحلة من العولمة فإنها تتمثل بمحاولة الإجابة على الأسئلة التالية وهي:
-هل تقود ظاهرة العولمة إلى التأثير على إستراتيجية التعليم العالي في الأردن ؟ وهل التأثير العلمي والثقافي للعولمة على الأردن يمكن أن يفتح المجال لها للتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد ؟
-ما هي القضايا الهامة التي يثيرها عالم العولمة في الدول المتقدمة وكيف للأردن أن يستفيد من عالم العولمة وتجاربها وكيف له أن يتجنب مخاطرها؟
-هل توجد إستراتيجية وطنية للتعليم العالي في الأردن خاصة به ؟ وما هو نوع التعليم العالي الجامعي المراد الوصول إليه في المستقبل و آلياته، ومنهجياته في هذا البلد ؟ وكيف للمجتمع الأردني – موضوع البحث- أن يواجه التطورات المرافقة للعولمة؟ وكيف يمكنه أن يتجنب الآثار الناتجة عن موجات العولمة على إستراتيجيته التعليمية ؟
فمن خلال الأسئلة الواردة أعلاه في هذا البحث نستطيع الوصول إلى طرح فرضية للبحث ونحاول الإجابة عليها.
فرضية البحث : فمن سياق الأسئلة الواردة في هذا البحث و في ظل تحقيق أهداف البحث، يستطيع الباحث طرح فرضية مفادها: غالبًا ما تلعب ظاهرة العولمة في أبعادها الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية دورا ضاغطًا على إستراتيجية وسياسة التعليم العالي في الدول النامية بشكل عام وفي الجامعات الأردنية بشكل خاص ،وتجعل عملية تطورها باتجاه اللحاق بالعولمة أمرًا أساسيًا.
أي بمعنى آخر، إن العولمة هي : ظاهرة دولية غربية وتعتبر القيم الثقافية الغربية هي القيم المقبولة الوحيدة للتعامل الدولي،وهذا سيؤدي حتمًا إلى فرض منظومة القيم العلمية والثقافية الغربية-موضوع البحث-على التعليم العالي في الأردن دون الاهتمام بخصوصية هذا البلد وموروثة الثقافي والفكري والسياسي .
للإجابة على الأسئلة التي يطرحها البحث وللتحقق من أهداف البحث وصحة فرضيته أو عدمه ، تم تقسيمه إلى مباحث تدور حول التعرف على مفهوم العولمة وعلاقتها بالسياسات التعليمية في الجامعات الأردنية ومدخلاتها ومخرجاتها ،وطرق إصلاحها ومعيقاتها .وكذلك يحاول البحث بيان مدى تأثير العولمة على النظام الاجتماعي في المجتمع الأردني ، وأخيرًا يحاول البحث طرح بعض المقترحات التي يراها مفيدة لمجابهة المشاكل التي تعترض طرق تطبيق إستراتيجية و سياسة التعليم العالي في الأردن.
أما المنهج العلمي للبحث: بصفة عامة يمكن القول بوجود عدة مداخل أساسية يمكن الاعتماد عليها في تفسير سياسة العولمة تجاه السياسة التعليمية وإستراتيجية التعليم العالي الأردنية،منها النظرة لسياسة العولمة تجاه الإستراتجية الأردنية للتعليم العالي من خلال المصالح القومية لدول العولمة،أو يمكن الانطلاق في البحث من خلال دراسة الكل وتتبع اثر العولمة في تكريس الثغرات التي يتسم بها واقع التعليم العالي الأردني واستغلالها للتأثير على الاستقلال العلمي في هذا البلد وكجزء من الاستقلال الوطني العام.
على كل ، يلاحظ من خلال العرض السريع للمداخل المختلفة لدراسة سياسة العولمة تجاه إستراتيجية التعليم العالي الأردنية،أنه لا يمكن الاعتماد على احد المناهج العلمية فقط في تحليل هذه السياسة لما يرافق ذلك التوجه من ضعف وافتقار إلى النظرة التحليلية الشاملة، الأمر الذي قد يقود إلى نتائج غير دقيقة.وإذا كان محور هذا البحث يدور حول دراسة اثر العولمة تجاه إستراتيجية التعليم العالي الأردنية في العقد الماضي فإن هذا البحث سيسعى للاستفادة من المعلومات التي تقدمها المناهج المتعددة منها المنهج التكاملي ، وكذلك الاستفادة من منهج تحليل النظم.
