اربد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اربد

منتدى معلومات عامة
 
صفحة الاعلاناتالمنشوراتالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

 معركة صفين

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
theredrose

theredrose



معركة صفين Empty
مُساهمةموضوع: معركة صفين   معركة صفين Icon-new-badge6/2/2011, 16:10

مقدمـــــــة


لمَّا انتهت فتنة الجمل استعدَّ الإمام إلى حرب معاوية ، فوجد حماساً وتجاوباً من أهل الكوفة ، فقد كان قسم كبير منهم قد اشتركوا معه في معركة الجمل ، وهم الآن يريدون أن يضيفوا نصراً جديدا للإسلام.

ثمَّ إنَّ الإمام وقبل حرب صفِّين قد أرسل إلى معاوية السفراء والكتب

يدعوه الى الطاعة والدخول فيما دخل المسلمون من قبله ، لكنَّه لم يستجب لطلبه ، بل أظهر الشدَّة والصلافة في ردِّه على رسائل الإمام ، واختار القتال على الصلح والمسالمة.
في هذه الأثناء تجهَّز معاوية بجيشٍ ضخمٍ واتَّجه به صوب العراق ، ولمَّا بلغ أمير المؤمنين خبره جهَّز جيشه ، واتَّجه نحو الزحف ، ليقطع عليهم الدخول إلى أرض العراق ، لما في ذلك من قتل ونهب وفساد كبير.. فكان من ذلك حرب صفِّين ، وبالشعار السابق نفسه : « دم عُثمان »!
فتمرَّدوا وأعدُّوا العدَّة لمحاربة إمام المتَّقين.. فهم لم يخرجوا في طلب الثأر لعثمان ، بل كان خروجهم ضدَّ الإمام ، وضدَّ الإسلام كلِّه ، والثأر لأنفسهم ، ونرى ذلك واضحاً من كلام ابن العاص مع معاوية على الشعار المزيَّف ، حيث قال عمرو بن العاص لمعاوية :
واسوأتاه! إنَّ أحقَّ الناس الا يذكر عُثمان لا أنا ولا أنت!
قال معاوية : ولِمَ ويحك ؟!
قال : أمَّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام! وأمَّا أنا فتركته عياناً وهربتُ إلى فلسطين!
وقال له : أما والله ، إن قاتلنا معك نطلب دم الخليفة ، إنَّ في النفس ما فيها ، حيث نقاتل مَنْ تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنَّنا أردنا هذه الدنيا (1) !! فأيُّ مكرٍ هذا الذي رأيناه من كلامهما ؟! على مثل ذلك أعدُّوا العدَّة لمحاربة الخليفة الجديد ، فهؤلاء هم القاسطون الذين كرهوا خلافة الإمام عليٍّ عليه السلام.

ووصل الإمام إلى صفِّين في ذي القعدة ، وابتدأت الحرب في أوَّل ذي الحجَّة سنة 36هـ ، وحصلت الهدنة في المحرم سنة 37 هـ ، واستؤنف القتال في أوَّل صفر ، وانتهى في 13 منه (1) ، وعسكر الإمام بالنُخيلة ، وعقد لواءه لغلامه قنبر.
ونزل معاوية بمن معه في وادي صفِّين ، وأخذ شريعة الفرات ، وجعلها في حيِّزه ، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها.. وبعث أمير المؤمنين صعصعة بن صوحان إلى معاوية ، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء ، فقال معاوية لأصحابه : ما ترون ؟ فبعضهم قال : امنعهم الماء ، كما منعوه ابن عفَّان ، اقتلهم عطشاً قتلهم الله ، لكنَّ عمرو بن العاص حاول أن يقنع معاوية بأن يخلِّي بين القوم وبين الماء ، فرجع صعصعة فأخبره بما كان ، وأنَّ معاوية قال : سيأتيكم رأيي ، فسرَّب الخيل إلى أبي الأعور ليمنعهم الماء.
ولمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك قال : « قاتلوهم على الماء » ، فأرسل كتائب من عسكره ، فتقاتلوا واشتدَّ القتال ، واستبسل أصحاب الإمام أشدَّ استبسالٍ ، حتى خلَّوا بينهم وبين الماء ، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ عليه السلام.

