يا لشدّة لطافة المواقف الأمريكية حين يتعلّق الأمر بحلفائها، وباللغة العربية: بأتباعها. القاهرة وشقيقاتها المصريات تشتعل غضبًا واحتجاجًا مطالبةً بالخبز والعمل والكرامة والحرية بتنحي مبارك عن السلطة، فتبطش السلطة بهم؛ تقتل، تعتقل وتحظر حقهم في التعبير، بل وتحجب عنهم عددا من وسائل الاتصال على الانترنت. فكيف تردّ واشنطن؟ تدعو الى "ضبط النفس"، وكأن الأمر حرب بين جيشين، وليس بطش لسلطة بمواطنين. اما خطاب الحريّات الامريكي الطويل فيختفي خلف متاريس النفاق والمصالح.
في الأمس القريب، رأينا الموقف الأمريكي من احتجاجات مواطنين في ايران. يومها لم يدعم نظام البيت الأبيض الاحتجاجات فحسب، بل عمل جاهدًا لتسعيرها وتصعيدها واستثمارها لضرب الدولة الايرانية. وفي لبنان الآن، حين خرج مناصرو تيار "المستقبل"، حبيب واشنطن، وصل الانضباط في التصريحات الأمريكية لدرجة البُكم، رغم أن هذا الاحتجاج جاء ضد قرار ديمقراطي تتخذه أغلبية. أما حين احتجّ التيار الثاني في لبنان، الذي تجتمع فيه المقاومة واليسار وتيارات وطنية اخرى، فقد اعتبر البيت الابيض الأمر انقلابا وشغبًا، وشغّل أمواله وسفارته 24 ساعة للتحريض ودبّ الفتنة والشقاق.
فجر أمس، ألقى الرئيس الأمريكي خطابًا مليئًا بالنفاق عما يحدث في تونس مستخدمًا جميع مفردات الحقوق. والسبب بسيط، لأن ثورة تونس اندلعت بعيدًا عما تطاله اليد الأمريكية العنيفة. لقد فاجأت ثورة تونس واشنطن. وربما لو تنبأت بها لكانت عملت، كعهدها، على وأدها قبل أن تخلق! لكن أوباما لم يُشر في خطابه ولو بكلمة الى قمع شباب مصر الغاضبين المطالبين بحقوق أساس تتشدّق واشنطن بالدعوة (الكاذبة) اليها.
إن الشعوب العربية بدأت تكسر بقوّة وببسالة حواجز الخوف. هذا ما صنعه التوانسة الأبطال، وهو ما يقوم به أبناء مصر "أم الدنيا"، ولم يعد بالامكان وقف هذه الحركة الثورية، حركة الشعوب. وهذا درسٌ لكل من يئس فاختار التوجه الى قصور وخزائن أمريكا وأوروبا العليا بحثًا عن"التغيير"، بدلا من الالتصاق بمطالب وقوى الشعوب الهائلة، والتي لا تقف أية سلطة أمامها حين تدوس حواجز الخوف وتنطلق نحو حريتها.