أسباب هذه الحروب الصليبيةالحاقدة التي شنها الغربيون على الأمة الإسلامية .
و يمكن إجمال هذه اٍلأسباب فيما يلي :
1- قوة دولة السلاجقة : فإن الدولة السلجوقية قامت للدفاع عن المسلمين ضد أعدائهم ، لذلك بدأت أولاً بمحاربة البويهيين الشيعة الذين سيطروا على الخلافة في بغداد ، وبعد أن قضوا عليهم اتجهوا إلى العبيديين الإسماعيليين في مصر والشام ، فطهروا منهم الشام وألجاؤوهم إلى مصر ، وفي نيتهم القضاء على دولتهم كلها ، ثم التفت السلاجقة للبيزنطيين في القسطنطينية فحصنوا آسيا الصغرى [ تركيا ] ، واستولوا على مدينة نيقية التي تطل على الساحل الشرقي لبحر مرمرة وتقابل مدينة القسطنطينية ، وحصنوها وأعدوها لحروب طويلة .
هذا الجهاد السلجوقي أخاف كلاً من البيزنطيين والعبيديين فالتجاؤوا إلى بابا الكاثوليك لنجدتهم وأغروه بالمقدسات النصرانية التي ببلاد المسلمين وبالخيرات الكثيرة عندهم .
2- لما قامت الحروب في بلاد الشام بين السلاجقة والعبيديين تعرض كثير من النصارى الأوروبيين الحجاج للأماكن المقدسة عندهم ببلاد الشام ، لكثير من الخطـف والأسـر والقتل ، خاصة وقد كثر حجـهم في تلك الفترة ، وهذا ما جعل بطـرس الناسك أحد الرهبان الفرنسيين الذي حضر حجهم يحقد على المسلمين وسيطرتهم على بيت المقدس ، فعاد إلى أوروبا يحرض الناس على قتال المسلمين ، وذهب ملوك أوروبا ، وإلى البابا الكاثوليكي أوربان الثاني فحرضه أيضاً ، فسر به البابا وحثه على مواصلة التحريض .
3- الحقد المتأصل في نفوس كثير من النصارى على الإسلام وأهله ؛ لقوته وسرعة انتشاره ولوراثته الأديان السابقة .
4- الحالة الاقتصادية المتردية في أوروبا حيث المجاعات والفقر الذي كان يفتك بهم ، وحرص أمرائهم على زيادة ممتلكاتهم وثرواتهم ، وحـرص العامة على التخلص من النظام الإقطاعي الطبقي الذي يعيشون في قاعه .
(2) : الحمـلة الصليبية الأولى ومؤرثها هو البابا إيربان الثاني الذي اختير بابا لروما عام 481هـ وبعث رسائله إلى أساقفة فرنسا والبلاد المجاورة يطلب إليهم الاجتماع به في كليرمونت بفرنسا عام 489هـ .
وانعقد مجمع كليرمونت في نوفمبر 1095 م،وشهده نحو ثلاثمائة من رجال الدين، وأعـلن البابا أنه سيلقي بياناًَ هاماً بعد أيام .. ووصف البابا في خطابه ما يلقاه الحجاج المسيحيون أثناء سفرهم من العذاب والمتاعب،ودعا إلى الحروب الصليبية، ونادى الأمراء بترك الخـلافات القائمة، وقدم لهم الصليب، ثم قال: فلينطلق المسيحيون بالغرب لنجدة الشرق ... ومن يلق مصـرعه في المعركة تحلل من ذنوبه وغفر الله له أخطاءه ... فلا ينبغي التمهل والإرجاء، فليستعدوا للمسير عند حلول الصيف، وليكن الله هاديهم .
وكانت الاستجابة سريعة إذ تخلل الخطاب هتافات الحاضرين : هكذا أراد الله ، ولما انتـهى من خطابه نهض من مجلسه أسقف لي بويه فركع أمام عرش البابا والتمـس مـنه الأذن أن يلحق بالحملة المقدسة، ثم ركع الكاردينال جريجوري وأخذ يتلو بصوت جهـوري قــدّاس الاعتراف فيردده وراءه جموع الحاضرين ، فلما انتهت الصلاة نهض البابا وتلا التحلل وأمر سامعيه بالانصراف إلى بلادهم،وطلب إيربان الثاني من الأساقفة أن يباشروا قيادة الحـروب الصليبية بأنفسهم .
