اربد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اربد

منتدى معلومات عامة
 
صفحة الاعلاناتالمنشوراتالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

 تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
theredrose

theredrose



تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Empty
مُساهمةموضوع: تخطيط وعمارة المدن الإسلامية    تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Icon-new-badge5/2/2011, 23:05

تخطيط وعمارة المدن الإسلامية"
للأستاذ خالد محمد مصطفى عزب


تمهيد

ارتبطت دراسة العمارة الإسلامية في عصرنا بعلم الآثار الإسلامية، الذي نشأ على يد المستشرقين وهواة الآثار الغربيين، ومن ثم تأثر هذا العلم بمناهجهم وأسلوبهم في التفكير، وانعكس ذلك على طريقة تناول العمائر الإسلامية الباقية، بالوصف والتحليل.‏

‏ درس المستشرقون العمارة الإسلامية دراسة وصفية، تقوم على وصف الشكل المعماري وصفا دقيقا، فإذا أنت شاهدت واجهة منشأة وجدتها رائعة، تحوي زخارف وعقودا، وبابا رئيسا وآخر فرعيا .. كل هذا في تناسق معماري تام .. واتبع هذا المنهج العديد من مدارس الآثار الإسلامية، في شتى دول العالم الإسلامي، التي نستطيع أن نسمي معظمها : "مدارس التقليد والجمود"، حيث التفكير والإبداع المنهجي لديها يكاد يكون محدودا، فالاقتصار على الوصف هو أهم شيء .. وترى الأثر المعماري وقد انتزع ليكون وحدة قائمة بذاته، لا رابط بينه وبين ثقافة المجتمع، ولا بينه وبين المنشآت المحيطة به، ولا بينه وبين روح العصر، فكأن هذا الأثر وحدة تخضع للبحث المادي الجاف .. وهذا النوع من الدراسات نسميه : "الدراسات الوصفية للشكل المعماري".‏


‏ وجرى كثير من الأثريين خلف المستشرق "كريسويل" في منهج تأصيل العناصر الأثرية، ففي كتابه : "العمارة الإسلامية المبكرة"، يعبر بأسلوب حاقد ملتو عن مبنى قبة الصخرة، وما يشتمل عليه من زخارف، وأن به 22% تأثيرات رومانية، و22% تأثيرات بيزنطية، و55% تأثيرات سورية مسيحية، والباقي وهو 1% غير محدد الهوية ..‏


‏ ويبدو ما ذكره "كريسويل" في كتابه : "العمارة الإسلامية المبكرة"، ذا مظهر علمي بريء، ولكن إذا تأملنا بدقة سنجده يقول : إن البناء لا يمت للمسلمين بصلة سوى استخدامهم له، فهم مقلدون غير مبتكرين. وقاد هذا الطرح العديد من علماء الآثار إلى الاستغراق في تأصيل العناصر المعمارية والفنية، وسطروا صفحات في ذلك، حتى صرنا ندخل في المنهج الاستغراقي التأصيلي، دون البحث عن المضمون في عمارة المسلمين، وكيف يمكن أن يؤثر هذا المضمون في العمارة.‏


‏ وكلا المنهجين، الوصفي للشكل المعماري، والاستغراقي الساعي إلى تحليل العناصر المعمارية والفنية لإثبات أصولها، كلاهما يشكل جزئية بسيطة جدا في علم الآثار الإسلامية، الذي يتطلب جهدا لإعادة صياغته، حتى يكون جزءا من المشروع الحضاري الإسلامي، وفصلا في علم العمران في هذا المشروع.‏


‏ ومن الملاحظ أنه عند دراسة تاريخ العمارة الإسلامية، يتم التركيز على المعالم التاريخية، كقصور الحمراء وتاج محل وغيرها من المعالم التي بنيت لترمز إلى عظمة حاكم ما أو دولة ما، أو تحكي تاريخ حضارة مضت، فهي بعظمة مظهرها وحسن بنائها، تحمل لنا وللأجيال القادمة رسائل عن تلك الحضارات، لذلك فهي إنما بنيت لتكون مبان "فوق اعتيادية" -إن صح التعبير- مع العلم أن غالبية المباني في تلك العصور مبان عادية شيدها أناس بسطاء.‏


‏ وقد أدت دراسة المعالم التاريخية من قبل المهندسين المعماريين والمخططين، إلى استنباط أسس للعمارة الإسلامية، منها أن البيئة العمرانية الإسلامية في مجملها، شيدت من قبل مصممين، سواء كانوا معماريين أو مخططين والواقع يقرر أن البيئة العمرانية الإسلامية لم تعتمد في نشأتها على تخصص العمارة أو التخطيط فقط، ولكن على أسس وضعتها الشريعة أيضا (1).‏

‏ وهذه الأسس أشبه ما تكون اليوم بقوانين المباني، مع ملاحظة أن هناك فروقا جوهرية بين الاثنين، فأحكام البنيان في الفقه الإسلامي، كان يحفظها كل مسلم، ويقوم بتنفيذها تلقائيا، دونما حاجة إلى ضابط من السلطات .. فالبيئة العمرانية صيغت وفق تراكم الخبرات، جيلا بعد جيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Empty
مُساهمةموضوع: رد: تخطيط وعمارة المدن الإسلامية    تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Icon-new-badge5/2/2011, 23:06

مقدمة

تظهر وسائل الإعلام العمارة المعاصرة على أنها مظهر التقدم الحضاري في العصر الحاضر .. وهذه العمارة بطرازها الدولي، ما هي إلا تعبير عن فكرة عولمة العالم دون ضابط أو رابط .. ويغيب عن هذه العمارة المضمون، الذي يصيغها وفق رؤية حضارية ذات جذور، فكنت قديما إذا زرت مدينة إسلامية، استطعت أن تميزها عن المدن الأخرى، أما اليوم فلا فارق بين القاهرة وباريس ولندن ونيويورك ودمشق، فالكل واحد، وإن ساء التقليد لدينا، لأننا نقلد مرتكزات ومنطلقات الآخرين في عمارتهم للكون.‏

