الحافظ عثمان
1052-1110هـ / 1642-1698م
الخطاط الكبير، وصاحب القلم الذهبي، عثمان بن علي المعروف بحافظ القرآن، كان (من أشهر الخطاطين الأتراك وأغزرهم إنتاجاً)( ).
ولد في القسطنطينية سنة /1052هـ/ ونشأ فيها، حيث كانت عاصمة الخلافة العثمانية، ومأوى العلماء والنبغاء.
كان والده مؤذناً في أحد جوامع القسطنطينية، فمال ولده إلى الفقه والأدب، وأخذ يجالس العلماء والفقهاء في جوامع القسطنطينية. وأحب الخط الذي كتب به القرآن الكريم بأشكال شتى، وراح يقلّد العلماء في كتابة الخط، ويجوّده لنفسه، ثم أخذ يتردد على الشيخ الخطاط علي الكاتب الرومي الشهير المتوفى سنة /1084هـ/.
ولم يكتف في الأخذ عن خطاط واحد، بل أخذ عن (الكاتبين البارعين الشهيرين صويولجي زادة مصطفى، واسماعيل نفس زاده. فواصل عليهما الدراسة الفنية حتى تخرّج بهما خطاطاً بارعاً لا يشق له غبار، ولا يقوم أمامه أحد من الخطاطين المعاصرين له)( ).
شهرته
نبغ عثمان في الخط حتى فاق معاصريه، ونال حظوة عند ذوي المال والجاه، فسعد بحظه، واقتنى الناس آثاره وخطوطه بأغلى الأثمان، ولما بلغت سمعته السلطان مصطفى خان اتخذه معلماً له في سنة (1106هـ-1694م) حيث أخذ عنه السلطان فنون الخط، وأحبه كثيراً، ثم منحه قضاء ديار بكر.
وكان من تقدير الخطاطين له أنهم كانوا يقومون احتراماً لورود اسمه، وكانوا يعتبرونه عميد الخط العربي.
لقد كتب الحافظ عثمان خمسة وعشرين مصحفاً بيده، كانت في غاية الإتقان والضبط والجودة. وقد طبع مصحفه في سائر البلاد الإسلامية مئات المرات، وخاصة في دمشق حيث تبنّت طباعته أعرق دارين لنشر المصاحف هما دار الملاح، والمطبعة الهاشمية.
لقد نبغ الحافظ عثمان (فكان أفضل من كتب بالثلث، حظي بمكانة عالية، وكان متواضعاً)( ). حتى صار اسمه (الحافظ عثمان) ملازماً لمن يريد اقتناء مصحف يمتاز بالجودة وحسن الخط.
وهذا ما جعل السلطان أحمد خان الثاني عام 1693م يتخذه معلماً له فن الخط( ).
وبعد مرور أكثر من ثلاثمائة سنة على وفاته ما يزال اسمه بارزاً في عداد النوابغ من الخطاطين، فالأتراك يجلّونه حق الإجلال، والخطاطون العرب يعتبرونه رائدهم خلال تلك الحقبة في خط الثلث.
مرضه ووفاته
في سنة (1107هـ) أصيب الحافظ عثمان بمرض الفالج (الشلل) فعزل عن وظيفته، وبقي مريضاً ثلاث سنوات، حيث كان يعاني من مغبّة ذلك المرض، وتوفي في القسطنطينية في سنة (1110هـ)( ).
كان الحافظ عثمان قد أوصى بما أوصى به ابن الجوزي رحمه الله من جمع براية أقلامه ثم تسخين ماء غسله بها.
ودفن في رباط قوجه مصطفى باشا، وكتبوا على قبره لوحة ذكروا فيها أنه كان رئيساً للخطاطين. رحمه الله.