الخط الكوفي
يعتبر الخط الكوفي من أقدم الخطوط، وهو مشتق من الخط النبطي (نسبة للأنباط) الذي كان متداولاً في شمال الجزيرة العربية وجبال حوران، وقد اشتقه أهل الحيرة والأنبار عن أهل العراق، وسمي فيما بعد بـ(الخط الكوفي) حيث انتشر منها إلى سائر أنحاء الوطن العربي، ولأن الكوفة قد تبنّته ورعته في البدء. وقد كتبت به المصاحف خمسة قرون حتى القرن الخامس الهجري، حين نافسته الخطوط الأخرى كالثلث والنسخ وغيرهما.
(وأقدم الأمثلة المعروفة من هذا الخط من القرآن نسخة سجلت عليه وقفية مؤرخة في سنة (168هـ= 784-785م) وهي محفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة)( ).
كان الخطاطون والوراقون يزخرفون المصاحف وعناوين السور زخرفة جميلة، وبعضهم يزخرفون بداية المصحف ونهايته أيضاً بزخارف جد بديعة، من مربعات ومستطيلات، وزخارف متعاشقة، وصور مقرنصات نازله وطالعة. وأشجار مروحية أو نخيل، مما يزيد جمال الخط جمالاً أخّاذاً.
تمتاز حروف الخط الكوفي بالاستقامة، وتكتب غالباً باستعمال المسطرة طولاً وعرضاً، وقد اشتهر هذا الخط في العصر العباسي حتى لا نكاد نجد مئذنة أو مسجداً أو مدرسة أو خاناً يخلو من زخارف هذا الخط. (ويعتمد هذا الخط على قواعد هندسية تخفف من جمودها زخرفة متصلة أو منفصلة تشكّل خلفية الكتابة)( ).
وقد تطور هذا الخط تطوراً مذهلاً، حتى زادت أنواعه على سبعين نوعاً، كلها ترسم بالقلم العادي على المسطرة، ولم يعد وقفاً على الخطاطين، فقد برع فيه فنّانون ونقاشون ورسامون، وغير مهتمين بالخط، بل برع فيه كثير من هواة الرسم والذوق، وابتكروا خطوطاً كثيرة لها منها (الكوفي البسيط، والكوفي المسطّر- ويسمى: المربع، أو الهندسي التربيعي- والخط الكوفي المسطّر المتأثر بالرسم، والخط الكوفي المسطّر المتأثر بالفلسفة، والخط الكوفي المتشابك، والكوفي المتلاصق، والكوفي المورّق. الذي قال عنه الخطاط كامل البابا: (لقد نفخ العربي في الحرف الحياة، وحوّله من جماد إلى نبات، تنبثق عنه أغصان وأوراق وأزهار)( ). والخط الكوفي المزخرف، والمزيّن، والمظفور، والكوفي الأندلسي والخط الكوفي الفاطمي، والكوفي الأيوبي، والكوفي المملوكي. (وكان كتّاب الوحي يكتبون به آيات القرآن الكريم على سعف النخيل والجلود ورقائق العظام، وكان الناس في العصر الجاهلي والراشدي يكتبونه بشكل بدائي وبسيط، خالياً من النقط والهمزات والتشكيل)( ).
ويعتبر الخط الكوفي أفضل أنواع الخطوط العربية للفن والزخرفة، وهذا ما دعا غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) لأن يقول: (إن للخط العربي شأن كبير في الزخرفة، ولا غرو فهو ذو انسجام عجيب مع النقوش العربية، ولم يستعمل في الزخرفة حتى القرن التاسع الميلادي غير الخط الكوفي ومشتقاته كالقرمطي والكوفي القائم الزوايا)( ).
ولا يعتبر من يتقن هذا الخط خطاطاً بارعاً، بل يعتبرونه فناناً، لأنه لم يعد وقفاً على الخطاطين، بل برع فيه النحاتون على الرخام أيضاً، والمزخرفون على جدران الجص وغيره.
وقد تراجع الخط الكوفي من واجهات الأبنية، وكتابات الخطاطين منذ القرن السادس الهجري، إذ راح الخط النسخي يحلّ محله شيئاً فشيئاً (ثم حل محل الخط الكوفي القديم بالمنطقة المغربية الإسلامية خط جديد مازال يستعمل في المغرب وطرابلس وما بينهما، وعرف باسم الخط العربي)( ).
وراح هذا الخط يملأ عناوين الكتب وخطوطها، ورؤوس الفصول والأبواب والحواشي في سائر الكتب التي تنسخ من طرابلس إلى أقصى المغرب، ومن ثم إلى الأندلس، حتى أننا نجد هذا الخط في زخارف ونقوش على الحجر والجبس في الجدران والقصور والحصون والقلاع والمساجد، وعلى أبواب ونوافذ المنشآت الضخمة، وفي بيوت وقصور الأمراء والأثرياء.
وأشهر من كان يكتبه من الخطاطين المعاصرين المرحوم الأستاذ يوسف أحمد بمصر، وله به تخصص وإتقان)( ).
يستعمل هذا الخط بأنواعه المختلفة والكثيرة للزخارف والزينة، وأحياناً يغوص الخطاطون فيه في التعقيد والإبهام، حتى ليصعب على القارئ العادي أن يقرأ كلمة منه. وكتبت به المصاحف على الرق حتى القرن التاسع الميلادي حيث ظهرت الخطوط الكوفية فيها غليظة ومستديرة، وذات مدّات قصيرة. وقد (استخدم الخط الكوفي في مصر والشام والعراق خلال القرن التاسع وشطراً من القرن العاشر الميلادي)( ). واستمر استعماله حتى القرن الحادي عشر حيث قلّ استعماله في كتابة القرآن الكريم، وأصبح خط النسخ بديلاً له، حيث بقيت البسملة في المصاحف بهذا الخط.