فقالوا : والله لا نسقيه أهل الشام!
فأرسل عليٌّ عليه السلام إلى أصحابه أن : « خذوا من الماء حاجتكم وخلُّوا عنهم ، فإنَّ الله نصركم بغيِّهم وظلمهم » (2) .

بهذا الخُلق الكريم عامل أمير المؤمنين عليه السلام أشدَّ مناوئيه..
ثمّ دعا عليّ عليه السلام جماعة من قادة جنده ، فقال لهم : « ائتوا هذا الرجل وادعوه إلى الله والى الطاعة والجماعة ».
ففعلوا ما أمرهم به ، لكنَّ معاوية قال لهم بعد أن سمع كلامهم : انصرفوا من عندي ، فليس بيني وبينكم الا السيف ، وغضب القوم ، وخرجوا ، فأتوا عليَّاً عليه السلام فأخبروه بذلك..
واحتدم القتال بين الطرفين ، فاقتتلوا يومهم كلَّه قتالاً شديداً لم يشهد له تاريخ الحروب مثيلاً ، ثُمَّ تقدَّم الإمام عليٌّ عليه السلام بمن معه يتقدَّمهم عمَّار بن ياسر ، ولمَّا برز لعمر بن العاص قال عمَّار : « لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ما هي بأبرَّ وأنقى » (1) يعني : راية معاوية.
وقال حبَّة بن جُوَين العُرَني : قلتُ لحذيفة بن اليمان : حدِّثنا فإنَّا نخاف الفتن.
فقال : عليكم بالفئة التي فيها ابن سُميَّة ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « تقتله الفئة الباغية الناكبة ( الناكثة ) عن الطريق ، وإنَّ آخر رزقه ضَياح من لبن » ، وهو الممزوج بالماء من اللبن ، قال حبَّة : فشهدته يوم قُتل وهو يقول : ائتوني بآخر رزقٍ لي في الدنيا ، فأُتي بضياحٍ من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء ـ فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة ـ فقال :
اليوم ألقى الأحبَّة * محمَّداً وحزبه


والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر؛ لعلمت أنَّنا على الحقِّ وأنَّهم على الباطل ، ثم قُتل (1) رضي الله عنه وأرضاه..

وقد تضعضع الكثيرون من أتباع ابن أبي سفيان لموقف عمَّار ، لأنَّ مقولة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه لم تكن خافيةً على أحدٍ من الناس : « فطوبى لعمَّار تقتله الفئة الباغية ، عمَّار مع الحقِّ يدور معه كيفما دار » وهذا كلُّه من دلائل نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان ذو الكلاع قد سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمَّار بن ياسر : « تقتلك الفئة الباغية ، وآخر شربةٍ تشربها ضَياح من لبن » ، فكان ذو الكلاع يقول لعمرو : ما هذا ويحك يا عمرو ؟ فيقول عمرو : إنَّه سيرجع إلينا.
فقُتل ذو الكلاع قبل عمَّار مع معاوية ، وأُصيب عمَّار بعده مع عليٍّ عليه السلام.
فقال عمرو لمعاوية : ما أدري بقتل أيُّهما أنا أشدُّ فرحاً ، بقتل عمَّار أو بقتل ذي الكلاع ؟ والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمَّار لمال بعامَّة أهل الشام إلى عليٍّ (2) ، فأشرق وجه معاوية لذلك!

ولمَّا قُتل عمَّار ، قال عليٌّ لربيعة وهمدان : « أنتم درعي ورمحي » فانتدب له نحو من اثني عشر عليه السلام وتقدَّمهم عليٌّ على بغلة ، فحملوا معه حملة رجلٍ واحدٍ ، فلم يبقَ لأهل الشام صفٌّ الا انتقض ، وقتلوا كلَّ من انتهوا إليه.. حتى رأوا الظفر.