وبعيدا عن الخوض بالتفاصيل التي تتعلق بمنهج تحليل النظم فإنه يرجع -بصفة عامة -استخدام هذا المنهج إلى ديفيد أستون الذي يؤسس نموذجه على مفاهيم النظام والاستجابة، وهي تطوير الهياكل والعمليات داخل النظام لمواجهة التأثيرات النابعة من البيئة،بحيث يبدو النظام كدائرة متكاملة تبدأ بالمدخلات التي تتفاعل مع النظام من خلال عملية التحويل لتنتهي بالمخرجات حيث تربط بينهما عملية التغذية الاسترجاعية (David Easton ،1957،). والمدخل هو أي عمل أو مؤثر يدخل إلى النظام، أو أحد نظمه الفرعية ويسهم في تغيير الوضع داخله.أما المخرج فهو الناتج الذي يفرزه النظام بعد تفاعل المدخلات مع مؤسسات النظام.وأخيرًا فإن التغذية الإسترجاعية هي عبارة عن تيار المعلومات الذي يحمل تأثيراً ناتجاً عن النظام-المخرجات- إلى البيئة كمدخل جديد- وهي إما تغذية سلبية تؤدي إلى تغيير النظام لحركته وسلوكه السابق،وإما تغذية إيجابية تعني استمرار سلوك النظام واستجابته السابقة(هاله أبو بكر سعودي، 1983 ص36.).
1: 3 – الإطار النظري للبحث:
يشكل الموضوع الخاص بدراسة ظاهرة العولمة وأثرها على سياسات التعليم العالي في الدول النامية أحد المواضيع التي تحظى باهتمام كبير من الباحثين في العلوم السياسية بشكل خاص والعلوم الاجتماعية بشكل عام.فعلى الرغم من الكتابات المتعددة حول العولمة، إلا أننا نجد القليل منها قد تعرض مدى تأثيرها على إستراتيجية التعليم العالي في الأردن.ولذلك تم اختيار هذا الموضوع للبحث فيه ودراسته، ولكن قبل الحديث فيه نرى انه لابد من التعرف على الأطر النظرية للعولمة ،لنتمكن بعدها من التعرف على تأثيراتها المختلفة،وعلى كيفية إيجاد وسائل للتعامل معها،ومن ثم نستطيع بعدها التعرف على أثارها على إستراتيجية التعليم العالي قي الأردن.
فبالرغم من وجود شبه اتفاق بين الباحثين على هيمنة سياسة وفكر العولمة على العالم النامي، إلا أن هناك تباين بينهم حول تحديد أسس نظرية عامة تقود لوضع الأبعاد الأساسية لمفهوم العولمة في إطار محدد(سرحان بن دبيل العتيبي، ابريل 2005 ص67).
). ولذلك غالبًا ما نجد أن الباحث يعاني في دراسته للإطار النظري الخاص أو المناسب لدراسة موضوع العولمة والإستراتيجية التعليمية في الأردن من مجموعة من المشاكل التي تتمثل بعدم وجود تجانس ولا تعاون بينهما. لقد جاء هذا الانقسام وعدم التجانس كمحصلة للتراكمات التقليدية واختلاف حقل تخصّص كل منهما، مما أدى ذلك الانقسام إلى وجود مدارس متعددة ذات وجهات نظر متباينة بحثت كل منها في عالم العولمة وتأثيراتها الجانبية. لقد كان الاختلاف بين النظريات التي بحثت في اثر العولمة على المجتمعات النامية منبثقًا من قواعد اهتماماتها الأساسية وأهدافها الرئيسية. وانطلاقًا من هذا التباين ظهرت تيارات متعددة تحاول كل منها إيجاد وتطوير بعض المرتكزات النظرية لمفهوم العولمة تنطلق منها أو ترتكز عليها في تفسير ظاهرة العولمة وتداعياتها على المجتمعات الأخرى.فمن تلك الدراسات من تحدث عن تاريخ العولمة وتوجهاتها الإيجابية، في حين تحدث البعض الآخر عن هيمنة دول العولمة واستغلالها لشعوب العالم النامي(السيد ياسين 2003،ص259).
على كل، وعلى الرغم من الاختلافات التي حدثت في وجهات النظر بين المدارس التي بحثت بهذا الموضوع إلا أنها مدارس يمكن اعتبارها ذات فائدة وتصلح لتحليل طبيعة العلاقة بين العولمة ومجتمعات الدول النامية ، ويمكن تقسيمها إلى مدرسة المصالح المشتركة والتي يسميها البعض من الكتاب بمدرسة المتفائلين ،والثانية مدرسة التبعية أو مدرسة المتشائمين(السيد ياسين 2003،ص259). أي بكلمات أخرى، هناك من ينظر للعولمة باعتبارها ظاهرة سلبية، تسعى للهيمنة على مجتمعات العالم( 2000Kenneth Waltz ). في حين يرى أصحاب الاتجاه الثاني بأن ظاهرة العولمة هي عبارة عن ظاهرة حضارية إيجابية تقود إلى تحويل العالم إلى قرية تتلقى التأثيرات الثقافية والمجتمعية ذاتها مما يقود هذا الوضع إلى اندماج المجتمعات المختلفة متجاوزة الحدود الوطنية لكل منها ( سالم البيض ربيع 2004صص15-17) .