‏ وبعيدا عن الفوضى العمرانية والمعمارية في العالم الإسلامي، تنطلق في هذا الكتاب، محاولة لإحياء رؤية تراثنا في مجال العمران، من خلال أسس تخطيط وعمارة المدن الإسلامية، لعلها تكون محاولة ناجحة تؤتي ثمارها .. ولسعة الموضوع وتشعبه، حاولت التركيز قدر استطاعتي، ليستفيد منه المتخصص والقارئ المثقف بشكل عام، آملا أن يكون لبنة في مشروع إعادة بناء الحضارة الإسلامية.‏
والله الموفق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Empty
مُساهمةموضوع: رد: تخطيط وعمارة المدن الإسلامية    تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Icon-new-badge5/2/2011, 23:08

مثلت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، نقطة البداية في تاريخ العمارة الإسلامية، إذ كان لممارسته مهام القيادة في دولة المدينة، أثر في التركيب الداخلي لعمران المدينة، إذ استحدثت وظائف جديدة داخل المدينة، لكي تتلائم مع كونها عاصمة للدولة الإسلامية الناشئة، التي تتخذ الإسلام منهجا، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يتبلور فقه البنيان في الحضارة الإسلامية.‏

المسجد

‏ بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، بركت ناقته عند موضع مسجده، وهو يومئذ مكان يصلي فيه رجال من المسلمين، وكان مربدا لسهل وسهيل ()، وهما غلامان يتيمان من الأنصار .. فسام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فقالا : نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير، وكان فيه شجر غرقد ونخل وقبور للمشركين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فدرست، وبالنخيل والشجر فقطعت، وصفت في قبلة المسجد، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخرته مائة ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجعل أساسه قريبا من ثلاثة أذرع، ثم بنوه باللبن، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم، وينقل اللبن والحجارة بنفسه، ويقول:‏

‏(اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة).‏


‏ وذكر الحافظ الذهبي، أن القبلة كانت في شمال المسجد، لأنه عليه الصلاة والسلام صلى سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس، فلما حولت القبلة استخدم حائط القبلة الأول مكانا لأهل الصفة .. وكان للمسجد ثلاثة أبواب، باب في مؤخرته، وباب يقال له : باب الرحمة، والباب الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلت عمد المسجد من جذوع النخيل والشجر، وسقفه من الجريد ‏


‏ ويستخلص من ذلك أن أول وظيفة أحياها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكان : "وظيفة المسجد" الذي كان مركزا للصلاة والعبادة، إضافة إلى كونه مركزا سياسيا واجتماعيا وحضاريا، وملتقى علميا .. هذه الوظائف التي كان يؤديها المسجد، جعلت مكانته أكثر من كونه مكانا للعبادة. فقد أصبح مركز الثقل في المدينة، وحوله تبلورت الأنشطة الاقتصادية بها.‏


‏ ونستطيع أن نرى في بناء مسجد المدينة، دروسا معمارية مستوحاة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم

الدرس الأول:‏

‏ وهو قاعدة مهمة عند اختيار الأراضي التي تبنى عليها المساجد، وتكون ذات ملكية خاصة، فيجب أن تؤخذ موافقة أصحابها، وأن يتم تقدير ثمنها، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا.‏

‏ والدرس الثاني:‏

‏ في تجهيز الموقع وإعداد مواد البناء، فلقد كان بالأرض عند شرائها نخيل وقبور، فأمر بالنخيل أن يقطع، وبالقبور أن تنقل، وأن يغيبوا الطوب، الذي سوف يستخدم في بناء حوائط المسجد، وبذلك نجده لم ينتظر حتى يتم إعداد الأرض، ثم يأمر بتجهيز اللبن، الذي يحتاج لبعض الوقت ليجف ويصبح صالحا للبناء .. كل ذلك من أجل كسب الوقت، وهذا شبيه بالأسلوب المتبع في عصرنا الحديث، عند وضع الجداول الزمنية لتنفيذ عناصر أي مشروع معماري، حيث يمكن عمل مرحلتين أو أكثر في وقت واحد إن أمكن ذلك، أو أن يشتركا في جزء من الوقت، مما يوفر في المدة الإجمالية لتنفيذ المشروع.‏

‏ والدرس الثالث:‏

‏ يعطيه لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم، وهم يشاركون بأنفسهم في بناء المسجد، باستخدام المواد المتوافرة في بيئة المدينة المنورة، فاللبن للحوائط، وجذوع النخل للأعمدة، وجريد النخل لسقف المسجد، مما يعطي درسا هاما في أهمية استعمال مواد البيئة، وتحقيق المشاركة الشعبية، في بناء المشروعات العامة في البيئات الفقيرة.‏


وقد وصف الشيخ عبد الحي الكتاني، في كتابه : "نظام الحكومة النبوية، المسمى بالتراتيب الإدارية والولايات الدينية" (، طريقة بناء اللبن في حوائط المسجد النبوي، مشيرا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بناه ثلاث مرات، الأولى بالسميط : وهو لبنة أمام لبنة، والثانية بالضفرة : وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر : وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان.. وبذلك نرى اختلاف أسلوب البناء، لما كثر عدد المسلمين، وتمت زيادة مساحة المسجد، مما يدل على أهمية تطويع أسلوب البناء، ليخدم وظيفة المسجد أو أي مبنى آخر، فكلما كثر عدد المستعملين زاد الاهتمام بمتانة البناء.‏

‏ والدرس الرابع:‏

‏ يعطيه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن أقر فعل تميم الداري حينما أسرج المسجد النبوي بالقناديل وبذلك يمكن القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشجع أي عنصر معماري جديد يمكن أن يضاف إلى المسجد، ويسهل من أداء وظيفته، وأمر استخدامه.‏