وانقسمت الجيوش في الحملة الصليبية الأولى إلى قسمين : قسـم على مستوى الشعـوب والفقراء وسـمي حمـلة الشعـوب، وقسـم عـلى مستوى الأمـراء والحـكام والقـواد والإمبراطورالبيزنطي .
أ- حملة الشعوب :
ويقودها بطرس الناسك، وكان مؤلفاً من الفلاحين وأهل المدن وصغار النبلاء وبعض قطاع الطرق والمجرمين،ولم تكن تنظمهم رابطة ما إلا أن تكون رابطة الحماس لغـزو الشـرق الإسلامي والاستيلاء على الأراضي التي تفيض عسلاً ولبناً والاستيلاء على قبر المسيح .
وتحرك بطرس ومعه هذه الجموع حتى وصلوا كولونيا في إبريل 489هـ، وتريث بطرس حتى انضم له بعض الألمان وحصل على المؤن لجيشه، ثم غادرها بعد أسبوع راكباً حماره متجهاً إلى المجر والألمان على خيولهم وبقية الجيش كانوا مترجلين ، وتبعه كذلك مجموعات ممن ألهبت كلمات الكنيسة حماسهم، وكان هذا الجيش يهاجم بعض القـرى الأوروبيـة في طريقه وينهبها وحاصر بعضهم مدينة سملن في المجر واستولوا على قلعتها وصرع هناك ما يقرب من أربعة آلاف مجري، ثم ولوا مسرعين باجتياز نهر الساف إلى الأراضي البيزنطية خوفاً من انتقام ملك المجر .
ووصل بطرس ومن معه إلى مدينة صوفية، ثم تحركوا حتى وصلوا القسطنطينية في أول أغسطس ، وهناك انحازت له جموع أخرى من الإيطاليين ، ثم عبروا البسفور إلى آسيا، وكانوا في طريقهم ينهبون ويسلبون، واقتـرح إمبراطور بيزنطة ألكسيوس على بطرس أن ينتظر حتى تصل القوات الصليبية المنظمة قبل أن يشن هجومه ولكن قواد بطرس أغراهم السلب والنهب وظلوا يواصلون زحفهم حتى أصبحوا على أبواب نيقية عاصـمة السلطان السلجوقي قلج أرسلان، وغنموا ما وقع بأيديهم وأتوا شنائع عظيمة منها: أنهم كانوا يشوون الأطفال على السفافيد، ثم خرجت جماعة منهم ينهبون متجاوزين نيقية حتى وصلوا إلى قلعة اكسير يجور دون واحتلوها غير أن الجنود المسلمين أرغموهم على الاستسلام .
وهاجمت فرقة أخرى من الصليبيين القرى والمدن الإسلامية، وانشـق القـواد بعضهم على بعض، وتحركت مجموعة فرنسية منهم إلى نيقية، وفي الطريق كمن لهم من الجنود المسلمين من أصلوهم ناراً وردوهم على أعقابهم إلى قلعتهم، بل اقتحموا عليهم القلعة وهزموهم هزيمة منكرة وأسروا منهم أعداداً كبيرة، فضلاً عمن قتلوهم، وطاردوهم إلى قلعة أخرى كان قد فر منهم إليها عدد منهم وهناك قضوا عليهم .
ب- حملة الأمراء والامبراطور البيزنطي :
وهي أكثر نظاماً وأدق إحكاماً فقد سبقها جمع الأموال وتجهيز الأدوات والآلات وإعـــداد الجيوش، وشارك فيها أبناء ملوك أوروبا والأمراء من فرنسا وإيطاليا وإنجـلترا واسكتلنده وغيرها، وقد أمرهم البابا أن يجتمعوا خارج أسوار القسطنطينية،ولما وصلت هذه الجيوش إلى القسطنطينية كان الإمبراطور البيزنطي يأخذ العهود والأيمان والمواثيق عـلى أمـراء الغرب الغازين على أن يمنعوا جنودهم من النهب في أراضيه، فرفضوا أولاً وبدأوا فمنع عنهم المؤن ثم أعطوه القسم على الاعتراف به سيداً على كل ما يفتحونه من بلاد المسـلمين وعلى أن لا يدخلوا القسطنطينية؛ وذلك أن الإمبراطور وإن كان قد استغاث بالغربيين إلا أنه خشي من هذه الجيوش الجرارة على نفسه وملكه بعدما رأى من كثرتها وقوتها .