وأخيرًا يرى أصحاب الاتجاه الثالث أن ظاهرة العولمة تقوم على تبادل المصالح والمعلومات والخبرات بين جميع المجتمعات باختلاف حضاراتها وثقافاتها، أي أنها تحتوي وفقا لهذا الرأي على آثار ايجابية وأخرى سلبية ولذلك يجب التعامل معها بشكل متوازن، و تدريجي خاصة عند يحاول البعض القيام بعملية الربط بين القضايا المطروحة والمتداخلة بين المجتمعات(محمد عابد الجابري ،1998،ص301). فلقد قدم أصحاب النظرة المتفائلة بالعولمة ، تعريفًا إجرائيًا للعولمة مبني على اعتبارها تدفق للسلع والخدمات وتقوم بتوفير رؤوس الأموال والأفكار بغير حدود ولا قيود بين الدول.وكذلك تستند العولمة لدى هؤلاء على مفهوم يقوم على معلومة مفادها أن العالم سيستفيد من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة التي ستفتح بالنسبة لمؤيديها باب الفردوس أمام الإنسانية، كما وأن تلك التكنولوجيا ستسرع في سيطرة الشعوب على المعرفة وتوفر الفرصة لنشوء ثقافة تقوم على التسامح وتسهم في إشاعة الديمقراطية في المجتمعات(Robbie Robertson 2006، p 1.). في حين يرى أصحاب وجهة النظر المتشائمة أن من يسير في ركب عالم العولمة من الدول وخاصة الضعيفة منها لابد وأن يدفع ثمناً اقتصادياً نتيجة للتطور التكنولوجي الجديد وللمخاطر الاجتماعية والسياسية الناتجة عن هيمنة وقوة القوى الاستعمارية وعن تأثير الشركات العملاقة على أمن واستقلال الدول النامية(Jan A Art Schulte،2000). والخطير في هذا الأمر، إن إقناع الدول بانخراطها في عالم العولمة يتم من خلال الإقناع والتسليم طوعًا بها ، ولكنه ينتهي في نهاية الأمر فرضه بالقوة إذا لزم الأمر تجاه من يرفض أو يتمرد عليه(Nancy Birds all 2005، p.2.).
إن الاستعراض السريع لأي من التعريفات والمدارس التي بحثت بالعولمة من بين سلسلة التعريفات الكثيرة التي تصدت لبيان المفهوم يؤكد بوجود بعض الاختلافات فيما بينها . فعلى سبيل المثال، سواء نظرنا إلى العولمة بنظرة تفاؤلية بوصفها تمثل التبادل الشامل الكلي بين مختلف أطراف الكون، الذي يتحول العالم بموجبه إلى محطة تفاعلية للإنسانية كلها، بحيث تمثل العولمة شعارًا للقرية الكونية الصغيرة التي تربط بين الناس والأماكن ملغية المسافات ،ومقدمة المعلومات بشكل شامل وغير مقيد أو نظرنا إلى العولمة بنظرة تشاؤمية، باعتبارها الخضوع لجملة من القواعد والمعايير الدولية التي تعيد تنظيم مجالات كانت تدخل في صميم سيادة كل دولة، بدءًا بحقوق الإنسان في الحقل السياسي مرورًا باقتصاد السوق وما ينادي به من إزالة القيود على انتقال رأس المال والسلع والخدمات وصولاً إلى انتقال المعلومات والأفكار في الحيز الثقافي، فإننا نجدها تدور حول تيارات من أهمها(Nancy Birds all 2005، p.2.):
التيار الذي يرفض الانصياع لعالم العولمة، لأنه يرى بالعولمة حالة قادت ببعض الدول القوية منها مثل أميركا مثلاً لان تحاول فرض أنموذج شمولي لا يختلف كثيرًا في جوهره عن الأنموذج الذي شاهدته الدول الشيوعية في زمن الاتحاد السوفيتي السابق. وهذا الأنموذج الشمولي، يرفض الآخر المختلف معه، ولا يكتفي بالرفض فقط، بل ويتعداه محاولاً تدميره في حالة فشله في إخضاعه تحت مظلته. وعالم العولمة هذا يصب في تيار محاصرة الثقافات المختلفة، ضمن منظور ثقافي وحيد ،والسعي إلى تجريدها من ملامح الخصوصية، والتمايز فيها، لإجبارها على إعادة التشكيل وفق إملاءات ذلك المنظور.