‏ وهذا النموذج، يبين لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند عمارته لمسجده، ترك حرية الابتكار والإبداع للمسلمين، حسب الزمان والمكان، ولكن في حدود ضوابط الشرع.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Empty
مُساهمةموضوع: رد: تخطيط وعمارة المدن الإسلامية    تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Icon-new-badge5/2/2011, 23:09

المسكن

ثم باشر الرسول صلى الله عليه وسلم تحديد وظائف المدينة من الداخل، فبنى مساكنه إلى جوار المسجد، قال الكتاني في التراتيب : (ثم بنى صلى الله عليه وسلم مساكنه إلى جنب المسجد باللبن، وسقفها بجذوع النخل والجريد، وكان محيطها مبنيا باللبن، وقواطعها الداخلة من الجريد المكسو بالطين والمسوح الصوفية، وجعل لها أبواب ونوافذ متقنة للتهوية، داعية إلى السهول في الدخول والخروج وخفة الحركة، مع وفر الزمن والسرعة إلى المقصد) ‏


‏ وعن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تدبيره لأمر المسكن، يقول ابن القيم الجوزية : (لما علم صلى الله عليه وسلم أنه على ظهر سير، وأن الدنيا مرحلة مسافر ينزل فيها مدة عمره، ثم ينتقل عنها إلى الآخرة، لم يكن من هديه ولا هدي أصحابه، ومن تبعه، الاعتناء بالمساكن وتشييدها وتعليتها وزخرفتها وتوسيعها، بل كانت من أحسن منازل المسافر، تقي الحر والبرد، وتستر عن العيون، وتمنع من ولوج الدواب، ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها، ولا تعشش فيها الهوام لسعتها، ولا تعتور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها، وليست تحت الأرض فتؤذي ساكنها، ولا في غاية الارتفاع عليه، بل وسط، وتلك أعدل المساكن وأنفعها، وأقلها حرا وبردا، ولا تضيق عن ساكنها فينحصر، ولا تفضل عنه بغير منفعة ولا فائدة فتأوي الهوام في خلوها، ولم يكن فيها كنف فتؤذي ساكنها برائحتها، بل رائحتها من أطيب الروائح ، لأنه كان يحب الطيب، ولا يزال عنده، وريحه هو من أطيب الرائحة، وعرقه من أطيب الطيب، ولم يكن في الدار كنيف تظهر رائحته، ولا ريب أن هذه من أعدل المساكن وأنفعها، وأوفقها للبدن، وحفظ صحته)


‏ وفي هذا النص الموجز، عرض ابن القيم الشروط التي يجب توافرها في المنزل الإسلامي، مثل : البساطة، الخصوصية، التوافق مع البيئة. وهي شروط انعكست كثيرا على عمارة المنازل عبر العصور الإسلامية.‏

‏ فهي لم تكن شروطا نظرية، بل دخلت حيز التطبيق، فنرى أن المنازل في صدر الإسلام، كانت تفي بالضرورات، ولا تمتد إلى الكمالات مما لا حاجة له .. أخرج البخاري في صحيحه أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال : (لقد رأيتني مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد بنيت بيتا بيدي يكنني من المطر، ويظلني من الشمس، وما أعانني عليه أحد من خلق الله)


‏ وكان للأصول السكانية والقبلية شأن كبير في توزيع السكان في أحياء المدينة، بحيث أن كل حي كانت تقطنه أسرة أو قبيلة، وكانت مسؤولية توزيع الخطط في يد الرسول صلى الله عليه وسلم، باعتباره الحاكم، وقد كان منهجه في ذلك يهدف إلى تجميع كل قبيلة في خطة خاصة بها، مع ترك حرية تقسيم الخطط للقبيلة، ووفقا لظروفها وإمكاناتها في الإنشاء والتعمير، ومدى الحاجة إلى ذلك، فكأنما روعيت النظرة المستقبلية لامتداد العمران، كما حدث في إقطاع الزبير، وعلى هذا الأساس سار إقطاع الخطط في المدن الإسلامية الناشئة ومن أمثلة ذلك ما حدث في البصرة (14هـ/635م) ، والكوفة (17هـ/638م)، والفسطاط (21هـ/641م) ، والقيروان (45هـ/665م) ‏







السوق

‏ كما حدد صلى الله عليه وسلم موضع السوق، لعلمه أن الاستقرار لا يقوم إلا به، فهو مصدر التكسب والتجارة والحرف، روى الطبراني من طريق الحسن بن علي بن الحسن بن أبي الحسن أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نظرت موضعا للسوق أفلا تنظرون إليه؟ قال : "بلى"، فقام معه حتى موضع السوق، فلما رآه أعجبه وركض برجله، وقال : (نعم سوقكم هذا، فلا ينقصن ولا يضربن عليكم خراج)

‏ كما أقر الإسلام الأسواق التي تبايع الناس بها في الجاهلية، فعن ابن عباس قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها، فأنزل الله تعالى : (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) (البقرة : 198) ‏







مصلى العيد


‏ كان لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرها الواضح في اشتمال المدينة على ساحة فضاء، تقام عليها صلاة العيد في الخلاء، عرفت بـ "مصلى العيد"، يخرج إليها أهل المدينة لصلاة العيد






دور الضيافة


‏ وخصصت بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دور للضيافة واستقبال الوفود، كان من أهمها دار عبد الرحمن بن عوف الكبرى، وكانت تسمى : "دار الضيفان"، أو "دار الأضياف" ، ودار رملة بنت الحارث الأنصارية التي نزلتها وفود غسان وبني ثعلبة وعبد القيس، وبني فزارة‏







تحصين المدينة

‏ حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحصين المدينة من أضعف الجهات، وهي الجهة الشمالية، وذلك قبل قدوم الأحزاب للمدينة، ولو بلغت هذه الأحزاب المحزبة والجنود المجندة أسوار المدينة بغتة، لكان ذلك من أعظم الأخطار على كيان المسلمين، التي قد تصل إلى حد استئصال شأفتهم، ولكن يقظة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أمدته عيونه بتحرك جيوش المشركين، حالت دون ذلك.‏