واستمرَّ القتال ليلةً كاملة حتى الصباح. فتطاعنوا حتى تقصَّفت الرماح ، وتراموا حتى نفد النبل ، وكان الأشتر في الميمنة وابن عبَّاس في الميسرة وعليٌّ عليه السلام في القلب ، والناس يقتتلون من كلِّ جانبٍ ، حتى أصبحوا والمعركة خلف أظهرهم.
رفع المصاحف.. « كلمة حقٍّ يُراد بها باطل » :

لمَّا رأى عمرو أنَّ أمر أهل العراق قد اشتدَّ وخاف الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمرٍ أعرضه عليك ، لا يزيدنا الا اجتماعاً ، ولا يزيدهم الا فرقةً ؟
قال : نعم.

قال : نرفع المصاحف ، ثُمَّ نقول : هذا حكم بيننا وبينكم.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ بيننا وبينكم ، مَنْ لثغور الشام بعد أهله ؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهله ؟

فلمَّا رآها الناس قالوا : نجيب إلى كتاب الله.
فقال لهم عليٌّ عليه السلام : « عباد الله امضوا على حقِّكم وصدقكم وقتال عدوِّكم ، فإنَّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحَّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرَف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً ثُمَّ رجالاً ، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال ، ويحكم والله ما رفعوها الا خديعةً ووهناً ومكيدة ».
فقالوا له : لا يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله!
فقال لهم عليٌّ عليه السلام : « فإنِّي إنَّما أُقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب ، فإنَّهم قد عصو الله فيما أمره ونسوا عهده ونبذوا كتابه ».
فقال له جماعة من المسلمين ، الذين صاروا خوارج بعد ذلك : يا عليُّ ، أجب إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ إذا دُعيت إليه ، والا دفعناك برمَّتك إلى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفَّان!

قال : « فاحفظوا عنِّي نهيي إيَّاكم ، واحفظوا مقالتكم لي ، فإن تطيعوا فقاتلوا ، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم » (1) .

لم تكن بينهم وبين معاوية الا بضعة أمتار ، فلولا وقوع هؤلاء في الفخ الذي نصبه معاوية لاستطاع الإمام عليه السلام أن يسيطر على الموقف ويستأصل رأس الفتن ، ولكنَّ مسألة التحكيم غيَّرت مجرى الأُمور إلى أسوأ حال ، فحالت دون تحقيق الهدف المنشود ، وقُدِّر لهذه المؤامرة أن تنجح وأن تجرَّ وراءها المصائب والويلات!
ثمَّ قالوا للإمام : ابعث إلى الأشتر فليأتكَ ، فرجع الأشتر مغضباً بعدما أوشك على النصر ، فأقبل إليهم الأشتر ، وقال : يا أهل العراق! يا أهل الذلِّ والوهن! أحين علوتم القومَ وظنُّوا أنَّكم لهم قاهرون ، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ، وهم والله قد تركوا ما أمر الله به فيها وسُنَّة مَنْ أُنزلت عليه ؟ فأمهلوني فواقاً ، فإنِّي قد أحسستُ الفتح (2) .

لكنَّهم أبوا الا التحكيم!

وجعل أهل الشام عمرو بن العاص على التحكيم ، وأراد الإمام عليه السلام أن يجعل عبدالله بن عبَّاس ، لكنَّهم أبوا الا أبا موسى الأشعري ، ولمَّا رأى أنه لاتنفع معهم حجَّة حكَّمه على مضض!
وحضر عمرو بن العاص عند عليٍّ عليه السلام ليكتب القضية بحضوره ، فكتبوا :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضا عليه أمير المؤمنين ، فقال عمرو : اكتب اسمه واسم أبيه ، هو أميركم وأمَّا أميرنا فلا. فقال الأحنف : لا تمحُ اسم إمارة أمير المؤمنين ، فإنِّي أخاف إن محوتها أن لا ترجع إليه أبداً ، فلا تمحُها وإن قتل الناس بعضهم بعضاً ، فأبى ذلك عليٌّ عليه السلام ملياً من النهار.
ثُمَّ إنَّ الأشعث بن قيس قال : امحُ هذا الاسم ، فمُحي ، فقال عليٌّ : « الله أكبر! سُنَّة بسُنَّة ، والله إنِّي لكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يوم الحديبية فكتبتُ : محمَّد رسول الله ، وقالوا : لستَ برسول الله ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحوه ، فقلتُ : لا أستطيع ، فقال : أرنيه ، فأريته ، فمحاها بيده ، وقال : إنَّك ستُدعى إلى مثلها فتجيب ».
فقال عمرو : سبحان الله! أتشبِّهنا بالكفَّار ونحن مؤمنون!
فقال عليٌّ عليه السلام : « يا ابن النابغة ، ومتى لم تكن للفاسقين ولياً ، وللمؤمنين عدوّاً ؟ »

فقال عمرو : والله ، لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد هذا اليوم أبداً.
فقال عليٌّ عليه السلام : « إنِّي لأرجو أن يطهِّر الله مجلسي منك ومن أشباهك » (1) ..
وتمّت كتابة الكتاب بجعل كتاب الله الحاكم في كلِّ الأُمور ، وما لم يجد في كتاب الله فالسُنَّة العادلة الجامعة غير المفرِّقة.. واُجِّل القضاء إلى رمضان.


ولمَّا انتهت مسألة التحكيم ، قال نفرٌ من أصحاب الإمام : كيف تُحكِّمون الرجال في دين الله ؟! لا حكم الا لله ، وكانوا يعترضون الإمام في خطبته بشعارهم « لا حكم الا لله » لذلك سُمُّوا بالمحكِّمة. فكانوا ما يقارب اثني عشر ألفاً.. فنزلوا في ناحية يُقال لها : « حروراء » لأجلها سُمُّوا بالحرورية..

فحاججهم الإمام عليه السلام بقوله الأوَّل قبل التحكيم ، ثُمَّ قال لهم : « قد اشترطتُ على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن ، ويُميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف ، وإن أبيا فنحن عن حكمهما براء ».

قالوا : أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء ؟
قال : « إنَّا لسنا حكَّمنا الرجال ، إنَّما حكَّمنا القرآن ، وهذا القرآن إنَّما هو خطٌّ مسطور بين دفَّتين لا ينطق ، إنَّما يتكلَّم به الرجال » (1) ثمَّ رجعوا مع الإمام عليه السلام.
فلمَّا التقى الحكمان : أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، وخُدِع أبو موسى؛ إذ مكر به عمرو ، قال له : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسنُّ منِّي فتكلَّم ، وأراد عمرو بذلك كلِّه أن يقدِّمه في خلع عليٍّ ، قال له : نخلع عليَّاً ومعاوية معاً ، ونجعل الأمر شورى ، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبُّوا.
فتقدَّم أبو موسى فأعلن على الملأ الحاضرين أنَّه قد خلع عليَّاً من الخلافة ثُمَّ تنحَّى. وأقبل عمرو فقام ، وقال : إنَّ هذا قد قال ما سمعتموه
وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأُثبت صاحبي معاوية! (1) فدُهش أبو موسى وشتم عمرو وشتمه عمرو ، وانفضَّ التحكيم عن هذه النتيجة!
والتمس المسلمون أبا موسى فهرب إلى مكَّة ، ثُمَّ انصرف عمرو وأهل الشام الى معاوية فسلَّموا عليه بالخلافة.

مع هذه النتيجة عاد عليّ عليه السلام يعمل على إعادة نظم جيشه ، استعداداً لمرحلة جديدة من الحروب مع أهل الغدر ، ولكن فتناً جديدة نجمت بين أصحابه ستمنع من انطلاقته صوب أهدافه..

قام يوماً خطيباً بين أصحابه ، فقام إليه رجل من اُولئك « المحكمّة » فقال : لا حكم الا لله! ثُمَّ توالى عدَّة رجال يحكِّمون. فقال عليٌّ عليه السلام : « الله أكبر ، كلمة حقٍّ أُريدَ بها باطل! أما إنَّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا نمنعكم الفيء مادامت أيديكم في أيدينا ، ولا نقاتلكم حتى تبدأوا ، وإنَّما نتّبع فيكم أمر الله » (2) ..

بهذه الأخلاق النبيلة تعامل الإمام مع المارقين ، ورغم ذلك فقد مضوا على غيّهم ، فاعتزلوا بقيادة عبدالرحمن بن وهب الراسبي ، ثمَّ خرجوا من الكوفة.
فبايع المسلمون الإمام عليَّاً عليه السلام وقالوا : « نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت » فشرط فيهم سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاء دور صاحب راية خثعم ، ربيعة بن أبي شداد فقال له : « بايع على كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم » ، فأبى بأن يبايع الا على سُنَّة أبي بكر وعمر! فقال له عليٌّ عليه السلام حين ألحَّ عليه : تبايع ؟ قال : لا ، الا على ما ذكرتُ لك.
فقال له الإمام : « أما والله ، لكأنِّي بك قد نفرت في هذه الفتنة ، وكأنِّي بحوافر خيلي قد شدخت وجهك »! قال قبيصة : فرأيته يوم النهروان قتيلاً قد وطأت الخيل وجهه وشدخت رأسه ومثَّلت به ، فذكرت قول عليٍّ ، وقلت : لله درُّ أبي الحسن ، ما حرَّك شفتيه قط بشيءٍ الا كان كذلك! .

وكان همُّ الإمام عليه السلام في العود إلى محاربة معاوية ، فعبَّأ جنده ، لكنَّه وبعد ذلك كلِّه لم يترك « المحكِّمة » فكتب إليهم كتاباً جاء فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدالله عليٍّ أمير المؤمنين إلى عبدالله بن وهب الراسبي ويزيد بن الحصين ومن قبلهما : سلام عليكم ، وبعد ، فإنَّ الرجلين اللذين ارتضيتماهما للحكومة خالفا كتاب الله واتَّبعا هواهما بغير هدىً من الله ، فلمَّا لم يعملا بالسُنَّة ولم يحكما بالقرآن تبرَّأنا من حكمهما ، ونحن على أمرنا الأوَّل ، فأقبلوا إليَّ رحمكم الله ، فإنَّا سائرون إلى عدوِّنا وعدوِّكم لنعود لمحاربتهم ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، وهو خير الحاكمين ».
وردُّوا على هذا الخطاب الحكيم المتَّزن بخطابٍ ينمُّ عن شدَّة تعسُّفهم وردِّهم المارق ، فكتبوا إليه : « . فإن شهدت على نفسك أنَّك كفرت في ما كان من تحكيمك الحكمين ، واستأنفت التوبة والإيمان ، نظرنا في مسألتنا من
الرجوع إليك ، وإن تكن الأُخرى فإنَّنا ننابذك على سواء ، إنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين »

فلمّا يئس منهم تحرَّك بجيشه صوب الشام ، حتى بلغ منطقةً في أعالي الفرات تُدعى « عانات » فأتته أخبار فضيعة عن الخوارج ، إذ أصبحوا يعترضون الناس فيقتلونهم دون أدنى ذنبٍ ، الا لأنَّهم لم يتبرَّأوا من عليٍّ ولم يكفِّروه لما حدث! حتى أنَّهم أقبلوا أخيراً إلى قتل عبدالله بن خباب بن الأرت الصحابي الشهير ، وقتلوا معه امرأته وبقروا بطنها وهي حامل ، وقتلوا عدَّة نساءٍ ، وبثُّوا الرعب في الناس.
فبعث إليهم أمير المؤمنين الحارث بن مرَّة العبدي ليأتيه بخبرهم ، فأخذوه فقتلوه (2) . فتمخَّضت تلك الأحداث عن معركة النهروان الشهيرة..
حرب النهروان :

المعروفة بوقعة الخوارج ، وحصلت الوقعة سنة 37هـ.
لمَّا بلغ عليَّاً عليه السلام قتل « المحكِّمة » لعبدالله بن خباب بن الأرت واعتراضهم الناس ، وقتلهم مبعوث الإمام إليهم ، قال المسلمون الذين معه : يا أمير المؤمنين علامَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا ؟ سر بنا إلى القوم ، فإذا فرغنا منهم سرنا الى عدوِّنا من أهل الشام.