و التيار الثاني الذي يرى بوجود بعض الجوانب الايجابية في العولمة، من أهمها منح البشر على اختلاف شعوبهم وأعراقهم وثقافاتهم فرصة تاريخية غير مسبوقة للتواصل، ومناقشة إمكانات تآلفهم وتعاونهم للالتقاء عند قواسم وقيم إيجابية مشتركة تفرضها مصالحهم المشتركة وانتمائهم جميعا إلى دائرة الجنس البشري، بعيدا عن الإطاحة بخصوصيتهم وتفردهم الثقافي.
ولكن تلك الإمكانية تصطدم حتى الآن بموانع عديدة من أهمها عامل الّلغة، إذ ما تزال الأمم والشعوب مجبرة على اللجوء إلى الّلغة الإنكليزية واستعمالها كأداة رئيسة للاتصال ، على اعتبار أنها الّلغة الأكثر عالمية وانتشارًا، والّلغة العالمية المستخدمة في وسائل الاتصال التقني الحديث، بما يعكس تخليًا ضمنيًا من جانب تلك الأمم والشعوب عن لغاتها الوطنية والقومية وانصياعا لهيمنة تلك الّلغة مع كل ما يمكن أن يشكله ذلك من إفقار وعزل للغاتها الوطنية، وتبن غير واعٍ لما تضمره الّلغة والثقافة الإنكليزية من رموز ومقولات، الأمر الذي يستدعي تكثيف وتكاتف جهود الدول لمجابهة تحدي العولمة وبالمقابل محافظتها على ثقافتها الوطنية(السيد ياسين، 2003 ، ص259).
على كل ،وللتخلص من النظرة التشاؤمية للعولمة ،والقفز من فوق مخاطرها يتطلب هذا العمل توفر مجموعة من العوامل تساعد الدول المنخرطة في عالم العولمة في التأقلم مع العالم الجديد للعولمة والمحافظة على قيمها الوطنية واستقلالها،ممثلة، بحرية الإرادة السياسية، والنجاح في تعبئة موارد المجتمع بقطاعاتها الاقتصادية والبشرية،واستثمارها وفقاً لإستراتيجية وطنية مدروسة ومخطط لها بشكل جيد ،ووفقاً للمصلحة الوطنية(15). وكذلك على الدول أن تأخذ بعين الاعتبار عند وضع الإستراتيجية الوطنية دراسة تأثير المتغيرات الدولية الخارجية على الدولة وتاريخها الوطني للدول المشاركة في عالم العولمة.
بعد أن تم في الصفحات السابقة من البحث استعراض بعض المداخل النظرية المختلفة لدراسة العولمة تجاه سياسة التعليم العالي الأردنية وغير الأردنية،فإننا سنحاول في هذه الصفحات التعرف على ظاهرة العولمة.
3- التعريف بالعولمة:
لقد دخل مصطلح العولمة إلى عالم الفكر وأصبحت استخداماته العلمية تزداد يوماً بعد يوم سواء أكان ذلك في الكتابات أو الأبحاث أو في المؤتمرات العلمية المعاصرة. وبدا هذا المصطلح والمفهوم يثير الجدل والنقاش حول تحديده ومظاهر العولمة وأبعادها وطبيعة القوى المحركة لها، ومروراً برصد تفاعلاتها وانعكاساتها الايجابية والسلبية الناتجة والمستقبلية على الدول والمجتمعات الإنسانية(علي السلمي وآخرون،2001، ص 322.). وبناء على ذلك فان الباحث سوف لن يبحث بتاريخ نشأةِ العولمة وتطورها،ولكنه سيحاول التركيز على إفرازات العولمة على إستراتيجية التعليم العالي في الأردن موضوع البحث.
لقد أصبح من المعلوم للعديد ممن يبحث في موضوع العولمة أن إحدى المشاكل الرئيسة التي تواجه الباحثين في دراستهم لهذا الموضوع وفي محاولتهم أيضا معرفة مدى تأثيراتها على دول العالم النامي تتمثل في غموض وتوسع المفهوم ومصطلحاته الفنية واللغوية. لقد جاءت هذه المشكلة نتيجة لكثرة تشعب فروع العولمة وأنواعها وسعة اهتماماتها المتعددة. ولقد ازداد هذا المفهوم اتساعاً حيث انطلق في بداياته من تركيز اهتماماته على الجانب الاقتصادي ولم يقف عند هذا الحد بل انطلق ليشمل جميع مظاهر الحياة المجتمعية ومن ضمنها، الجوانب الثقافية والتعليم بقطاعاته المتعددة.
