غزوة حنين
أولاً: موجزٌ مختصرٌ عن الغزوة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)( ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)( ).
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
كما قدم أخي الكريم الشيخ لقمان عن أهمية هذا الحلقة، التي أعدها وقام على إعدادها مكتب الدعوة في الروضة، وكما تعلمون، سيشارك -بإذن الله- في الأيام القادمة عدد من الإخوة المشايخ.
هذه الحلقة حلقة تعليمية مهمة، جاءت في وقت مهم، -كما أشار- في قضية "أهمية الجهاد في سبيل الله".
ونحن سنقف مع هذه الغزوة، التي هي "غزوة حنين" من باب الوقوف مع سنة المصطفى لأننا كثر السؤال هذه الأيام: "أين المخرج؟" الأمة تتخبط في واقعها، وتخرج من نفق إلى نفق، حتى كاد أن يحل اليأس في قلوب كثير من الناس.
ونقول: إن المخرج بما بينه المصطفى " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي " هذا هو المخرج وهو طريق النجاة؛ فإنه حري بنا -أيها الأحبة- في وقت تشتت فيه المسلمون، وازدادت المصائب والكوارث- أن نعود إلى المنبع، وإلى المصدر، وإلى الأصل: إلى الكتاب والسنة (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)( ) ويقول -جل وعلا-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)( ) ويقول -جل وعلا-: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)( ).
إذًا الرجوع إلى السنة أصل في منهج الدعوة أيها الأحبة، وما ضعفت شوكة المسلمين، وما تفرقت كلمتهم، إلا لبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم ولذلك فإننا نقف هذا اليوم مع السنة؛ التزاما بحديث الرسول في حديث العرباض بن سارية، قال: " وعظنا رسول الله موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: "يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا." قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا " ( ).
طيب، نحن رأينا اختلافًا كثيرًا، فأين المخرج يا رسول الله؟ المخرج -وهو يوجه صحابته " ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا " ( ) ها نحن نرى اختلافاً كثيرا، ونرى مصائب عدة في واقع هذه الأمة. فدلهم على المخرج فقال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها " ( ) "وتمسكوا بها، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" أو كما قال .
من هذا المنطلق جئنا نتحدث في هذه الغزوات أيها الإخوة، وغزوة اليوم التي نبدأ بها حديثنا، هي "غزوة حنين"، وغزوة حنين من أعظم المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، وهي من آخر غزوات الرسول وسأجملها لكم بكلمات، ثم أقف مع الدروس العظيمة التي وردت في هذه الغزوة.
هذه الغزوة ورد فيها دروس عظيمة جدًّا، تغيب عن ذهن كثير منا. وأنا أقرأ في السيرة، أقرأ في الأحاديث؛ وجدت فيها من الكنوز ما أعلم أنني لا أستطيع أن ألقيه في هذه العجالة، ولكنني سأختار أعظم هذه الدروس وهذه الوقفات، في هذه الليلة، ولكن قبل هذه الوقفات أعطي موجزاً مختصراً في بضع دقائق لهذه الغزوة:
عندما جاء الرسول إلى مكة، وفتح الله له مكة في رمضان؛ بلغ عرب الطائف ومن حولهم بانتصار المسلمين وبفتح مكة، فخافوا خوفاً عظيمًا، وقالوا: "نحن سنكون بعد مكة"، فأعدوا عدة، وكانوا يعدون قبل ذلك، كانوا يعدون لهذه المعركة، حتى ورد أنهم كانوا يعدون منذ سنة لغزو الرسول فلما علموا أن الرسول جاء إلى مكة، وافتتح مكة؛ قالوا: "فلنبدأ به قبل أن يبدأ بنا".
فجاء مالك بن عوف -وكان سيدًا في قومه- وجمع هوازن وثقيف وبني مالك وبني جشم، وغيرهم من قبائل العرب المتاخمة للطائف، ونزل بهم بعد رمضان إلى مكة؛ لمهاجمة الرسول فلما علم الرسول خرج بعد رمضان، في السنة الثامنة من الهجرة، في اليوم الخامس أو السادس من شوال؛ لملاقاة مالك بن عوف ومن معه من هوازن وثقيف.
وفعلا التقوا في حنين، ولكن كان أهل الطائف قد سبقوا رسول الله إلى المواقع المهمة، وعندما خرجوا وهم في الطريق، وكان عدد جيش المسلمين اثني عشر ألفا (عشرة آلاف من الذين جاءوا مع الرسول من المدينة، وألفان من الطلقاء، أي: من الذين أسلموا في الفتح) فخرجوا إلى حنين، فلما رأى بعض المسلمين هذا العدد الهائل- رأوا هذا العدد الكبير؛ قال قائلهم: "لن نغلب اليوم من قلة" واستمروا.
وعندما قربوا من الموقع الذي عسكرت فيه هوازن وثقيف بقيادة مالك بن عوف، بدأ الرسول يستطلع أخبارهم، وأرسل أحد الصحابة ليستطلع خبرهم، وجاءه بالخبر.
وعندما اصطف الصفان بعد الفجر مباشرة، وقد قرر مالك بن عوف أن يبدأ قبل أن يُبدأ به، فقد أخذ روح المبادرة، فتعجل بعض الشباب، وسرعان الناس مع رسول الله وغشوا في المعركة دون أن يكون عليهم دروع أو سلاح -كما ورد في الأحاديث الصحيحة- فرماهم أولئك بالنبل؛ لأنهم قد تحصنوا في أماكن مهمة في الجبال وفي نواحي المنطقة التي عسكروا فيها، فسرعان ما انهزم القوم وولوا على أدبارهم، وهربوا من المعركة، حتى بقي رسول الله وحده، وليس معه إلا قلة -في بعض الروايات: بقي معه رجل واحد، وفي بعض الروايات: بقي معه أربعة رجال.
وكان عدد هوازن قرابة عشرين ألفا، فانطلقوا يقاتلون حتى ارتج القوم وولوا الأدبار -وبخاصة الطلقاء والأعراب- وسرعان الشباب الذين أسرعوا من القوم، حتى قال بعض القائلين: "لن يردهم إلا البحر" وقال آخر من الذين كانوا حديثي عهد بإسلام -بل من المشركين- منهم من قال؛ لأنهم كانوا قد جاءوا يرقبون المعركة، ولم يدخلوا فيها: "اليوم بطل السحر" بل قد ارتد بعض الناس ممن كان قد أسلم بالأمس من طلقاء مكة.
وبقي الرسول ينادي، ثم أمر العباس -وكان جهير الصوت- فنادى، فبدأ الصحابة يأتون فردا فردا، والرسول ثابت في مكانه، ثابت في مقامه، حتى -في بعض الروايات- أنه كان يركب بغلة (وقالوا: إن ركوب البغلة يدل على الثبات والاستقرار والهدوء) وبدأ ينادي: "أيها الناس" وبدأ العباس ينادي المهاجرين، ينادي الأنصار، ينادي أصحاب بيعة الشجرة (أصحاب الشجرة) فبدءوا يتوافدون فردا فردا، حتى -في بعض الروايات- أن جمالهم وخيلهم كانت ترفض أن تعود إلى المعركة، فينزلون عنها ويأتون بأقدامهم، حتى تكامل مع رسول الله قرابة مائة -قيل في الرواية ثمانين فردا، لاحظوا العدد- وقيل: "مائة" فبدءوا في القتال، واشتد القتال، ثم أخذ الرسول حُصيات ورمى بها وقال: "انهزَموا" أو "انهزِموا" فما هو إلا وقد انهزمت هوازن في مائة من الناس فقط.
انهزم المسلمون وهم اثنا عشر ألفا، وانهزمت هوازن وأمامهم قرابة مائة فقط من صحابة رسول الله ثم بدءوا في جمع الغنائم، وولت حنين إلى أوطاس (منطقة قريبة من حنين) ولمعلوماتكم فإن حُنينًا هي الآن قبل منطقة الشرائع وأنتم ذاهبون إلى مكة، قبل أن تصلوا إلى منطقة الشرائع (منطقة تسمى اليمانية) هذه هي حنين.
فهربوا إلى أوطاس، فأرسل الرسول خلفهم أبا عامر الأشعري وأخاه أبا موسى الأشعري فقاتل أبو عامر حتى قتل ثم أخذ الراية أخوة أبو موسى الأشعري، فقاتل حتى انهزمت ثقيف وهوازن، فلحقهم الرسول إلى الطائف، وحاصرهم في قلعتهم في الطائف قرابة عشرين يوما -وقيل: ثلاثين يوما- وأبو أن ينزلوا من الحصن، فرجع رسول الله إلى الجعرانة، في الشرائع، وقد جمعت الغنائم، وهي غنائم ضخمة جدا (أربعة وعشرين ألفا من الإبل، وقرابة أربعين ألفا من الغنم، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، وستة آلاف من السبي (أي: من النساء والذرية) غنائم لم يغنم المسلمـون مثلها في تاريخهم أبداً في عهد رسول الله .
فما الذي حدث؟ بدأ رسول الله انتظر أياماً لعل أهل الطائف يأتون، فلم يأتوا، فلما لم يأتوا؛ قسم الغنائم وأعطى الطلقاء، أعطى المؤلفة قلوبهم، وأعطى عدداً من المهاجرين والأعراب، ولكنه لم يعط الأنصار شيئا فوجدوا في نفوسهم، وكان لهم قصة سأذكرها، من الدروس -بإذن الله- ثم ذهب الرسول وأحرم من الجعرانة واعتمر، ثم رجع إلى الجعرانة مرة أخرى، وانطلق إلى المدينة، ودخلها وقد بقي على شهر ذي الحجة عدة أيام. وهكذا انتهت هذه المعركة.
هذه هي بإيجاز عن هذه المعركة العظيمة.