‏ وبعد أن استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أخذ برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه، حيث قال : يا رسول الله! إنا كنا بأرض فارس، إذا حوصرنا خندقنا علينا .. وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك، وهذا درس يلقنه الرسول صلى الله عليه وسلم لنا، وهو أن نأخذ من الأمم التي سبقتنا في أطوار العلم ما يفيدنا، ويرفع مقدرة المسلمين على مجابهة أعدائهم.‏

‏ وعن أنس رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: ‏

‏(اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة)‏

فقالوا مجيبين له :‏

‏ نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا


‏ وقسم أصحابه إلى مجموعات، يتكون كل منها من عشرة أشخاص كلفوا بحفر أربعين ذراعا، ولما كان طول الخندق حوالي (1200 ذراع)، فإنه يكون قد اشترك في حفره ثلاثة آلاف مسلم، وخط الرسول صلى الله عليه وسلم الخندق من حصن بني سلمة غربي مسجد الفتح


‏ وحفر هذا الخندق، عمل معماري حربي ضخم، أنجز في فترة وجيزة بلغت في أقصى تقدير أربعة وعشرين يوما، وكان لحسن تنظيم العمل ومخافة هجوم الأعداء بسرعة أثره في ذلك .. واستكمالا لأعمال التحصين، حصنت جدران المنازل القريبة من الخندق، والتي بينها وبين العدو مسافة قصيرة

‏ واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم المعسكرات لجنده خارج المدينة، على مسافة منها، ومن أمثلة ذلك معسكر الجرف الذي يبعد عن المدينة ثلاثة أميال في اتجاه الشمال، وهو معسكر أسامة بن زيد عندما أرسل إلى الشام، وهو الذي عسكر به الجند عند ذهابهم إلى مؤتة


‏ رأينا فيما سبق العديد من الوحدات المعمارية التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وهو ما سيؤسس فيما بعد مكونات المدن الإسلامية الأولى .. وهذه الوحدات : هي المسجد الجامع، وتمثل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى جواره منازله، التي مثلها فيما بعد دار الإمارة، والسوق الذي اختير موقعه بناء على توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم، والخطط التي أقطعت للقبائل، وتحصين المدينة بالخندق، والذي مثلته فيما بعد الأسوار والأبراج.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Empty
مُساهمةموضوع: رد: تخطيط وعمارة المدن الإسلامية    تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Icon-new-badge5/2/2011, 23:11

الفصل الاول


أدت التطورات التي صاحبت حركة الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلى تأسيس عدد من المدن أو القواعد العسكرية، التي تحولت فيما بعد إلى مدن، وكان لتأسيس هذه القواعد أثره في تطور عمارة المدن الإسلامية، وأول هذه المدن هي البصرة التي أسسها عقبة بن غزوان سنة (12هـ/633م)، والكوفة التي أسسها سعد ابن أبي وقاص سنة (17هـ/638م)، والفسطاط التي أسسها عمرو بن العاص سنة (21هـ/642م)، والقيروان التي أسسها عقبة بن نافع (45 هـ/665م).‏


‏ وكان لتأسيس هذه المدن أثر هام في تثبيت أركان الدولة الإسلامية الناشئة، ويمثل تأسيس كل مدينة نهاية مرحلة، وبداية مرحلة أخرى من حركة الفتوحات الإسلامية، فبتأسيس الفسطاط انتهت مرحلة فتح مصر وبدأت مرحلة فتح المغرب الأدنى ثم الأوسط، وبتأسيس القيروان بدأت مرحلة إتمام فتح المغرب الأوسط والأقصى، وانفصال ولاية المغرب عن مصر.‏

‏ ويتشابه تخطيط هذه المدن إلى حد كبير .. ونلمح في هذا التشابه آثارا لخطط المدينة المنورة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يشير إلى مدى استفادة المسلمين من الخبرة المتراكمة في تطوير تخطيط مدنهم، والتي بلغت مرحلة متقدمة في تخطيط مدينة الفسطاط.‏


خطط الفسطاط ‏

‏ بدأ عمرو بن العاص أولى خطواته لتخطيط المدينة، بتشييد مسجده الجامع، والذي سمي في بعض الأحيان بالجامع العتيق، وبجامع عمرو بن العاص، ورغم صغر حجم الجامع، البالغ مساحته (25x‏15م)، إلا أنه كان أساس التنظيم العمراني للمدينة .. ففي شرق الجامع شيد عمرو دار الإمارة، والتي عرفت بدار عمرو الكبرى، وإلى جوارها بنى عبد الله بن عمرو دارا له، عرفت بدار عمرو الصغرى، وترك عمرو أمام داره فضاء أي ميدانا واسعا لموقف دواب الجند، من خيل وجمال وحمير، وأحاطت الأسواق بالمسجد.‏


‏ ولما وجد عمرو بن العاص أن القبائل تتنافس على المواضع المحيطة بالمسجد، اختار أربعة من قواده يمثلون القبائل الكبرى للفصل بين المتنافسين، وتقسيم الخطط بينهم، حتى لا تنشب نزاعات .. وهؤلاء الأربعة الذين أسندت إليهم هذه المهمة هم : معاوية بن صريح النجيبي، وشريك بن سمي القطيفي، وعمرو ابن قحزم الخولاني، وحويل بن ناشر السنافري، وباشر هؤلاء الأربعة توزيع القبائل على الخطط ، فأنزلوا الناس، وفصلوا بين القبائل.‏


‏ وعند هذا الحد ينتهي دور السلطات الإدارية بالمدينة، حيث يقف عند التخطيط العام والإشراف على المناطق الرئيسة، وقد تولت كل قبيلة بعد ذلك تقسيم خطتها بين أعضائها.‏


بلغ عدد القبائل التي اختطت بالفسطاط نحو ست عشرة ومائة خطة، ما بين قبائل وبطون، ما يلي:‏

‏- ثمان عشرة قبيلة وبطن من عدنان (عرب الشمال).‏

‏- ست وثمانون قبيلة وبطن من قحطان (عرب الجنوب).‏

‏- سبع قبائل من غير العرب.‏

‏- خمس قبائل خاصة.‏

‏ ومن الملاحظ على مواضع هذه الخطط، أن القبائل العدنانية اختطت جميعها إلى شمال الفسطاط، ومعظم القبائل القحطانية اختطت إلى جنوب الفسطاط، مما يرجح بأن هذه القبائل راعت في اختيار مواقعها بالفسطاط أن تكون متفقة مع موقع إقامتهم في بلادهم الأصلية بالجزيرة العربية ‏


‏ وأغلب الظن أن الخطط لم تكن متساوية في مساحتها، وأن كلا منها لم يكن حيا واسعا، بل قسمت الأرض حسب الظروف والحاجة، وعلى سبيل المثال : خطة عبد الرحمن بن ملجم التي أعطيت له بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، كانت دارا واحدة كبيرة، اتخذها ليعلم الناس فيها القرآن، في حين نجد خطة المعافرين تكاد تكون قدشغلت أغلب الجهة الشرقية من الفسطاط، بينما أخذت خطط الحمراوات ما يقرب من نصف مساحة الفسطاط جميعها أو أقل قليلا.‏


‏ وعلى ما يبدو فإن هندسة الخطة (أو شكلها) كانت أول الأمر بسيطة ، حيث تقيم القبيلة منازل لأفرادها على حدود خطتها، وتترك ما يدور عليه فضاء، وقد أخذ هذا الفضاء يضيق شيئا فشيئا. ونتيجة الهجرات المتصلة التي كانت تتوافد على القبائل المتمركزة، تحولت الفضاءات إلى تجمعات من المباني تتخللها الدروب والأزقة.‏


‏ وكانت كل خطة تحتوي على مرافقها الخاصة، بصورة مصغرة، وأول هذه المرافق مساجد الخطط. والمعروف أن أول ما بني بالفسطاط هو المسجد الجامع، وهو المسجد الرئيس الذي يجتمع فيه المسلمون جميعا، ويؤدون فيه فريضة الجمعة، ولكن كان إلى جانب هذا المسجد مساجد أخرى صغيرة خاصة بالقبائل، وتقع في داخل خطط تلك القبائل. ذلك أن عمر بن الخطاب لما فتح البلدان كتب إلى ولاة البصرة والكوفة ومصر يأمر كلا منهم أن يتخذ مسجدا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة.. فكان لكل قبيلة مسجدها الخاص في خططها، وربما أكثر من مسجد، وقد احتفظت المصادر بذكر العديد من مساجد قبائل الفسطاط، ومنها مسجد لخم، ومسجد عنزة بن ربيعة (، ومسجد مهرة، والمسجد الأبيض … الخ.‏


‏ وأصبحت هذه المساجد تعرف فيما بعد باسم مساجد الصلوات الخمس، ومن المعروف أن مسلمة بن مخلد أصدر أوامره عام (53هـ/672م)، إلى القبائل بأن تبني كل منها منارة لمسجدها ‏


‏ وقامت مساجد الخطط بدور كبير في حياة المدينة، لا سيما في العصور الإسلامية الأولى، فلم يكن المسجد مكان عبادة فحسب، وإنما كان مكان اجتماع ومدرسة علم، ومجلس حكم، ولذلك كان لكل قبيلة مجلس وربما مجلسين، مجلس في مسجد الخطة، وثان في المسجد الجامع. ومن هنا يفهم أن المجلس كان مرفقا حيويا للخطة، ففيه كان أبناؤها يجتمعون، وعلماؤها يعلمون، وقضاتها يحكمون، وربما عن طريق هذه المجالس كانت تبلغ التعليمات الرسمية وقرارات الوالي إلى القبائل ، كما كان في كل خطة منسوبة إلى قبيلة، ديوان أو سجل بالمقيدين في الجند الرسمي من أهلها، وفي دار الإمارة كان يوجد السجل العام أو الديوان، وهو إدارة إحصائية صغيرة تقوم بتسجيل العرب المشتركين في الجيش.‏


‏ وبالإضافة إلى مساجد القبائل الخاصة، كانت الخطط تحتوي على الأسواق الخاصة بها، وعلى المطاحن والأفران، بحيث تتوفر فيها الخدمات الخاصة بالحياة اليومية لسكانها، واحتوت بعض الخطط كذلك على حمامات عامة
‏ واتجه عمرو بن العاص منذ البداية إلى استكمال مرافق وخدمات المدينة، فأسرع في تخصيص مكان لدفن موتى المسلمين، كما فطن إلى أهمية حفر القناة القديمة التي كانت تصل النيل بالبحر الأحمر، ولما كان هذا الخليج قد طمس في كثير من أجزائه عند فتح المسلمين لمصر، فقد استأذن عمرو الخليفة عمر في إعادة شقه، فسمح له، وسمي بخليج أمير المؤمنين، وجرت فيه السفن، ووصلت إلى الحجاز محملة بالغلال والعروض وأنواع الطعام‏


‏ لم يفكر عمرو وصحبه في إحاطة عاصمتهم الجديدة بسور، ولم يتخذوا من حصن بابليون مركزا للدفاع كما كان الحال أيام البيزنطيين، إذ تحول الحصن بمرور الوقت إلى خطة من خطط الفسطاط، وقد اكتفى عمرو بن العاص باختيار موقع محصن تحصينا طبيعيا لتأسيس الفسطاط، إذ تحميه التلال من الشرق والجنوب، ويحميه مجرى مائي طبيعي هو نهر النيل، الذي كان في الوقت نفسه يصل بين الشمال والجنوب، ولم يبق من الفسطاط غير جانب واحد مفتوح، هو الجانب الشمالي، ولم يهتم عمرو بتحصين هذا الجانب، وربما كان السبب في ذلك أن عمرا لم يخش تعرضه للأخطار من هذا الجانب، نظرا إلى أن الطريق إليه يمر بأقطار يحكمها العرب، كما أن هذا الجانب كان المجال الطبيعي لامتداد المدينة ونموها فيما بعد.‏


‏ وسمح عمرو بن العاص لبني وهدان ومن والاهم أن يقيموا على الضفة الغربية من النيل، حيث بنى لهم حصنا في الجيزة يعتصمون به عند الخطر، وشرع في بناء الحصن سنة (21هـ/642م)، وأتمه سنة (22هـ/643م)، ومن المحتمل أن عمرا كان يهدف من وراء ذلك إلى زيادة تأمين الجانب الغربي من مدينة الفسطاط‏


‏ وقد أشارت المصادر التاريخية إلى نوع من المنشآت في الفسطاط أطلقت عليه اسم "المحارس"، ومنها محرس عمار، ومحرس بنانة، ومحرس الحريص، ومحرس النخل، ومحرس قسطنطين .. ويرجح أن هذه المحارس كانت عبارة عن مبان بسيطة في وسط خطط القبائل أو على حدودها، ويعمل بها رجال يتولون حراسة خطة كل قبيلة، أو أنها كانت نقاط متفرقة في المدينة لغرض إقامة الجند، ولكنها لم تكن حصونا أو قلاعا كبيرة .. وأرى أن هذه المحارس تطورت وأصبحت بوابات على رأس كل خطة أو زقاق، عليها حارس طوال الليل، وهو ما شاع في العديد من المدن الإسلامية ومنها القاهرة.‏


‏ ويتبقى لنا من مرافق المدينة الإسلامية "بيت المال" -باعتباره من أهم مرافق الدولة- حيث تتجمع فيه أموال الزكاة والجزية والخراج، وغيرها من الضرائب التي تفرضها الدولة لتمول بها مشروعاتها، وتسد بها نفقاتها المختلفة، كان هذا "البيت" في معظم الأحيان يقام بجوار المسجد الجامع، وأحيانا أخرى ملاصقا له من ناحية جدار القبلة، حتى يكون في مأمن من الطامعين وأيدي العابثين.‏


‏ تذكر النصوص التاريخية أنه عندما بلغ عمر بن الخطاب، أن بيت مال المسلمين في الكوفة امتدت إليه أيدي بعض الناس ونقبوا على ما فيه، كتب إلى أميرها سعد ابن أبي وقاص يأمره أن يعيد بناءه قويا متينا، ويجلعه ملاصقا لمسجدها وقال : "اجعل الدار قبلته، فإن للمسجد أهلا بالنهار وبالليل، وفيها حصن لمالهم"


‏ وكانت هيئة السوق في المدن الإسلامية المبكرة بسيطة، فكانت عبارة عن مساحة فضاء بجوار المسجد، يعرض فيها كل تاجر بضاعته وسلعه على الأرض، وفي المكان الذي يصل إليه قربا أو بعدا عن المسجد، لأنها منطقة خالية من المباني، فلم تكن الخلافة في هذا الوقت المبكر تسمح بإقامة أية مبان في هذه المساحة الفضاء، ولا أن يحتكر النزول في مكان محدد منها تاجر معين، ولكن المنطقة كلها مفتوحة أمام جميع التجار، كل حسب جهده وأسبقية وصوله إلى الموضع الذي يريد، تنفيذا لرغبة عمر بن الخطاب الذي كان يرى أن "الأسواق على سنة المساجد، من سبق إلى مقعد فهو له حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ من بيعه"‏


‏ وقد نشأ عن ذلك في فقه العمارة الإسلامية، باب عرف بحق الاختصاص، وهو عبارة عما يختص مستحقه بالانتفاع به، ولا يملك أحد مزاحمته فيه، وتدخل تحت ذلك صور متعددة، منها : مرافق الأسواق المتسعة التي يجوز البيع والشراء فيها، كالدكاكين المباحة ونحوها، فالسابق إليها أحق بها …‏


وفي مجموع الفتاوى : "ويجوز الارتفاق بما بين العامر من الشوارع والرحاب الواسعة، بالقعود للبيع والشراء … فإن من سبق إليه فهو أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم : "منى مناخ من سبق" (رواه الترمذي، وقال : حسن صحيح)، وله أن يظلل بما لا يضر المارة".‏


وهذا الحق، حق الاختصاص، تبلور ليقنن وضع أرباب المقاعد في أسواق المدن الإسلامية‏

ومما سبق نستطيع أن نستخلص العديد من النقاط التي أثرت في عمارة المدن الإسلامية في الفترات الزمنية التالية وهي:‏

‏ 1 . أن تدخل السلطات في الشؤون الإدارية للمدينة، يقف عند حد الخطة المركزية لها، والتي تشتمل على المسجد الجامع، ودار الإمارة، وبيت المال، والسوق، والشوارع الرئيسة.‏

‏ 2 . أن تقسيم الأحياء من الداخل يتعلق بالقاطنين فيها، وفي ذلك يتحمل المجتمع داخل الحي إدارة نفسه بنفسه.‏

‏ 3 . أصبح توفير المرافق بكل حي مسؤولية القاطنين فيه، فإدارة المدينة بنت المسجد الجامع، والقاطنين في الخطة أو الحي بنوا مسجد خطتهم، وكان لهم مجلس يجتمع كبراؤهم فيه، للبت فيما يتعلق بشؤون الحي.‏


‏ وفي ذلك توزيع للمسؤولية، مسؤولية إدارة المدينة بصفة عامة، فالإدارة العامة تقع على عاتق والي المدينة، وإدارة شؤون الأحياء تقع على عاتق القاطنين فيها، ومثل هذا النوع من توزيع المسؤولية، يولد تفاعلا بين الناس وبيئتهم العمرانية، تفتقده المدن المعاصرة، ويعمق الإحساس بالمسؤولية لدى كافة أفراد المجتمع وقد اشتق توزيع المسؤوليات هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه.‏