وبناء على ما تم ذكره أعلاه،ومن خلال الاطلاع على الدراسات التي تناولت موضوع العولمة بالبحث والتحليل، نجد أن هناك اختلافات بين الكتاب حول تعريف مفهوم العولمة وتحديد أبعادها.فلقد أسماها البعض مثلاً بالعولمة وآخرون بالكونية ونعتها البعض الثالث بالكوكبة(إسماعيل صبري عبدا لله أغسطس 1997، ص4).
فإذا حاولنا الذهاب للنظر إليها في مفهومها وعالمها وتطورها، فإننا نجد أن بعض العلماء قد عرفها بأنها مجموعة من الظواهر والمتغيرات التي تتفاعل وتؤثر على العوامل المجتمعية في الدولة ومن ثم تمتد لتشمل تلك التفاعلات والتأثيرات دول المجتمع الدولي ولكن بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة(إسماعيل صبري عبدا لله أغسطس 1997، ص5). وهناك رأي في العولمة آخر ، يرى فيها أنها عبارة عن التداخل الواضح لعوامل الثقافة والاجتماع والسياسة والاقتصاد والسلوك بين الدول دون الالتفات بشكل كامل لعامل الحدود السياسية الذي يفصل الدول بعضها عن البعض الآخر، وهذا يعني تجاوزها لمفاهيم السيادة والإجراءات الحكومية المتبعة بين دول العالم المختلفة(عبد الإله بلقيز1998 ص91 ).وأكثر من ذلك ، فإننا نجد أن هناك من الكتاب من ينظر إلى العولمة باعتبارها هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي الغربي وانتشاره معتمدة دول العولمة في نشر هذه الظاهرة في احذ أساليبها على عامل القوة.وبناء عليه يشير أصحاب هذا الرأي إلى عدم اعتبار العولمة ظاهرة حديثة بالدرجة التي توحي بها حداثة المفهوم، وذلك لان عناصرها الأساسية التي تستند عليها فكرة العولمة مثل انتشار العلم والأفكار والعلاقات بين الدول وتأثر الشعوب بعضها بالبعض الآخر وجدت من قبل و تعرفها مجتمعات وشعوب العالم منذ قرون سابقة(سرحان العتيبي ، 2005،ص ص 70-71 ).
وعلى الرغم من المفاهيم المذكورة أعلاه التي أوردها بعض الكتاب عن ظاهرة العولمة، إلا أن هناك من العلماء من يرى أن الوقت لا زال مبكراً لوضع مفهوم محدد شامل ومتكامل ويتناسب مع المواضيع والتشعبات المتعددة لظاهرة العولمة.ولكنه في الوقت نفسه،يرى بان ما توفر من المفاهيم المطروحة في الوقت الحالي لهذه الظاهرة يمكن أن يتم الاستناد عليها والاستفادة منها في عملية تحليل طبيعة العلاقات الثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية، وانتشار أسواق التمويل وتداخل الصناعات عبر الحدود الوطنية للدول وغيرها(سرحان العتيبي ، 2005،ص ص 70-71 ).
وكذلك، فان بعض الكتاب يعتقد بأن الاطلاع على المفاهيم المتعددة للعولمة يمكن أن يفيد في معرفة مدى تأثيرها على طبيعة العلاقات بين الدول ومجالاتها. فهو يرى ذلك لاعتقاده أن العولمة تسعى لإيجاد ثقافة عالمية لها قيمها ومعاييرها بشكل يمكن أن يؤثر على ثقافات الدول الأخرى والمساس بسيادتها وحضاراتها. وتأكيدا لذلك يشير إلى سيادة الدول على أقاليمها في المجالات العلمية والثقافية والتي يعتقد أنها بدأت تتغير خاصة في ظل التحولات العلمية والعملية التي يشهدها العالم في ظل عالم العولمة في وقتنا الحاضر(السيد يسين ،1988 ،ص26).بل إن قدرات الدول على التحكم في عمليات وانتشار شبكات الانترنت وتدفق المعلومات والتكنولوجيا ورؤوس الأموال عبر حدودها أصبح امرأ صعبا مما اضعف من قدرة الدول على ضبط حدودها و أضحى أمراً يثير أسئلة كثيرة حول مستقبل الدول الوطنية في ظل المتغيرات والرياح المصاحبة للعولمة(سرحان العتيبي ، 2005،ص ص 70-71 ).
