طفل صغير بريء مسكين أسمته أمه "هشام" ... وأسمته الحياة مسميات أُخَر ... مع آخر لقاء ودّع فيه أمه ... ودّع الحنان والآمان وشيئاً شيئاً اسمه الذي اختارته له! بعد رحيلها بقي "هشام" برفقة والده "سمير" ... هذا الرجل أحواله تسوء يوماً بعد يوم ... فخشونة العيش تنشب أظفارها في زوره حتى طالت فلذة كبده "هشام" ... وبدأت وتيرة القسوة والضرب والشتم والحرمان والتهديد والوعيد تزداد مع الأيام على ذاك الطفل المسكين ... رغم هذه القسوة القارصة ... لا سبيل أمامه إلا الصبر والبكاء ... لكن فظاظة والده ما عادة تطاق ... فهو فضلاً عن شتى مذاقات الضرب يكثر من شتمه ونعته بأقبح المسميات والصفات ... حتى بدا اسمه كغمامة في السماء تتلاشي دواليك ليحل محلها سماء دالكة السواد
تعال يا حمار! افعل يا كلب! لماذا نسيت يا غبي! افهم يا تيس! اهدأ يا قرد! .................. ...................
وعلى اختلافها تلك الصفات القذرة ... تبقى كلمة "حمار" هي الأكثر إلزاما لهذا الطفل الصغير ... فوالده يكثر من مناداته بـ"الحمار" بشكل مكثف لا يطاق ... إلا أن الأمر الأسوأ من ذلك أن والده لا يكفّ عن ذلك حتى في حضرة الضيوف وأمام أقران سنه من الأطفال ... فكأنه بذلك ينسف شخصيته نسفاً على مسلخ براءته ... الأمرّ من ذلك كله ،، أن والد الطفل خرج ذات يوم إلى ولدان حيه وقال لهم أتعلمون من هذا ؟؟ ... إنه "الحمار" ... اسمه "حمار" ... فضحك الأطفال وضحك الأب معهم ... وهكذا تحطمت شخصية الطفل المسكين كما تحطم قلبه داخل جوفه ... فعاند قهره وهوانه بينهم بابتسامة صفراء يجاري بها ضحكاتهم القاتلة ... سريعاً أخذ هذا اللقب الشنيع الذي دمغه عليه والده .. يتفشى بين أطفال جيرانه وزملاء كراسه ... ككابوس مزعج يلاحق الطفل ... حتى هو ،، نسي اسمه وأصبح يُعرّف نفسه بهذا اللقب! ...
"هشام" بنظر ولدان حيه ليس كأي طفل معهم بكل تأكيد ... فهو أدنى منهم منزلة ... ولا يرون فيه إلا ولد مغلوب على أمره منزوع الكرامة ... وما كانوا يفضلون التقرب منه ... وعادة ما تراه في الحارة أو المدرسة يمشي وحيداً ... حتى أن كثيراً منهم كانوا يرفضون اللعب معه ... ولا يرون فيه نداً لهم ...... إلا بعد وابل من التوسلات والتذلل لهم ... وما أن تصدع رؤوسهم بكثرة توسله حتى يوافقون بإشراكه في اللعب معهم وهم مستكبرون ... ليكون دوره في اللعبة ... كما أراده له والده ..."الحمار"! ... فمن غيره يقبل بهذا الدور؟!! ... يربطون يده بحبل ... وقد يصل الأمر بأحدهم بامتطائه ... ويمسك آخر عصاً يضربه بها ... وكأن جسده النحيل ينقصه المزيد من طوابع العصا!! ... وبكم ذاك القهر ... يبقى أمر مصارعة الدموع في عينيه الأصعب عليه ... لكن ،، لا خيار لديه فلو رفض اللعب هكذا لبقي وحيداً ...
"هشام" أو "الحمار" ،،، اللقب الذي يداوله الجميع كان دائماً مرقع الثياب ... متسخ ذو رائحة غير مرغوبة ... وهذا ربما من أكثر الذرائع التي يأخذها أولاد حيه سبباً لعدم رغبتهم بالمشي معه ... يمشي بلا حذاء وبأحسن الأحوال بحذاء بالٍ يلتقطه من الحاوية بعدما يتخلى عنه ابن جيرانه الطفل "كريم" ...
قرار جديد!! ... دخل الأب يوماً إلى طفله وقال له مزمجراً ...
هي!! يا ولد،، إلى متى ستبقى هكذا؟ إلى متى ستبقى عديم الفائدة؟!! في المدرسة أنت درج على درج! ألا تخجل من نفسك يا "حمار"؟! قد مللت منك ،، لا تقن سوى العويل والبكاء ستخرج من المدرسة فلا فائدة من وجودك فيها ... وستعمل في الشارع ،، فنحن في أمس الحاجة لقرش واحد! بائع علكة أو أي شيء ....... المهم أن لا تبقى في وجهي كالحمار هكذا
إذن ،، هي نكسة جديدة في حياة هذا الطفل المسكين الذي بالكاد لديه من العمر عشرة ربيعاً ... وبالفعل خرج الطفل للشارع كي يعمل ... رغم القسوة التي ذاقها بالمدرسة من ضرب وشتم لأنه ولد ضعيف التحصيل فيها ... خانته عيناه بالدموع وهو يرى زملاء صفه يتجهون للمدرسة دونه ...وهم ينظرون له ويضحكون ويهزئون منه ... بينما هو في الشارع يتوسل هذا وذاك ليشتروا منه ...
بعد يوم طويل وشاق في العمل ... جلس الطفل ذات مرة بجوار متجر لبيع الأحذية ... شاهد حذاءاً معروضاً خلف الزجاج ... أعجبه جداً وتمناه ... نظر إلى حذائه الممزق وقال "ليتني أفتح عيناي فأرى هذا الحذاء الجميل بدلاً منك" ... ثم ابتسم ابتسامة صفراء وقال "حلمي ليس بالمستحيل فقد يشتري هذا الحذاء كريم ويرميه لي بعد عدة شهور وقد ضاق ذرعاً من التلف ... إذن،، حلمي يتوقف على إقناع كريم بشرائه!! " ... ثم عاد للبيت وأعطى والده كل ما جمعه من مال ... وجلس مهموماً فما زال ذاك الحذاء يشغل تفكيره ... وبدأ يقلب المسألة في عقله علّه يجد سبيلاً للحصول عليه ... قال لنفسه ،،،
"أأقول لوالدي ليشتريه لي؟؟ ... لا لا لا مستحيل أن يقبل ... كما أني أخشى أن يضربني" ... ثم تأفف ،، وقال "هل علي كل يوم أن أعطي والدي المال كله الذي أحصل عليه ... ماذا لو خبأت كل يوم قرشاً أو قرشين ... وما هي إلا شهور ويصبح معي ما أشتري به الحذاء"
بالفعل قرر الطفل أن يخبأ عن والده شيئاً مما يجمع كلما تسنت له الفرصة في غفلة والده ... وما إن جمع مالاً ظن أنه قد يكفي انطلق مسرعاً إلى نفس المكان الذي رأى فيه الحذاء ... وهناك كانت الصدمة! ... الحذاء ليس في مكانه .. أين الحذاء؟! ... دخل الطفل إلى المتجر ووجد رجلاً كبيراً فيه ..
قال له : يا عم كان هنا حذاء أين ذهب؟
البائع : أين يا ولدي? لا أذكره!!
الطفل : كان هنا بلى .. كان هنا!
البائع : اممم قد يكون بيع يا ولدي ... صف لي إياه منذ متى رأيته ؟!!...
الطفل (والدموع تصارع عينيه) : لاااا! ... أرجوك يا عم أنا جئت لأشتريه .. كان لونه أبيض ومخطط بخطوط سوداء رأيته منذ ثلاث شهور
البائع : هههههههه أتظنه يبقى بعد ثلاث شهور؟!! حسناً يا ولدي امسح دموعك تعال معي إلى المستودع قد نجد شبيهاً له
بحث البائع والطفل ملياً ... حتى نفلا المستودع رأساً على عقب ... وبعد طول بحث وجد الطفل أخيراً حذاءاً كالحذاء الذي تمناه بالضبط ... والمدهش أيضاً أنه كان القطعة الأخيرة وعلى مقياس قدم الطفل بالضبط ... بعدما احمرت عينا الطفل بالدموع ... خرجت ضحكات وبسمات من صميم قلبه تبرد نار حزنه ... ثم أعطى الطفل البائع كل المال الذي جمعه ... نظر البائع للنقود وقال لنفسه مسكين هذا الطفل! ... إن هذا المال لا يفي بنصف ثمن الحذاء ... لكني لن أكسر فرحته وتلهفه الشديدة على هذا الحذاء ... خرج الطفل والفرحة تحلق به ... واخذ يلوح بحذائه كطائرة كي يراه الجميع ... وعمل بجد واجتهاد أكثر من أي يوم والبسمة تفترش وجهه ...
وعندما عاد للبيت قبل مجيء والده ... وضع حذائه أمام عينه وأخذ يتملى منه لعدة لحظات وهو يقول في نفسه "أحقاً هذا الحذاء جديد ... أحقاً غير مهتريء ونظيف ... أحقاً لم يلبسه كريم قبلي" ... ثم قال " نعم .. نعم إنه لي وليس لأحد غيري" ... ثم أمسك قلماً بيده الصغيرة وبخط طفولي بريء سجل عليه اسمه "الحمار سمير" ليعلم كل من يراه أنه له ليس لغيره ....!! ومع حلول المساء عاد أبوه للبيت فوجد طفله نائماً مبتسماً وفي حضنه حذاء مكتوب عليه "الحمار سمير" ... فاستشاط الأب غضباً ... وسحب الحذاء من بين يديه ... وأخذ يضربه به ضرباً مبرحاً شرساً همجياً بشكل ما عهده الطفل المسكين من قبل ... حتى تقطع الحذاء بين يديه إرباً إرباً ... وهو يصرخ ويقول "أنا حمار يا كلب ... أنا حذاء يا حقير "
فنظر الطفل لوالده قبل أن يغشي عليه وقال له ،،،
أسف ،، أسف ،، أسف يا أبي لم أقصد ! لكني ما علمت اسماً لي غير "الحمار"
فهلا اخترت لي اسما ... يشرف اسمي واسمك ... ويحفظ أول حذاء اشتريته في حياتي!!
|||||||||||
حديث ،،،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ~أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم فإن أولادكم هدية الله لكم~
|||||||||||
رسالة،،،
إكرام الأبناء ،،، إكرامٌ للآباء
theredrose
موضوع: رد: قصة ~ و حديث ~ و رسالة 4/2/2011, 23:09
ولووووووووووووووووووووووو معقول في هيك قسوة وفعلا ربي ابنك على الصحيح يبقى صحيحا مدى الحياة
موضوع: قصة ~ و حديث ~ و رسالة 
4/2/2011, 22:31