وبعد أن عبرت هذه الجيوش البوسفور تنفس الإمبراطور الصعداء بعد أن تم التفاهم والتخطيط لمواجهة المسلمين بين الصليبيين الغربيين والصليبيين البيزنطيين .
وكان هدف الجيوش كلها هو الاستيلاء على نيقية عاصمة السلاجقة، واختـارت أن تهـاجم المدينة في غيبة سلطانها قلج أرسلان الأول، وحوصرت نيقية،وانضم مع الجيوش القادمة من بقي من حملة الشعوب ووصل السلطان السلجوقي للمدينة وحاول الدخول ودارت المعـركة يوماً بأكمله ولكنه لم يستطع الدخول وانسحب الصليبيون بعد أن خسروا أرواحاً كثيرة وطلبوا مدداً بحرياً من الإمبراطور فأعانهم ولكنهم لم يستطيعوا الدخول وإنما استسلم سكان المـدينة وكان معظمهم من المسيحيين ودخلها جيش الإمبراطور ليلاً بعد حصار دام حوالي شهر من الزمان .
ونقل السلطان مقره إلى قونية فأخذت الجيوش الصليبية أهبتها للزحف على قونية مستعينين بفرق من الجيش البيزنطي فضلاً عن الإمدادات والمؤن، وحينما كان الصليبيون ينصـرفون لمحـاربة المسلمين في داخل آسيا الصغرى كان البيزنطيون يتجهون لمحاربة المسلمين في الشواطئ الغربية لها .
ثم احتل الصليبيون نيقية بعد أن انسحب السلطان السلجوقي منها، وتوالت عليهم الإمدادات من أوروبا وهم في طريقهم إلى الشام ، ثم احتلوا فريجيا وضـورليوم وهرقـلة ، ثم انقسـمت الجيوش الصليبية قسمين : الأول اتجه صوب قيليقية والثاني صوب قيصرية، واستولوا عليها ثم بلاكنتيا ثم مرعش وأقاموا بها أياماً ، وأما الإمبراطور البيزنطي فاستغل الفرصة وهـاجم أزمير وإفسوس وليديا وغـرب فريجيا واستولى بذلك على الجـزء الغربي من الأناضـول ،بسبب انقطاع هذه المدن عن دولة السلاجقة، وكان استيـلاء البيزنطيين على الأناضول من أبرز نتائج الحملة الصليبية الأولى ... يتبع
(3) : تتمة الحملة الصـليبية الأولى اختلف القادة الصليبيون بعضهم مع بعض ، فاتجه بعضهم ( بلدوين البولوني ) إلى الرهـا تلبية لدعوة أميرها المسن الضعيف الذي لاعقب له ، فدخلها وفاوض حـاكم الرها على أن يتبناه ويجعله وريثه في الملك في مقابل حمايته له من أعدائه .
وقامت بعد ذلك بقليل ثـورة أهـلية في الرها قتلت حاكمها فانتقلت مقاليدها إلى بلدوين الذي أسس بها إمارة نصـرانية لاتينيـة ، وكان يطمح بتأسيس دولة صليبية في أرمينيا ، وقد دعمه في الأمر الأرمن .
وسار باقي القادة إلى أنطاكية، فألقوا الحصار عليها ودخلوها عنوة عام 491 ، بعد حصـار دام سبعة أشهر، وقتلوا من أهلها أكثر من عشرة آلاف ، ومثلوا بالقتلى وبالناس وفعلوا أبشع الجرائم، وولوا عليها أحدهم ( بوهيمند الإيطالي ) ، وقد استقبل النصارى من أهلها والأرمن الصليبيين بكل ترحاب .
ثم اتجهوا بعدها نحو بيت المقدس، فسار لقتالهم كربوقا صاحب الموصل، وصـاحب دمشق دقاق، وصاحب حمص جناح الدولة، غير أن الصليبيين قد انتصروا عليهم، ودخلوا معـرة النعـمان، ووصلوا إلى بيت المقدس ودخلوها عام 492، بعد حصار دام واحداً وأربعين يوما ، ًولمالم يصل حامية القدس المدد من مصر حيث الدولة العبيدية استطاع الصليبيون اقتحـام المدينة ، ولم يكن أمام الجنود إلا الاحتماء بالمسجـد ، بعد أن قاوموهم ما استطاعوا ، وقد تبعهم الصليبيون داخل المسجد وذبحوهم بوحشية بالغة ،ونهبوا قبـة الصـخرة ، وقتلوا من أهلها أكثر من سبعين ألفاً ، وخاضت ببحر من الدماء ، وانتخب جودفري الفرنسي ملكاً على بيت المقدس ، وأخذ لقب حامي قبر المسيح .