ومن هنا يرى أن أيديولوجية العولمة تعمل على تعميم نمط حضاري يخص دول العولمة ، وتطرح حدودا غير مرئية تعبر عن عالم الهيمنة على العالم، ، ترسمها تلك الدول التي تسعى إلى إعادة صياغة النظام العالمي طبقا لمصالح وتوجهات وأنماط القيم السائدة في الدول المهيمنة على العولمة.
يتبين من خلال الاستعراض السريع للمفاهيم المتعددة للعولمة التي أوردها العلماء أعلاه، أنها قد اختلفت وتقاربت من تحديد مفهوم يختص ببيان ظاهرة العولمة.ويمكن أن يرد الاختلاف الوارد بين العلماء أعلاه لحداثة الظاهرة ،إلا انه ورغم الاختلاف بين الباحثين حول تحديد مسمى العولمة، إلا أن الأفكار التي تم طرحها والتصورات والتفسيرات التي دارت حول هذه الظاهرة وآثارها على المجتمعات الدولية تكاد تكون متقاربة،ويمكن اعتبارها ذات فائدة علمية.وفي الوقت نفسه توصلنا من المفاهيم أعلاه،إلى أن لظاهرة العولمة أبعاد متعددة،تتضمن جوانب ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية كلها ذات جذور غربية،وتعتبر قيمهم الثقافية والأخلاقية الناتجة عن حضارتهم بمثابة المعايير الوحيدة الصحيحة والمقبولة للتعامل بها في المجتمع الدولي.وهذا الاعتقاد يدفع إلى محاولة دول العالم الغربية المتقدمة فرض منظومة قيمهم الثقافية والحضارية على دول العالم النامي وعلى العرب ومن ضمنهم الأردن – موضوع البحث- بشكل خاص، دون الاهتمام بخصوصياتها وموروثاتها الفكرية والثقافية الأمر الذي سيؤدي إلى انحسار دور الثقافة العربية، حتى تصبح تلك الدول من أكثر أدوات العولمة فاعلية في تحقيق أهداف دول العولمة.
على كل ،علينا أن نلاحظ أن قدرة المجتمع وقابليته على الاستفادة من الفرص المتاحة أمامه منها أو قدرته على تحجيم خطورتها على ذلك المجتمع، يعتمد بشكل عام على عاملين هامين داعمين هما:
العامل الأول يتمثل، بالقدرة الفردية للأفراد على المشاركة في الاقتصاد العالمي أو باقتصاد العولمة، والتي تعتمد تلك المساهمة على المهارة الشخصية للفرد المنتج في المجتمع، واستثمار الأفراد ومهارتهم وقدرتهم على توظيف تلك المهارات في الخدمات العامة المجتمعية، من خلال الارتكاز على قطاع التعليم العالي.
وفي المقابل يقود العامل الثاني إلى نتيجة مفادها، أن المجتمعات القادرة على توظيف واستثمار رأس المال البشري في مجالات التنمية المجتمعية ليست قادرة فقط على امتلاك الفاعلية في اقتصاديات العولمة، بل إنها تضمن وضع دولي مستقل وتبتعد عن هيمنة ومطالب الدول الغنية والأقوى في النظام العالمي (سرحان العتيبي ، 2005،ص ص 70-71 ). ولكن عليها أن تعلم انه إذا لم تتحقق مصالح الدول الغنية والأقوى فإنها سوف تسعى لتحجيم دور المجتمعات الأصغر في عالم العولمة (،2002،pp1-2. E. Bloom David).
ولذلك فان الدول النامية بشكل عام والأردن بشكل خاص ، لم يعد أي منها بحاجة إلى تنمية قدرات القوى العاملة الماهرة الفردية لديه فقط، بل إن تلك المجتمعات بحاجه إلى جامعات ومعاهد مستقرة ودقيقة قادرة على جذب الاستثمارات الداعمة لإستراتيجية التعليم والصحة ، ولها برامج سليمة طويلة الأمد قادرة على مجابهة المستجدات والظروف الطارئة التي تقود إلى وضعها على قدم المساواة في دخلها مع دخل الدول الأخرى (Robbie Robertson 2003.).
فإذا نظرنا إلى دول العالم في بداية القرن الحادي والعشرين، يمكن أن نعثر على الاختلافات الموجودة بين الدول ويمكن أن نميز بين الدول القادرة على تخفيف فوارق المساواة في المشاركة في الاقتصاد العالمي مع الدول الأخرى العاجزة عن الوصول للهدف ذاته .أي بين الدول المتطورة والدول الفقيرة، أو العاجزة عن تحقيق هذا الهدف من العالم المتطور والعالم النامي.ولذلك فإنها غالباً ما تتعرض نظم وسياسات التعليم العالي في الأردن والدول النامية في القرن الجديد إلى تحديات ناتجة عن عالم العولمة التي تهدد تلك التحديات إمكانيات وجودة مخرجات الأولى منهما، بل ووجودها ذاته.
لقد بدأت العولمة في إيجاد نقطة لها للتدخل في أنظمة التعليم العالي وفي المعاهد العلمية لكل دولة من دول العالم بما في ذلك الأردن موضوع البحث. إن العولمة تعود للطريق التي تستطيع بواسطتها الدخول إلى الدول من خلال استيراد الأخيرة للبضائع والنقود والعمال والأفكار.إن دول العولمة تمتلك المعلومات التكنولوجية المتقدمة وتحاول نقلها بسهولة للدول الأخرى.إن هذه التطورات جنباً إلى جنب مع الزيادة في انتقال العمالة الدولية الماهرة إلى الأسواق الدولية، أدت إلى انتقال الأفكار بشكل سريع وقادت إلى استغلال التكنولوجيا المتطورة،وتحاول نشرها بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر والقديم.لقد ازدادت قيمة المعلومات لاعتماد الدول عليها في تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي في بلدانها، وأصبح الدخول للمعلومات، والقدرة في الحصول عليها واستغلالها لصالح الدول، يمثل مصدراً للتنافس بين الدول المختلفة.
ولذلك أصبح التعليم العالي يعد بمثابة الحبل الحيوي الذي يمكن أن تتسلق الدول النامية عليه بهدف الحصول على المعلومة الموجودة في عالم العولمة.وحتى الآن، فإن غالبية تكنولوجيا المعلومات توجد في الدول المتقدمة، والتي يمثل سكانها حوالي 15% فقط من سكان العالم، وتملك في الوقت نفسه حوالي 90% من براءات الاختراع في العالم(فايز الخضاونه2001).
وبناء على المعلومات أعلاه ،فإذا أراد الأردن الالتحاق بالمجال التكنولوجي، فان أمامه فرصة لاستخدام التعليم العالي لأنه الأداة الرئيسة التي يمكن أن توصله إلى العملية العلمية، ويتوجب عليه عندها أن يتعلم الأفكار العلمية والمعلومات المتطورة التي تمكنه من الدخول إلى عالم التكنولوجيا المتطورة وسحبها من أماكن وجودها في العالم، ومن ثم يمكنه استخدامها ونقلها للمجتمع الأردني. ومما لاشك فيه فإن هذا العمل يتطلب ضرورة إيجاد خبرات و مهارات تبنيها وتعتمد عليها بشكل كامل الجامعات ونظام التعليم العالي في هذا البلد، والتي تمكنه من الحصول على الفوائد العلمية والمعلوماتية الموجودة في العالم المتقدم في ظل عالم العولمة، شريطة أن تتم هذه العملية بعيداً عن الاعتماد على الخبراء الأجانب ،وبدون تكلفة مادية.وكذلك، يستطيع التعليم العالي من خلال الاعتماد على العلماء أن يساهم في استخدام الاستثمارات الاقتصادية وجلبها للوطن واستغلالها وبالتالي يمكن أن يجنب الأردن المشاكل الملازمة للتنمية الوطنية.
لكن لسوء الحظ، وعلى الرغم من سعي الأردن كدولة نامية لإيصال مخرجاته التعليمية إلى المستوى العالمي إلا أن غالبية تلك المخرجات لم تصل إلى المستوى العالمي حتى الآن. ولذلك نرى أن غالبية مخرجات التعليم العالي الأردنية غير مناسبة وغير ملائمة لمطالب العولمة، لان الأنظمة التعليمية القائمة لم تصل بعد إلى أهداف ومتطلبات السوق الدولية من العمالة، ولم تلبي حتى الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية للبلد ذاته.ومن هنا جاءت أهمية إلقاء الضوء على موضوع التعليم العالي في الأردن وبيان أهميته في الأسطر التالية.
4- أهمية التعليم العالي:
قبل أن نبدأ في تحليل واقع التعليم العالي الجامعي في الأردن واستخلاص اتجاهاتنا المستقبلية فيه أو رؤيتنا له في ضوء درجة تأثره في عالم العولمة ، نجد أنه لابد لنا من الاطلاع على إستراتيجية التعليم العالي الأردنية لكي تساعدنا في انطلاقنا منها في تحليلنا لهذا الموضوع الهام. إن أولى هذه المسلمات تكمن في إسهام التعليم العالي في الأردن بضرورة توفير العناصر البشرية المطلوبة للتنمية الوطنية في كافة مجالاتها وقطاعاتها. نرى ذلك لأن مخرجات التعليم العالي من حملة الشهادات الجامعية يشكل مئات التخصّصات المختلفة والتي تشكل بمجملها المجتمع المتقدم الذي نعيش فيه، ونرغب في النهوض به من خلال إسهام المزيد من خريجي الجامعات في تنميته الوطنية.لذلك سنبدأ أولاً بإلقاء الضوء على إستراتيجية التعليم العالي في الأردن.
4: 1 – إستراتيجية التعليم العالي في الأردن:
لقد اهتم الأردن بقطاع التعليم العالي وخاصة في السنوات الأخيرة من القرن الماضي صعوداً، إلا أن هذا الاهتمام لم يستند على إستراتيجية وطنية محددة. بمعنى آخر، لا يوجد في الأردن إستراتيجية وطنية للتعليم العالي قادرة على التكيف مع المتغيرات العلمية التي ظهرت في عالم اليوم. بل لا توجد حتى وثيقة محددة معتمدة عنوانها الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في الأردن. ولكن على الرغم من غياب مثل هذه الوثيقة المعتمدة، فإن لدى الأردن مجموعة من القوانين والأنظمة التي تحكم التعليم العالي في هذا البلد مستندة في غالبيتها على كتب و توجيهات متلاحقة في كتب التكليف الملكي للحكومات المتعاقبة، مضافاً إليها فقرات سنوية ترد في قوانين الموازنات العامة، و في الخطط الجزئية التي وردت في الخطط التنموية المتعاقبة خلال القرن الماضي(
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ولذلك فإننا إذا أخذنا كل البنود التي تتعلق بالتعليم العالي فقط واستعرضنا الوثائق الخاصة بهذا الموضوع، فإننا سنجد أنفسنا أمام كتله هلامية من اللوائح والتشريعات التي كثيراً منها ما يتقاطع ويتناقض مع بعضها الآخر، وهي بمجملها لا تشكل فهما مشتركا ورؤية متوافقة عند أي اثنين أو ثلاثة من كبار الضالعين في أمور التعليم العالي في الأردن، إلا في الخطوط العريضة العامة، والتي لا تتجاوز في أحسن أحوالها مابين 20 إلى 30% من محاور الإستراتيجية المنشودة (Khaled Toukan 2006.P18-22.) .
ولذلك ظهرت الخطة التمهيدية للإستراتيجية التعليمية والتي تسمى ب "مسوده الخطة" الإستراتيجية للتعليم العالي الأردني في مجمله مع الخطة التنموية الوطنية التي تقع ضمن توجهات القيادة الأردنية، تتضمن تغييرا شاملاً لوضع التعليم العالي.والحقيقة أن الهدف من هذه الرؤية والتصور يسعى لتحديث وتطوير إستراتيجية تعليم عالي وطنية تهدف للنهوض بمستوى التعليم العالي الأردني للحاق بمستوى التعليم العالي العالمي، وجعله قادراً في الوقت نفسه على منافسته في الأداء الجيد والنوعية والأفكار ،من خلال اعتماده على العلم والمعلومات الحديثة، ومحاولة نقله من حالة الفائدة الاقتصادية إلى المعلومات الاقتصادية.
فالأفكار المطروحة التي تنادي ببناء إستراتيجية وطنية للتعليم العالي في الأردن تضمنت على ضرورة قبول المشاركة الجماعية في الرأي، والقبول بسياسة مبنية على العدل و المساواة بشكل يتناسب مع متطلبات التنمية الوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار قدرة الجامعات على استيعاب المتغيرات العالمية ومخرجات التعليم العالي الوطنية. كذلك تنادي تلك الأفكار بضرورة الاهتمام بطريقة وضع الخطط والبرامج الدراسية بشكل يتناسب مع أهداف الدولة.وكذلك سعي الإستراتيجية العلمية للدولة لإيجاد خطط وبرامج وجامعات حديثة قادرة على استيعاب الطلبة وإيجاد ثقافة وطنية مشتركة، وتنادي أيضاً بضرورة توفير الكادر التعليمي المناسب لتطوير وتعليم الجيل، وتوفير فرق للبحث العلمي والأجهزة الخاصة لذلك تهدف مجتمعة أو منفردة إلى تطوير العملية التعليمية في هذا البلد(فايز الخضاونه وآخرون،2001).
ع