‏ وتأثرت المدن القديمة التي فتحها المسلمون بهذا المنهج، وخاصة بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عند دخوله المدينة المنورة، وكيفية تعامله مع عمران المدينة، فترك ما لا يخالف الشرع على حاله، وبنى منشآت جديدة تتلاءم مع وظيفة المدينة كمدينة إسلامية، كما واءم المنشآت القديمة كي تستجيب لهذه الوظائف.‏

‏ وتبلور من هذا كله، رؤية واضحة في الفكر العمراني الإسلامي لدى علماء السياسة الشرعية، فتحدثوا عن الضوابط الواجب مراعاتها عند اتخاذ المدن والحواضر وإنشائها، وفقا لشروط دقيقة، فمثلا يرى ابن خلدون أن من شروط اختيار مواقع المدن ما يأتي:‏


‏ · أن تحاط بسور يدفع المضار.‏

‏ · أن تحتل موضعا متمنعا من الأمكنة، على هضبة أو على نهر، أو باستدارة بحر … إلخ وهذا ما فعله عمرو بن العاص حين اختار موضع الفسطاط.‏

‏ · مراعاة اتخاذ الموقع الذي يتمتع بطيب الهواء، للسلامة من الأمراض.‏

‏ · جلب الماء، بأن يكون البلد على نهر، أو بإزائه عيون عذبة.‏

‏ · طيب المراعي لسائمتهم.‏

‏ · مراعاة المزارع، فإن الزروع هي الأقوات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
theredrose

theredrose



تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Empty
مُساهمةموضوع: رد: تخطيط وعمارة المدن الإسلامية    تخطيط وعمارة المدن الإسلامية   Icon-new-badge5/2/2011, 23:13

ويفصل ابن الأزرق ما تحدث عنه ابن خلدون، فيشير إلى أن ما يجب مراعاته في أوضاع المدن، أصلان مهمان : دفع المضار، وجلب المنافع .. ثم يذكر أن المضار نوعان : أرضية : "ودفعها بإدارة سياج الأسوار على المدينة، ووضعها في مكان ممتنع، إما على هضبة متوعرة من الجبل، وإما باستدارة بحر أو نهر كما رأينا في الفسطاط، حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة، فيصعب منالها على العدو ويتضاعف تحصينها".‏


والنوع الثاني من المضار سماوي، ودفعه باختيار المواضع الطيبة الهواء، لأن ما خبث منه بركود، أو تعفن بمجاورته لمياه فاسدة، أو مناقع متعفنة، أو مروج خبيثة، يسرع المرض للحي وان الكائن فيه لا محالة، كما هو مشاهد بكثرة.‏

‏ ويكشف عن أن هناك علاقة طردية بين كثرة ساكني البلد وحركة الهواء فيها، ويضرب لذلك مثلا بقابس، التي كانت عند استبحار العمران بإفريقية، كثيرة السكان، فكان ذلك معينا على تموج الهواء وتخفيف الأذى عنه، فلم يكن فيها كثير عفن ولا مرض، وعندما خف ساكنوها ركد هواؤها المتعفن، بفساد مياهها، فكثر العفن والمرض وبين ابن رضوان الطبيب أثر ركود هواء الفسطاط على أهلها وطباعهم، التي اتسمت بالجبن وقلة الكرم


والأصل الثاني عند ابن الأزرق، وهو جلب المنافع، إنما يكون بمراعاة أمور منها:‏

‏ · توفر الماء، كأن يكون البلد على نهر، أو بإزائه عيون عذبة، لأن وجوده كذلك يسهل الحاجة إليه، وهي ضرورية.‏

‏ · طيب المرعى للسائمة وقربه، إذ لابد لذي قرار من دواجن الحيوان للنتاج والضرع والركوب، ومتى كان المرعى الضروري لهذا كذلك، كان أوفق من معاناة المشقة في بعده.‏

‏ · قرب المزارع الطيبة، لأن الزرع هو القوت، وكونها أسهل في اتخاذه وأقرب في تحصيله، والشجر للحطب والخشب، فالحطب وقود للنيران، والخشب للمباني.‏

‏ · وقربه من البحر لتسهيل الحاجة القصية من البلاد النائية .. ولا خفاء في أن هذه الأمور تتفاوت بحسب الحاجة، وما تدعو إليه ضرورة الساكن


‏ وإذا كانت هذه الشروط واجبة الاعتبار بالنسبة لاختيار مواقع المدن بصفة عامة، فقد أشار الفكر العمراني الإسلامي إلى اعتبارات خاصة تجب مراعاتها بالنسبة لاختيار مواقع المدن الساحلية، منها : "أن تكون في جبل، وبين أمة موفورة العدد، ومتى لم تكن كذلك، طرقها العدو البحري في أي وقت أراد، لأمنه إجابة الصريخ لها، وعدم غناء حضرها على الدعة في الدفاع". ويضرب ابن خلدون مثلا لذلك بالإسكندرية في المشرق، وطرابلس وبرقة وسلا في المغرب، ثم يشير إلى أن المدينة البحرية إذا كانت متوعرة المسالك وحولها القبائل بحيث يبلغهم الصريخ، تمنعت بذلك من العدو، ويئس من طروقها كما في سبتة وبجاية .. وفي ضوء هذا الاعتبار يفسر لنا تسميته الإسكندرية "الثغر"، في عهد الدولة العباسية، وهي التسمية التي تطلق على البلاد التي على الحدود، رغم أن الدعوة كانت من ورائها لبرقة وإفريقية، اعتبارا للمخافة المتوقعة فيها من البحر لسهولة وضعها، الذي أغرى الأعداء بمهاجمتها هي وطرابلس عدة مرات



‏ لقد نضجت كتابات علماء السياسة الشرعية في مجال عمران المدن، وحددوا الأسس التي يجب أن يراعيها الحاكم عند إنشاء أية مدينة، ومن هذه الأسس ما ذكره ابن أبي الربيع في مؤلفه الشهير "سلوك المالك في تدبير الممالك"، وهي:‏

أحدها : أن يسوق إليها الماء العذب للشرب، حتى يسهل تناوله من غير عسف.‏

الثاني : أن يقدر طرقها وشوارعها، حتى تتناسب ولا تضيق.‏

الثالث : أن يبني فيها جامعا للصلاة في وسطها، ليقرب على جميع أهلها.‏

الرابع : أن يقدر أسواقها بكفايتها، لينال سكانها حوائجهم من قرب.‏

الخامس: أن يميز قبائل ساكنيها، بأن لا يجمع أضدادا مختلفة متباينة.‏

السادس: إن أراد سكناها فليسكن أفسح أطرافها، وأن يجعل خواصه كنفا له من سائر جهاته.‏

السابع : أن يحوطها بسور، خوف اغتيال الأعداء، لأنها بجملتها دار واحدة.‏

الثامن : أن ينقل إليها من أهل الصنائع بقدر الحاجة لسكانها

‏ يتضح من كلام ابن أبي الربيع، المتوفى سنة 272هـ ، مدى الفهم المقرون بالتحليل المنطقي في أسس إنشاء المدن، ففي سوق المياه للمدينة للشرب، لتسهيل مهمة الحصول عليه "دون عسف"، دليل على وصول المخطط الحضري إلى مرحلة الحرية في اختيار الموقع المدني، متخطيا ما يسمى بالحتمية الطبيعية (Determinism‏)، التي تحتم على المخطط أن يبني مدنه بالقرب من وديان الأنهار، والمواقع ذات الثروات الطبيعية


‏ فابن أبي الربيع يشترط على الحاكم لعمارة المدينة، التي قد يكون موقعها بعيدا عن مصادر المياه، أن يجلب الماء إليها، وهو ما حدث فعلا في العديد من المدن الإسلامية، فقد جلب المسلمون الماء إلى مدينة مدريد من تلال بها مياه جوفية، تبعد عن المدينة بما يتراوح بين سبعة واثني عشر كيلو مترات، وذلك في قنوات تجري بها المياه في انحدار متدرج، يسمح بجريان الماء إلى المدينة. ويتراوح الفرق بن سطح الأرض عند الآبار الأولى التي توجد فيها القنوات الجوفية، وسطحها في وسط المدينة، بين ثمانين ومائة متر .. لذا لم يكن من الغريب أن يطلق الأندلسيون على مدينتهم الجديدة لفظا مثل : (مجريط)، وهو مركب من كلمة (مجرى) العربية، ومن تلك النهاية اللاتينية الدارجة (…يط)، التي تدل على التكثير، فمعنى الكلمة إذن (المدينة التي تكثر فيها المجاري)، والإشارة هنا إلى المجاري أو القنوات المائية الجوفية، التي كانت تحمل الماء إلى سكان المدينة.‏

واستخدمت في مراكش هذه الفكرة على يد مهندس أندلسي يدعى عبد الله بن يونس.‏

‏ والواقع أن المتأمل في كتب الرحلات الجغرافية، يعجب كثيرا مما توصف به مراكش من التمدن والعمران، واتساع الزروع وكثرة الماء والشجر والثمر فيها، فهي مدينة لا تقع على نهر كبير، ولا تكاد السماء تمطر فيها إلا قليلا، ومع ذلك فقد كانت أشبه بواحة خضراء في وسط صحراء جرداء مقفرة.‏

‏ ولكن الإدريسي استطاع أن يكشف لنا عن سر هذه المدينة، التي مازالت تعد من أجمل مدن المغرب وأكثرها إشراقا ونضرة .. ويكمن السر في هذا الماء، الذي عرف المهندس ابن يونس كيف يولده من باطن الأرض، ومازالت هذه الشبكة الواسعة من القنوات الجوفية باقية في مدينة مراكش، ويبلغ عددها 350 قناة، يصل طول كل منها إلى نحو خمسة كيلو مترات، على أن الإهمال قد لحقها وبطل استعمال عدد منها


‏ · أما الشوارع، فيرى ابن أبي الربيع، أن تقدر بصورة تناسب الاستخدام البشري، ووسائل النقل المتاحة آنذاك، والتي كانت إما دوابا، أو بواسطة الإنسان نفسه، ولذا فإن من درسوا المدن الإسلامية وعابوا عليها ضيق شوارعها، درسوها من منظور المتطلبات المعاصرة لحركة النقل، ولم يراعوا طبيعة العصور التي شيدت فيها هذه المدن .. ثم إن العلاقة بين الشارع أو الحارة أو الزقاق والقاطنين فيه، علاقة ترابطية تراحمية، فالشارع في المدينة الإسلامية، مرتبط بالعقار ومالكيه، على عكس ما عليه الحال في المدن المعاصرة، حيث إن الشارع مسؤولي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تخطيط وعمارة المدن الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اسماء مدن العراق , اسماء مدن العراق ومعناها , أسماء المدن العراقية ، أصولها ومعانيها , أسماء المدن والمناطق العراقية , أسماء المدن والمواقع في العراق
» وظائف هيئة المدن الصناعية 1434 , وظائف شاغرة فى هيئة المدن الصناعية 2013 ’ رابط شروط وتفاصيل التقدم فى وظائف هيئة المدن الصناعية 1434
» القتال فى الاسلام , العسكرية الأسلامية , فنون قتالية باخلاق إسلامية . العسكرية الإسلامية في الحضارة الإسلامية
» كاريكاتير مليونية تطبيق الشريعة الإسلامية, صور مضحكة على مليونية تطبيق الشريعة الإسلامية , كاريكاتيرات عن مليونية تطبيق الشريعة الإسلامية على الفيس بوك وتويتر
» وظائف شاغرة فى الشؤون الإسلامية 1434 , شروط وتفاصيل وظيفة هندسية وفنية الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عن طريق الخدمة المدنية 1434

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اربد :: منتدى الاسرة :: منتدى الاسرة :: ديكورات و عقارات-
انتقل الى: