من هم أولو الأمر
يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ) . إنك تلحظ في هذه الآية أنه أمر فيها بأمر واحد إطاعة ثلاثة : الله تعالى ورسوله وأولو الأمر ، بوساطة فعل
الأمر : ( أطيعوا ) ، وذلك في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ، فماذا يمكن أن نفهم من ذلك ؟ وماذا أراد الله تعالى بإشراك النبي صلى الله عليه وآله وأولي الأمر في أمر واحد بطاعتهما ؟ على أن الحال لا يختلف لو فصل الأمر ولم يجمع في فعل واحد .
إن إصدار الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وأولي الأمر بهذه الصورة المشتركة في أمر واحد يؤكد لنا التساوي بين طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر .
فلما كانت طاعة الرسول صلى الله عليه وآله واجبة قطعا فطاعة أولي الأمر واجبة قطعا أيضا . والعموم والإطلاق الواضح في الأمر بالطاعة لا يسمح باستثناء طاعة أولي الأمر وفصلها عن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله بأي حال من الأحوال ، أو بأي شرط من الشروط . . إذا طاعة أولي الأمر هي من الواجبات في الدين على المؤمنين .
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله معصوم بلا شك ، ولو على قول من ينسب إليه العصمة في تبليغ الوحي ، فهو معصوم إذا . وهنا نسأل : ما هي الحكمة في أن يكون النبي صلى الله عليه وآله معصوما ؟ إن الله تعالى لم يدع لنبي من الأنبياء مسؤولية التشريع ولم يسند إليهم تأسيس
- ص 197 -
الأحكام والشرع ، فالله تعالى هو الذي يعلم ما ينفع الناس وما يصلحهم ، ولهذا فهو الذي له أن يقوم بهذا الأمر الذي لا يقدر عليه غيره ، وما على الرسول إلا بلاغة بلاغا لا يخالجه الإبهام .
والله تعالى بإسناد الأمر إلى ذاته العلية يريد أن يبلغ تشريعه الناس دون أي تغيير أو نقص ، سواء كان عمدا أو سهوا . ولكن الرسول بشر ، والبشرية مجمع الأخطاء والنسيان ، فما هو العمل إذا ما أنزل عليه أمر الله ليبلغه كما أنزل عليه دون تغيير يؤدي إلى التغيير في طريقة وأسلوب التبليغ ، فضلا عن أن يؤدي إلى تغيير الهدف والغاية ؟
ولهذا عصم الله الأنبياء عن الخطأ عمدا أو سهوا ، حتى لا يحدث ذلك التغيير تبعا للخطأ . وعلى هذا فكل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله هو الوحي بعينه ، من حيث اللفظ والمعنى تارة ، ومن حيث المعنى فقط تارة أخرى . ولهذا فالنبي صلى الله عليه وآله ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ) ( 1 ) .
فإذا ثبت فالنبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يدركه الموت يوما ، وسيأخذ بزمام الأمر من بعده ألو الأمر الذين وجبت طاعتهم على الناس مثله صلى الله عليه وآله ، وإن كان الوحي لا يتنزل عليهم لاكتمال نزوله . إن العمل بهذا الوحي - طبقا لعمل النبي صلى الله عليه وآله به - لم ينته ، بل هو باق ما بقي الزمان والمكان .
ونحن نعلم أن حفظ كلام كما قيل دون تغيير هو أسهل بكثير من العمل به وتطبيقه على مسرح الواقع الملموس ، حيث المشاكل والمعضلات والمنعطفات الحرجة .
إذا ، كيف يتسنى لأولي الأمر القيام بهذه المهمة الأصعب بعد النبي صلى الله عليه وآله دون التعرض للخطأ ، إن لم تكن لهم تلك العصمة التي كان يتمتع بها النبي صلى الله عليه وآله ؟ وكيف يصل ما أراده الله إلى الناس عبر أولي الأمر دون خطأ وهم بشر ؟
ونحن أوضحنا أن العصمة تحفظ الوحي النازل على النبي صلى الله عليه وآله دون أن ينحرف عمدا أو سهوا ، لفظا أو عملا ، والله لا يسمح بشئ من ذلك الانحراف . فإن لم يكن أولو الأمر على عصمة النبي صلى الله عليه وآله وقع ما لم يسمح به الله تعالى ، وما لم
* هامش *
1 - النجم : 3 و 4 .
- ص 198 -
يرده في تبليغ الوحي . إذا ، وجبت عصمة أولي الأمر كما وجبت عصمة الرسول صلى الله عليه وآله .
على أن وجوب الطاعة بالجزم والقطع إشارة إلى العصمة ، فالعصمة أساس وجوب الطاعة ، وبسبب هذه العصمة لا يختلف خطاب الله تعالى للناس - إذا قدر أن يخاطبهم مباشرة بتكاليفه وأوامره - عن مخاطبته إياهم عبر النبي صلى الله عليه وآله به.
والسر في ذلك هو وصول خطاب الله ذاته إلى الناس بسبب العصمة التي للنبي صلى الله عليه وآله . . وهذا يعني - من ثم - أن فقدانها في أولي الأمر يؤدي إلى التغيير بلا ريب ، وهو ما لا يريده الله تعالى .