في سكون الليل أجلس في غرفتي وبجانبي فنجان من القهوة ، تتسلل رائحته لتملأ أجواء الغرفة فتبدد لوحتها الساكنة، أستل قلمي الأرجواني اللون لأخط كلمات مزجتها مع قطرات القهوة المتكاثفة على ذلك الصحن الدائري الشكل، تأخذني نظراتي في جولة مسائية أقوم بها في زوايا غرفتي، فتقع عيناي على دبٍ أبيض اللون حريري الملمس ،أحمر القبعة، قابعاً في تلك الزاوية الخافتة الإضاءة، وبجانبه زميله الأرنب الأزرق اللون ذو الزهرة البنفسجية، فيشاركه وحدته ويؤنسه.
تتسلل عيناي لتهيم بي في أجواء الدراسة ،فتستقر في زاوية تحمل في ثناياها كتباً من الأدب والنثر والخواطر، إضافة إلى كتب تخصصي في مجال الحاسوب، كم من مرة شربت ونهلت من تلك الأوراق، وكم من ليال سهرت فيها لأحفظ عن ظهر قلب ما خط في قلب تلك الصفحات البيضاء، فكوّنت بفضل الله سلسلة من النجاحات التي أفخر بها وبنتاجها، أتابع جولتي المسائية وأنظر إلى تلك الزاوية التي أعشقها منذ صغري، زاوية أحتفظ بها بقلمي الأرجواني اللون، صاحب الأطراف المهترأة، قصير الطول، صغير في حجمه كبير في عطائه، عزيز أنت أيها القلم !! فكم سللتك من غمدك في منتصف الليل لكنك لم تشتكي أو تتذمر، وكم عبأت قلبك من حبر الحياة وخططت بك ما أريد دون أن تتألم، إليك يا رفيق وحدتي وشريك مشاعري، يا ملهمي لسطوري والباعث في قلبي حدوداً كبيرة من الأمل، إليك أبعث أجمل التحيات وأطيبها،وها هي رفيقتك الصفحة البيضاء النقية تشاركك زاوية خاصة بكما بنيتها لكما في قلبي، تلك الصفحة التي طالما احتضنت دموعي، وتقبّلت مشاعري، وباتت لوحة أخزن بها ما أشاء من الأسرار وحكايات لا يعلمها سكان الليل، يا رفيقتي منذ الأزل ، يا من صبرتي على دموع كانت مفتاحاً للفرح والسعادة، يا من باتت تعرفني في الوحدة وتسارع إليّ لترمي نفسها بين يديّ، إليك أجمل أطيب الأمنيات وأرقها ،وأتمنى منك أن تبقي كما عهدتك تلك الرفيقة الأزلية ،الحنونة الطيبة ،صاحبة القلب الكبير والتي مهما كتبت عليها وقسوت في كلماتي فإنها تبقى الحاضنة والمستمعة من دون تذمر.
تأخذني عيناي مجدداً في رحلة استكشاف ثنايا غرفتي، لكن هذه المرة توقفني عند ساعة الحائط الدائرية الشكل، تتراقص عقاربها متناسقة مع بعضها لتكوِن سيمفونية تبدد لحظات السكون ، فتدق معلنة منتصف الليل، عذراً أيها الليل إنه وقتك الآن ولن أتعدى على زاويتك الخاصة في هذه الغرفة ، فأهلا وسهلاً بك عزيزي، ولتبقى أيها القلم متأهباً كما عهدتك ، ولتبقي أيتها الصفحة منتظرة تأملاتي في هدوء الليل، جفوني باتت كأبواب محكمة الإغلاق، فلتغلقي أيتها الأبواب لتعلني لي بداية يوم جميل بإذن الله تعالى...