وكان العبيديون ( الملقبين زوراً وبهتاناً بالفاطـميين ) قد استغـلوا تقـدم الصلبييـن من الشمال،فتقدموا هم من الجنوب ودخلوا بيت المقدس وطردوا السلاجـقة منها قبل وصول الصليبيين إليها ، وجرت مفاوضات بين الأفضل الجمالي الوزير العبيدي وبين الصليبيين على أن يكون شمال بلاد الشام للصليبيين وجنوبيها للعبيديين ، ثم نقض الصليبيون العهد عندما شعروا بالنصر . لقد فقدت هذه الحملة أكثر مقاتليها فقد جاءت بثلاثمائة ألف مقاتل، ودخلت إلى القدس بأربعين ألف مقاتل فقط، ومهما بالغنا بعدد المقاتلين الصليبيين الذين ساروا إلى الرها فإن عـددهم لا يزيد على أربعين ألفا، وبذا يكون عدد من بقي من الصليبيين الذين جاؤوا في الحملة ما يقرب من ثمانين ألفاً، ويكونوا فقدوا مائتين وعشرين ألفاً، قتلوا في المعارك وقتلوا على أيدي الناس الذين كانوا يثورون على تصرف هؤلاء القادمين، يثورون على كره، ورغم خوفهم الشديد ورغم معرفتهم بمصيرهم يثورون لأن تصرف الصليبيين كان على درجة من السوء والوقاحة والقباحة مايثير أية نفس مهما بلغ بها الذل والخوف .
وبسيطرة الصليبيين على بيت المقدس ارتفعت معنويات سكان الإمارات الإيطالية فبدأت سفنهم تجوب أطراف البحر المتوسط وتقدم المساعدات والدعم للصليبيين، فاستطاعوا أن يأخذوا حيفا وقيسارية عام 494 ، وأخذوا عكا عام 497، وأخذوا طرابلس عام ، 503 بعد حصار سنتين، كما أخذوا جبلة في العام نفسه، ثم أخذوا صيدا عام 504، وطلب المسلمون هدنة فرفض ذلك الصليبيون ثم وافقوا مقابل مبالغ مالية كبيرة يدفعها لهم المسلمون، وبعد أن استلموا الأموال غدروا بالمسلمين وذلك عام 504 ، وحاصر الصليبيون مدينة صور 505 وكانت بيد العبيديين فأمدهم بالمؤن والمساعدات طغتكين صاحب دمشق فامتنعت صور عن الصليبيين .
أما من جهة الداخل فقد جاء الصليبيون من جهة الجنوب فالتقى بهم صاحب دمشق أمين الدولة وهزمهم ولاحق فلولهم الذين وصل بعضهم إلى ملاطية، وقد استطاع أن يدخلها وأن يتملكها وذلك عام 493 .
وهاجم الصليبيون دمشق من جهة الشمال عام 497 ولكنهم هزموا، وأسر أمير الرها الصليبي غير أنهم استطاعوا في العام نفسه أن يدخلوا حصن أفاميا .
لقد دعم العبيديون الصليبيين في أول الأمر ووجدوا فيهم حلفاء طبيعيين ضد السلاجقة خصومهم ، واتفقوا معهم على أن يحكم الصليبيون شمالي بلاد الشام ويحكم العبيديون جنوبها، وقد دخلوا بيت المقدس غير أن الصليبيين عندما أحسوا بشيء من النصر تابعوا تقدمهم واصطدموا بالعبيديين، وبدأت الخلافات بينهما، فالعبيديون قد قاتلوا الصليبيين دفاعاً عن مناطقهم وخوفاً على أنفسهم ولم يقاتلوهم دفاعاً عن الإسلام وحماية لأبنائه، ولو استمر الصليبيون في اتفاقهم مع العبيديين لكان من الممكن أن يتقاسموا وإياهم ديار الإسلام .
لقد استقبل سكان البلاد من النصارى والأرمن الصليبيين استقبالاً حاراً ورحبوا بهم ترحيباً كبيراً،وقد ظهر هذا في أثناء دخولهم أنطاكية وبيت المقدس ،كما قد دعموهم في أثناء وجودهم في البلاد وقدموا لهم كل المساعدات، وقاتلوا المسلمين، وكانوا عيوناً عليهم للصليبيين .
وتشكلت أربع إمارات صليبية في بلاد الشام وهي : إمارة في الرها ، إمارة في طرابلس ، إمارة بيت المقدس ، إمارة أنطاكية .ولم يجد الصليبيون الأمن والاستقرار في بلاد الشام في المناطق التي سيطروا عليها وشكلوا فيها إمارات رغم انتصارهم إذ كان السكان المسلمون ينالون منهم كلما سنحت لهم الفرصة،كما يغير عليهم الحكام المسلمون في سبيل إخراجهم من البلاد ودفاعاً عن عقائدهم ومقدساتهم التي كان الصليبيون ينتهكونها .
(4) : الحملة الصليبـية الثانية لم يصف العيش للصليبيين في ديار الإسلام إذ كانوا يتعرضون للغارات باستمرار ولهجوم المسلمين بشكل دائم ، وعندما نقضوا عهدهم مع العبيديين أصبح الهجوم يأتيهم من قبل العبيديين من الجنوب ومن قبل السلاجقة من الشمال .
وجه العبيديون حملة كبيرة بقيادة حاكم بيروت السابق عام 494 انطلاقاً من عسقلان نحو بيت المقدس ويافا غير أنها فشلت .
وجهز العبيديون حملة أخرى عام 495 واتجهت إلى اللد والرملة فخرج للقائها ملك بيت المقدس الصليبي ( بلدوين ) فانهزم وفر إلى الرملة ولاحقه المسلمون ففر من الرملة واستعادها المسلمون ، ثم حاصروه في يافا فجاءته نجدات بحرية فهاجم المسلمين فانتصر عليهم .
ثم أرسل العبيديون حملتين : إحداهما برية والأخـرى بحرية واستنجـد ( بلدوين ) بأمير الرها وأمير أنطاكية فأنجداه وانتصر .
وجهز العبيديون جيشاً كبيراً ودعموه بأسطول بحري ، وطلبوا دعم السلاجقة فأجابوهم ، وجرت أول معركة عام 498 ظهر فيها التعاون بين السلاجقة والعبيديين ، ولم تكن نتائجها واضحة .
واستمرت غارات العبيديين على البلدان التي سيطر عليها الصليبيون ، فقد أغاروا على يافا عام 499، وفي العام التالي على الخليل ، وفي العام الذي يليه وصلوا إلى أسوار بيت المقدس ، وفي عام 518 أغاروا على يافا ، وأغاروا على بيت المقدس .
وأما من جهة الشمال فقد قضى السلاجقة عام 494 على حملة صليبية جاءت من غربي أوروبا لدعم الوجود الصليبي في بيت المقدس .
ونصب الأمير كمشتكين كميناً لأمير أنطاكية الصليبي وأخذه أسيراً عام 494 ، واستطاع في العام التالي أن يستعيد ملاطية من الصليبيين وأن يأخذ أميرها أسيراً .
وفي عام 497 سار أتابك الموصل جكرمش والأمير سقمان بن أرتق صاحب ماردين لقتال الصليبيين في الرها ، وتمكنا من إبادة الجيش الصليبي ، ووقع ( بلدوين ) و ( جوسلين ) في الأسر .
وفي عام 499 أغار أمير دمشق طغتكين على بلاد الجليل ، وأغار أمير الموصل مودود عام 505 على الصليبيين ، وفي العام التالي سار إلى جهات طبريا ومدينتها .
وفي عام 514 هاجم النصارى الكرج ومن معهم من القفجاق – وهم من الكفار – ديار المسلمين وأحرزوا نصراً على المسلمين .
وفي عام 518 هاجم الصليبيون مدينة صور وكانت للعبيديين ، وسـار ( بلدوين الثاني ) أمير الصليبيين في بيت المقدس إلى الشمال لفك أسـر ( بلدوين ) و( جوسلين ) فأسرع إليه (بلك الأرتقي) ، فهزم جيشه وأخذه أسيراً أيضاً وضمه إلى بقية الأمراء الأسرى عنده .
وفي عام 523 حاصر الصليبيون دمشق ولكن فشلوا في اقتحامها .
وفي عام 527 جاءت أعداد كبيرة من التركمان من الجزيرة ، واتجهوا نحو طرابلس فقاتلوا الصليبيين فيها ... إلخ .
وبدأ عماد الدين زنكي في عام 529 يوجه هجماته على مراكز الصليبيين الواقعة شرق نهر العاصي ليكون الفتح تدريجياً فاستولى على الأثارب و زردنا وتل أغدى ومعرة النعمان وكفر طاب وأغار على قنسرين وشيزر وحمص .
