أنا ما تشاء : أنا الحقيرْ صبّاغ أحذية الغزاة ، وبائع الدم والضمير للظالمين . أنا الغراب يقتات من جثث الفراخ . أنا الدمار ، أنا الخراب ! شفة البغي أعف من قلبي ، وأجنحة الذباب أنقى وأدفأ من يديّ . كما تشاء .. أنا الحقير ! لكنَّ لي من مقلتيّ ـ إذا تتبَّعتا خطاك وتقرّتا قسمات وجهك وارتعاشك ـ إبرتينِ ستنسجان لك الشراكْ وحواشي الكفن الملطخ بالدماء ، وجمرتينِ تروّعان رؤاك إن لم تحرقاك ! وتحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة فتند آهتك المديدة وتقول : أصبح لا يراني .. بيد أن دمي يراك إني أحسّك في الهواء وفي عيون القارئين . لِمَ يقرؤون وينظرون إليّ حيناً بعد حين كالشامتين ؟ سيعلمون من الذي هو في ضلال ولأيّنا صدأ القيود .. لأيّنا صدأ القيود .. لأيّنا .. نهض الحقير وسأقتفيه فما يفرّ ، سأقتفيه إلى السعير . أنا ما تشاء : أنا اللئيم ، أنا الغبيّ ، أنا الحقود أنا حامل الأغلال في نفسي ، أقيّد من أشاء بمثلهنّ من الحديد ، وأستبيح من الخدود ومن الجباه أعزَّهنّ ، أنا المصير ، أنا القضاء . الحقد كالتنور فيّ : إذا تلهّب بالوقود ـ الحبر والقرطاس ـ أطفأ في وجوه الأمّهات تنورهنّ ، وأوقف الدم عن ثديّ المرضعات . في البدء كان يطيف بي شبحٌ يقال له : الضمير أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير . شبحٌ تنفس ثمّ مات واللص عاد هو الخفير . في البدء لم أكُ في الصراع سوى أجير كالبائعات حليبهنّ ، كما تؤجّر ـ للبكاء ولندب موتى غير موتاهنّ ـ في الهند النساء . قد أمعن الباكي على مضضٍ ، فعاد هو البكاء ! الخوف والدم والصغّار ، فأي شيء أرتجيه ؟ فعلى يديّ دمٌ وفي أذنيّ وهوهة الدماء وبمقلتيّ دمٌ ، وللدّم في فمي طعمٌ كريه ! أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير وانسَ الجريمة بالجريمة والضحية بالضحايا . لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه وتستطير لفرط رعبك أو لفرط أساك .. واحتضن الخطايا بأشدّ ما وسع احتضانٌ تنجُ من وخز الخطايا . قوتي وقوتُ بنيّ لحمٌ آدمي أو عظام فليحقدنّ علي كالحمم المستعرة ، الأنام كي لا يكونوا إخوةً لي آنذاك ، ولا أكون وريث قابيل اللعين سيسألون . عن القتيل فلا أقول : " أأنا الموكل ويلكم بأخي ؟ " فإن المخبرين بالآخرين موكلون ! سحقاً لهذا الكون أجمع وليحل به الدمار! مالي وما للناس ؟ لست أباً لكل الجائعين وأريد أن أروي وأشبع من طوىً كالآخرين فلينزلوا بي ما استطاعوا من سباب واحتقار لي حفنة القمح التي بيدي ودانية السنين ـ خمسٌ وأكثر .. أو قلَّ ـ هي الربيع من الحياة فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة روحَ النماء ، وبالبيادر وانتصار الكادحين فليحلموا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع إني سأحيا لا رجاء ولا اشتياق ولا نزوع لا شيء غير الرعب والقلق الممض على المصير ساء المصير ! رباه إن الموت أهون من ترقُبه المرير ساء المصير : لِمَ كنت أحقر ما يكون عليه إنسانٌ حقير ؟!