شكرًا لشعب تونس.
لا يُقالُ شكرًا لشعب على إرادته الحرّة وبسالته ووعيه، فهذا هو واجب كل شعب حرّ؛ على هذا نقول لتونس: تحيّة، على وقع نبض القلب وباتساع تفاؤل العقل معًا.
لكننا نقول شكرًا لشعب تونس لأنه هزّ الأرض تحت المسلّمات الانهزامية الخانقة والكالحة.
شكرًا لأنه كسر الاعتقاد الشائع والمشبوه بأن سبات شعوب العرب مؤبّد.
شكرًا لأنه عزّز الايمان بالإنسان العربي، هذا الذي يجتهد أصحاب المصالح الكبيرة لتصويره قطيعًا فاقد البصر والبصيرة.
شكرًا لأنه أثار التساؤل والأمل مجددًا لدى من يئسوا من فكرة "إن الشعوب اذا هبّت ستنتصرُ".
شكرًا لأنه زرع بذرة التشكيك المباركة لدى المقيّدين في سجن الايمان المطلق بأن الثورات جزءٌ من تاريخ غابَ ومضى.
شكرًا لأنه استطاع بصدور ابنائه وبناته التي "تتنفّس حريّة" وبأيديهم العزلاء، بعث الرعب في قصور حكّام القمع العرب المدجّجة بشتى وسائل البطش.
شكرًا لأنه أضاء لحشود الملايين العرب نقطة دافئة حديثة من النور في نهاية النفق الذي تزّجهم فيه الطغمات الحاكمة، وسيرتشدون بهذا النور يومًا لا محالة.
شكرًا لأنه حين قال كلمته صار ناطقًا باسم كلّ الأجيال الشابة العربية التي اعتادت النظر الى حاضرها ومستقبلها باغتراب محزن، وها هي ترى الآن أن "الحياة ممكنة".
شكرًا لأنه صنع واحدة من تلك اللحظات التي تعيد المعنى للكلمة وللقيمة وللمفهوم، وتجعلنا نستعيد شعر محمود درويش، الذي احب تونس وأحبته، حين قال في قصيدته "عن أمنيات":
"يا صديقي! لن يصب النيل في الفولغا
ولا الكونغو، ولا الأردن، في نهر الفرات!
كل نهر، وله نبع... ومجرى... وحياة!
يا صديقي!... أرضنا ليست بعاقر
كل أرض، ولها ميلادها
كل فجر، وله موعد ثائر!".