وأغار نائب زنكي على الصليبيين عام 530 فوصل إلى اللاذقية ، وفي سنة 531 أغار المسلمون على إمارة طرابلس فقتلوا أميرها وأسروا عدداً كبيراً من أتباعه .
واستطاع عماد الدين زنكي أن يفشل خطة ( حنا كوين ) إمبراطور البيزنطيين في الاستيلاء على حلب ، وامتاز زنكي عن غيره من أمراء المسلمين أنه جعل المعركة جهاداً في سبيل الله قبل كل شيء ، وجعل توحيد المسلمين وصفوفهم خطوة ضرورية قبل خوض أي معركة ضد الصليبيين .
واستطاع زنكي عام 539 أن يحاصر الرها وأن يستعيدها من الصليبيين ، واستولى على سروج عام 539 .
أما الحملة الصليبية الثانية فقد شجعها على الانطلاق فتح عماد الدين لإمارة الرها عام 539 ، وعندما انطلقت هذه الحملة عام 542 كان عماد الدين قد توفي ، واتجهت الحملة إلى بلاد الشام عن طريق البحر للخلاف الذي كان قائماً بين إمبراطور القسطنطينية وبين الصليبيين ، وكان على رأس الحملة ملك ألمانيا ( كونراد الثالث ) و ملك فرنسا (لويس السابع ) ، واتجهت الحملة نحو دمشق ، وكان أميرها مجير الدين يخشى من سيطرة آل زنكي على مدينته ويعتمد على الدعم الصليبي فيما إذا اتجه آل زنكي نحوه ، واتجاه الحملة الصليبية نحو دمشق جعل أمير دمشق يستنجد بنور الدين زنكي ضدهم ، وهذا ما هيأ لنور الدين احتلال دمشق عام 549 ، واضطر ملك ألمانيا بعدها العودة إلى بلاده ، كما تبعه ملك فرنسا بعد مدة وجيزة .
ولما قتل زنكي حمل الراية الجهادية ابنه نور الدين محمود الذي حاصر الصليبيين في الرها – استطاعوا الاستيلاء عليها بعد موت عماد الدين – وهزمهم هزيمة منكرة ، وقتل (بلدوين) وأصيب ( جوسلين ) إصابة بليغة ، واستعاد منهم الرها .
وواصل نور الدين جهاده فاستطاع في عام 542 أن يستولي على عدد من القلاع مثل : بسرفوت وأرتاح والأثارب وكفر لاتا وغيرها .
وهكذا كان الهجوم على الصليبيين من الجنوب والشمال ، ثم امتد على أمارة طرابلس في الغرب ، فكانت هذه الهجمات تقض مضاجعهم وتقلقهم باستمرار ، ثم بدأت تظهر دولة عماد الدين زنكي وتتوسع على امتداد إمارات الصليبية ،ويخطط عماد الدين وابنه من بعده محمود للسير بصورة تدريجية ومركزة .
وفي عام 544 دخل نور الدين محمود حصن أفاميا، وسار نحو أنطاكية وحاصر في طريقه مدينة حارم ، وصالحه أهلها على نصف أرزاقهم ، غير أنه هزم عام 546 عندما سار لقتال ( جوسلين ) أمير الرها ، ثم تمكن من أسره فيما بعد ، وظل في أسره تسع سنوات ، واستطاع أن يأخذ عزاز وعينتاب ومرعش .
وباختصار فإن إمارتي الرها وأنطاكية الصليبيتين أصبح معظمهما في أيدي المسلمين .
وفي عام 546 استطاع مسعود الاستيلاء على عينتاب ودلوك ، واستولى نور الدين على الراوندان ثم على تل باشر .
واستنجد مجير الدين بنور الدين محمود ضد الصليبيين فجاءه ودخل دمشق عام549 ، ثم سار إلى بعلبك ودخلها عام 550 ، ويعتبر عام الوحدة وتجمع القوى الإسلامية ، كما أخذ شيزر عام 552
(5) : الحـملة الصليبية الثالثة هلك ( بلدوين الثاني ) ملك بيت المقدس الصليبي سنة 559هـ ، وتولى من بعده أخوه عموري الأول فامتد بصره إلى مصر غير أن نور الدين أجبره على الانصراف إذ هاجم حارم ، وهاجم إمارة طرابلس عام 558هـ .
وأرسل أسد الدين شيركوه الذي اصطحب معه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ، واستطاع شيركوه أن يفوت على الصليبيين أطماعهم في مصر ، واستقر الأمر لشاور الوزير ، وترك شيركوه مصر تحت قيادته في ظل ضعف سيطرة الخليفة العباسي.
ثم ساءت سيرة شاور واستنجد الخليفة الفاطمي العاضد بنور الدين فأرسل له شيركوه وصلاح الدين مرة ثانية ، واشتبك مع الصليبيين قرب المنيا وانتصر عليهم ، ثم حاصر الصليبيون صلاح الدين في الإسكندرية ، ووقع الاتفاق مرة ثانية على أن يترك الطرفان مصر لشاور .
وفي المرة الثالثة اتجه عموري نحو مصر وهاجم ( بلبيس ) واحتلها ، ثم اتجه إلى القاهرة ، ووجه نور الدين جيشاً إلى مصر بقيادة شيركوه وصلاح الدين الأيوبي ، ففر عموري ودخل القائدان مصر ، وأصبح شيركوه وزير مصر ثم توفي من قريب فخلفه في الوزارة صلاح الدين ، الذي حقق انتصارات كبيرة على الصليبيين في معارك كثيرة .
وانتصـر في عام 575 هـ في ( مرجعيون ) ، وقام أسطـول المسلمين بمهاجمة مدينة عكا اضطـر ( بالدوين الرابع ) إلى عقد صـلح مع المسـلمين ، كما قام صـلاح الدين بالهـجـوم على ( انطرطوس ) الأمر الذي أرعب ( ريموند الثالث ) واضطر إلى عقد هدنة مع صلاح الدين.
انصرف صلاح الدين بعد هذه الهدنة إلى تعزيز أوضاعه الداخلية وتقوية جيوشه غير أن أرناط أمير حصن الكرك الصليبي استغل فرصة انشغال صلاح الدين لأمور بلاده فاتجه إلى تيماء راغباً في الوصول إلى المدينة المنورة ، واستولى في طريقه على قافلة للحجاج المسلمين ، وسلب الأموال وأسر الرجال ووصل إلى ساحل البحر الأحمر ، فأغضب بذلك صلاح الدين فذكر الصليبيين بالهدنة ، وطلب من ملك القدس الصليبي أن يأمر أرناط بالكف عن تعدياته فلم يستمع أرناط ، ولا حزم الأمر ( بالدوين الرابع ) ، وهذا ما حدا صلاح الدين أن يسير من مصر للهجوم على حصن (الكرك) في الأردن ، وأن يسير نائبه على دمشق ابن أخيه ( فرخشاه ) للهجوم على طبريا وعكا ، وقد استولى على الشقيف ، والتقى الجيشان المسلمان مع الصليبيين في معركة كان النصر فيها حليف المسلمين .
وصل صلاح الدين إلى دمشق ثم خرج منها عام 578 ، وأرسل ابن أخيه للهجوم على ( بيسان ) ، وسار هو بعده وهزما الصليبيين هزيمة منكرةً .
رأى صلاح الدين أن أهم أمر لديه هو أن يفصل الإمارات الصليبية بعضها عن بعض ، وحشد جنده من دمشق ومصر وحلب والجزيرة ، وسـار عام 579 إلى ( بيسان ) فاستولى عليها ، وحاصر ( الكرك) و( الشوبك ) ، وانتصر على الصليبيين قرب ( صفورية ) ، وتجمع الصليبيون هناك فسار هو إلى (طبريا ) واحتلها ، ثم عسكر قرب ( حطين ) ، وتقدم إليه النصارى وهم متعبون عطشى، فاستقبلهم المسلمون فعملوا فيها قتلاً وأسراً ، فكان ممن أسر الملك وأخوه وأرناط وأمير جبيل ، وقتل صلاح الدين أمير( الكرك ) بيده نتيجة ما اقترف ، وكانت معركة حطين العظيمة في 25 ربيع الآخر عام 583 ، وهي من أعظم الانتصارات ، ثم تقدمت الجيوش الاسلامية على (الناصرة ) و(قيسارية )و(حيفا) و(صفورية) و(يافا) و( الرملة ) و(غزة ) و(بيت جبرين ) ، وعرض على الصليبيين تسليم القدس فدخلها عنوة في 27 رجب سنة 583 ، ثم استولى على (عسقلان )و(عكا) ، واستسلمت (صرفند ) و(صيدا) و(بيروت ) و(جبيل ).
ولم يبق للصليبيين بعد هذه الانتصارات التي حققها صلاح الدين من إمارة بيت المقدس سوى (صور) فكانت مركزاً لتجمعهم ، ومن إمارة طرابلس سوى المدينة نفسها و(حصن الأكراد) و(انطرطوس) ، ومن إمارة إنطاكية سوى المدينة نفسها و(السويدية ) و(حصن المرقب) .
وكان لفتح صلاح الدين للقدس وللانتصارات الواسعة التي حققها أثر كبير في أوربا إذ أخذت الصيحات الصليبية تتعالى ، والنصارى يتنادون للسير إلى بيت المقدس لدعم إخوانهم ومهاجمة المسلمين ، ووجه البابا (غريغوري الثامن ) كتباً إلى ملوك فرنسا وألمانيا وإنكلترا يحثهم على حرب المسلمين ، واستجاب هؤلاء لهذا النداء وحشدوا جموعهم وتحركوا نحو ديار الإسلام فكانت الحملة الصليبية الثالثة عام 585 هـ .
سارت الحملة الصليبية الثالثة بإمرة ملك إنكلترا ( ريتشارد قلب الأسد )، وملك فرنسا (فيليب أغسطس) ، وإمبراطور ألمانيا (فريدريك بربروسا) .
وقد انطلق ملكا إنكلترا وفرنسا إلى جزيرة صقلية عن طريق البحر وقضيا فصل الشتاء ، وأما إمبراطور ألمانيا فسار وانطلق براً ماراً على القسطنطينية رغم خلافه مع الإمبراطور البيزنطي ( إسحاق الثاني ) كذلك عبر أراضي سلاجقة الروم في قونية ، ولقي ترحيباً من الأرمن في( كيليكيا ) غير أنه غرق وهو يعبر نهر سيحان في ( كيليكيا ) فتفرق جنده ، وأصاب المرض بعضهم ، وتابع ابنه الطريق بعد أن عوفي واتجه نحو عكا فألقى الحصار عليها عام 586هـ ، ثم وصل إلى عكا ملكا إنكلترا وفرنسا مع جندهما وقاومت مدينة عكا ، والتقى صلاح الدين الأيوبي مع الصليبين في عدة معارك غير أنه اضطر أن يغادر المنطقة بسبب الأوبئة التي انتشرت ، وضيق الصليبيون الحصار على عكا فاضطرت إلى الاستسلام بعد حصار دام عامين ، وبرز ريتشارد قلب الأسد بين الصليبيين لما عرف عنه من قسوة وسوء فقد قتل أسرى عكا جميعاً .
وعاد ملك فرنسا إلى بلاده ، وطمع ريتشارد في دخول القدس فاستولى على (حيفا) و(أرسوف) بعد أن انتصر في الثانية منهما على صلاح الدين بعد معركة حامية ، ثم اتجه نحو (اللد) و(الرملة) فوقف صلاح الدين في وجهه وأحكم الدفاع عن القدس حتى يئس ريتشارد من الوصول إلى هدفه ، وانتشرت الأمراض بين الصليبيين ، واضطربت الأمور في إنكلترا فاضطر ريتشارد إلى عقد صلح مع صلاح الدين عام 588هـ عرف باسم صلح الرملة ، وبذا تكون الحملة الصليبية الثالثة قد فشلت ولم تصل إلى هدفها .
jistcoirbid
موضوع: رد: الحروب الصليبية 6/2/2011, 16:52
فوقف صلاح الدين في وجهه وأحكم الدفاع عن القدس حتى يئس ريتشارد من الوصول إلى هدفه ، وانتشرت الأمراض بين الصليبيين ، واضطربت الأمور في إنكلترا فاضطر ريتشارد إلى عقد صلح مع صلاح الدين عام 588هـ عرف باسم صلح الرملة
theredrose
موضوع: رد: الحروب الصليبية 7/2/2011, 00:17
تسلم يا هشام على المرور المميز
KLIM
موضوع: رد: الحروب الصليبية 7/2/2011, 03:15
كانت الدولة الاسلامية مفككة دخلوا المماليك و غيرهم في الحكم من اسباب ضعف الدولة الاسلامية .
متألقة يا وعد اشكرك
kingsam
موضوع: رد: الحروب الصليبية 11/8/2011, 07:47
ما هو سبب الحقد المتأصل في نفوس كثير من النصارى على الإسلام