فرجع عليه السلام بجنده الذين ذعروا على أهليهم من خطر الخوارج ، والتقت

الفئتان في النهروان ، فلم يبدأهم الإمام عليه السلام بحرب ، حتى دعاهم إلى الحجَّة والبرهان ، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه ، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم ، لكنَّهم أصرُّوا على العمى والطغيان! ثُمَّ تقدَّم الإمام عليه السلام ، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه ، حتى لم يبقَ لديهم حجَّة ، وحتى رجع أكثرهم وتاب ، وممَّن رجع يومذاك إلى رشده : عبدالله بن الكوَّا أمير الصلاة فيهم . وأبى بعضهم الا القتال!!
وتعبأ الفريقان ، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر ، فقال عليه السلام : « والله ما عبروا ، ولا يقطعونه ، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر » ، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو عليه السلام يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه « والله لا يفلتُ منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة »! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ عليه السلام ، فأدركوهم دون النهر ، فكبَّروا ، فقال الإمام عليه السلام : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت » .

وكان عليٌّ عليه السلام قد قال لأصحابه : كُفُّوا عنهم حتى يبدأوكم ، فتنادوا : الرواح إلى الجنَّة! وحملوا على الناس. واستعرت الحرب ، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام استبسالاً ليس له نظير ، فلم ينجُ من الخوارج الا ثمانية فرُّوا هنا وهناك ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليه السلام غير تسعة ، وقيل : سبعة.

وانجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم ، وقد روى جماعة أنَّ عليَّاً عليه السلام كان يحدِّث أصحابه قبل ظهور الخوارج ، أنَّ قوماً يخرجون ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة ، علامتهم رجل مُخدَج اليد ، سمعوا ذلك منه مراراً (1) .
فقال الإمام عليه السلام : « اطلبوا ذي الثُديَّة » ، فقال بعضهم : ما نجده ، وقال آخرون : ما هو فيهم ، وهو يقول : « والله إنَّه لفيهم! والله ما كذبتُ ولا كُذبتُ » وانطلق معهم يفتِّشون عنه بين القتلى حتى عثروا عليه ، ورأوه كما وصفه لهم ، قال : « الله أكبر ، ما كذبتُ ولا كُذبت ، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قصَّ الله على لسان نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم لمن قاتلهم ، مستبصراً في قتالهم ، عارفاً للحقِّ الذي نحن عليه ».

وقال عليه السلام حين مرَّ بهم وهم صرعى : « بؤساً لكم! لقد ضرَّكم من غرَّكم »!
قالوا : يا أمير المؤمنين مَنْ غرَّهم ؟
قال : « الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء ، غرَّتهم بالأماني ، وزيَّنت لهم المعاصي ، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون ».

فقالوا : الحمد لله ـ يا أمير المؤمنين ـ الذي قطع دابرهم ، فقال عليه السلام : « كلا والله ، إنَّهم نطف في أصلاب الرجال ، وقرارات النساء » !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
jistcoirbid

jistcoirbid



معركة صفين Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة صفين   معركة صفين Icon-new-badge6/2/2011, 16:50

وقال عليه السلام حين مرَّ بهم وهم صرعى : « بؤساً لكم! لقد ضرَّكم من غرَّكم »!
قالوا : يا أمير المؤمنين مَنْ غرَّهم ؟
قال : « الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء ، غرَّتهم بالأماني ، وزيَّنت لهم المعاصي ، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون ».

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



معركة صفين Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة صفين   معركة صفين Icon-new-badge7/2/2011, 00:18

مشكور يا هشام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
KLIM

KLIM



معركة صفين Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة صفين   معركة صفين Icon-new-badge27/2/2011, 06:25

في ميزان حسناتك اشكرك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
معركة صفين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اربد :: منتدى الاسرة :: المنتدى الاسلامي :: اسلاميات-
انتقل الى: