الاكتئاب القاتل البطئ
كثير من الناس يعانون من الشعور بالحزن وضيق الصدر وانخفاض الوزن وقلة الشهية للطعام ، مما يؤدي إلى قلة الإنتاج والتركيز واحتقار النفس والحياة لدرجة التفكير في الانتحار أو تمني الموت ، وهذه كلها أعراض لمرض خطير هو الاكتئاب .
قد يصيب الإنسان هذا المرض لأسباب خارجية ، كفقد شيء عزيز سواءً كان شخص أو مال أو منصب أو بسبب تناول بعض الأدوية التي تؤثر على الدماغ وتسبب الاكتئاب ، كذلك التوقف عن شرب الكحول والمخدرات والحبوب المنبهة . وقد يصاب الإنسان به بفعل أسباب داخلية تتمثل في العوامل الوراثية ، فيصاب الشخص وراثيا بالاكتئاب نتيجة وجود هذا المرض في أحد أفراد عائلته ، أو بسبب بعض الأمراض مثل نقص هرمونات الغدة الدرقية أو لأسباب أخرى وهمية يخترعها بعض الناس فتزيد من همومهم وأحزانهم.
ولقد غاب على كثير من الناس أن الله سبحانه وتعالى جعل في القرآن الكريم والسنة النبوية شفاءً لكثير من الأمراض ، كما أن هناك أموراً هي بمثابة العلاج الواقي من هذه الأمراض ومنها الاكتئاب ، وأهم هذه الأمور العقيدة وفهم معناها الصحيح واستيعاب جوانبها التي تتمثل في الإيمان بالقضاء والقدر ، فيعلم الإنسان أن ما أصابه أمر مكتوب لابد منه فلا يحزن بل يشعر بالارتياح والرضا والتسليم لله . أيضاً الإيمان باليوم الآخر فيعلم أن مصير هذه الدنيا إلى الزوال فليس المهم ما خسره فيها بل الأهم هو ما بعدها من حساب وعقاب فيقوى الإيمان وتشتد العزيمة ويهون وقع المصائب . كذلك الإيمان بأسماء الله وفهم معاني صفاته والإيمان بها وتطبيقها على ما يحدث للإنسان من أحداث ، فعندما يتيقن الإنسان بأن الله حكيم وأن ما يصيبه من البلاء إنما هو لحكمة أرادها الله ، فيرضى ويعلم أن الخير فيما يقدره الله سبحانه وتعالى .
وأكثر ما يهون على المسلم من شدة المصائب أنها ابتلاء من الله ودليل على محبته وأنها سبب لتكفير الذنوب كما أنها سبب في التوجه إلى الله بالدعاء وأنها دليل على قوة الإيمان وفي الصبر عليها الأجر العظيم ، كما قد يكون في حصول هذه المصيبة خير أراده الله ، فعندما يفهم المسلم المصائب على هذا النحو تكون أفضل علاج للاكتئاب الحاصل بسببها ، أو وقاية من حصوله لمن حلت عليه مصيبة .
وفي تقوى الله وطاعته خير وقاية للاكتئاب ، فقد قال سبحانه وتعالى ' من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون ' ، ففي تقوى الله السعادة الحقيقية : سعادة الدنيا والآخرة .
ولا يخفى علينا أيضاً ما للدعاء والتسبيح من الفضل في الوقاية من الاكتئاب كالدعاء بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ' اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ' . والأدعية العلاجية كما ورد منها عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : ' اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ فيّ قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ' ، والتسبيح كدعاء يونس عليه السلام ' لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ' .
كذلك يجب على العاقل تقديم أسوأ الاحتمالات للمصيبة ، فيكتشف أنه كان من الممكن أن يحصل له الأسوأ ، فيخف عنه الهم والحزن ، وكذلك أن ينظر إلى من هم أعظم منه مصيبة فتهون عليه مصيبته ويحمد الله أنه لم يصل إلى حالهم .
وهناك بعض الناس من يسيء النظر إلى حقيقة الدنيا بأمور خيالية لا تتماشى مع طبيعة الحياة المتقلبة ، فبمجرد أن يتعرض لأول مصيبة أو خلل في شروطه التي وضعها لحياته المثالية ، يصيبه الحزن والهم العظيمين ، ولهذا نقول إن النظرة إلى الحياة بواقعية والبعد عن نظرة الكمال في الحياة سبب لراحة البال وتقبل الأمور برضا وتسليم يحمي من الاكتئاب .
كما ينبغي أيضاً تقديم حسن الظن بالآخرين ، فما أن يتعرض بعض الناس لأي موقف من أي شخص حتى يسيء الظن بصاحبه ويذهب إلى تفسير الأمور كما يشاء فيصيبه الضيق والهم ، ولو أنه أحسن الظن به ووجد له المبررات لموقفه لارتاح من هذا الضيق الذي يؤدي بصاحبه إلى الاكتئاب . فعلى الإنسان إذا تعرض لإيذاء من الآخرين أن يتجاهلهم ويعلم أنهم لا يضرونه بل يضرون أنفسهم وأن يحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى .
وآخر علاج للاكتئاب هو الأمل الذي ينير طريق الحياة ويشرح الصدر ، وليعلم الإنسان أنه كلما اشتدت المصائب وزادت ، كان الفرج من العلي القدير أقرب فقد وعدنا ، سبحانه وتعالى بذلك في قوله : ' سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً ' .