إن منهج السلف يقوم على التسليم المطلق لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تعلم الصحابة رضوان الله عليهم من هزيمة غزوة أحد، بسبب مخالفة بعض الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم درسا قاسياً، رسخ في يقينهم خطورة هذه المخالفة على دنياهم ودينهم.
ولذلك رغم ظهور الأفكار البدعية في زمن الصحابة، إلا أن الصحابة جميعاً لم ينضموا إليها بل حاربوها وفندوها، وفي هذا دلالة كافية لمن كان عاقلاً في ضلال الأفكار البدعية المختلفة، لأنها ليست مما تعلمه الصحابة الكرام من النبي صلى الله عليه وسلم!.
إن الأفكار والمناهج البدعية التي ظهرت في تاريخ الإسلام كانت لها نتائج وخيمة وآثار سلبية عديدة، ولما تكاثرت هذه البدع واتسعت مساحتها في الواقع الإسلامي نتج عنها انحلال قوة المسلمين بسبب انتشار الخرافة والترف والمجون والزهد في وسائل العلم والمعرفة، وسنتناول بعض هذه الآثار السلبية للبدع في تاريخ الإسلام بحسب ما يتسع المقام.
إن فرقة الخوارج من أوائل البدع التي ظهرت في تاريخ الإسلام، إذ ظهر جدهم الأول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حين اتهمه بعدم العدل في العطاء في غنائم حنين!! ومن هنا تشكلت السمات الأساسية للخوارج وهي الجهل والتهور وقلة الأدب والوقاحة، فمن بدهيات الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ والزلل فكيف بالظلم وهو من الكبائر العظيمة!! لقد كان الكفار يشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة والصدق، فكيف يظن مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يظلم أو يحابي!؟
ولذلك قال فيه وفي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم: "إن له أصحابا، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"( رواه مسلم)، وفي هذا الحديث يؤصل النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين منهجه الذي علمه لأصحابه الذي يقوم على التسليم للقرآن والسنة بفهم وعلم، بخلاف منهج الخوارج أصحاب العبادات الكثيرة - أكثر من عبادة الصحابة أنفسهم – مع غياب الفهم للقرآن فهو لا يصل إلى قلوبهم وعقولهم بل لا يتجاوز حناجرهم!! وأن العلم، العلم الصحيح الذي ينتج التقوى هو المعيار السليم للمفاضلة في دين الله وليس كثرة العبادة التي لا يصاحبها علم.
منهج الصحابة الذي تعلموه من القرآن والسنة في حالة عدم فهم الأمور هو: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" (النساء 83)، بالرجوع إلى أهل العلم والخبرة القادرين على الاستنباط والتحليل، وفي هذا تأكيد على عناية الوحي بالتفكير والاجتهاد واحترام التخصص، بخلاف منهج الخوارج القائم على التصدي للقضايا الكبرى والمهمة بجهل وتهور.
وهذه السمات من الجهل والتهور مع قلة الأدب والوقاحة، التي ما نزال نراها في بقايا الخوارج المعاصرين، من قتل واغتصاب للأنفس والأموال المعصومة بتبريرات سخيفة وحجج تافهة مع اجترائهم بقلة الأدب –كما في منتدياتهم - على العلماء الربانيين الذين ينكرون عليهم بالعلم والحكمة.
إن دراسة تاريخ الخوارج تؤكد هذه السمات، فحين ألب عبد الله بن سبأ – وهو من يهود صنعاء - أهل مصر والعراق على الخليفة الراشد عثمان بن عفان، بإثارة مجموعة من الشبهات الباطلة التي حين عجزوا عن اثباتها أمام عثمان وبقية الصحابة الذين ناقشوهم وجادلوهم وأرسلوا أولادهم للدفاع عن عثمان، لجأوا إلى قتله غدراً وهو يقرأ في المصحف!.
وبعد ذلك حين توافق علي ومعاوية رضي الله عنهما على التحكيم، رفض الخوارج بتأليب من ابن سبأ مرة أخرى ذلك وزعموا كفر علي لقبوله بتحكيم الرجال، وحين ناقشهم ابن عباس في ذلك رجع معه ألوف منهم، واصر بقيتهم على موقفهم فتركهم علي رضي الله عنه حتى بدوأ بقتل المسلمين فحاربهم وقضى عليهم، ولذلك قام الشقي عبد الرحمن بن ملجم الخارجي باغتيال الخليفة الرابع علي رضي الله عنه.
لقد كان من نتائج منهج الخوارج على الأمة قديماً وحديثاً:
1 - زعزعة دولة الخلافة وقتل الخليفتين الثالث والرابع وإدخال الأمة الإسلامية في دوامة من الحروب الداخلية مما فرق وحدتها وأطمع الأعداء بها، بسبب جهلهم الذي مكن الكثيرين من توجيههم، وهو ما يحصل اليوم فالدارسون لحركات التطرف والغلو المعاصرة اليوم يؤكدون حدوث الكثير من حالات الاختراق لصفوف هذه الجماعات، مثل تلاعب الأمن بجماعة مصطفى شكري وما حدث في الجزائر واعترافات جابر الفيفي مؤخراً عن تنظيم القاعدة في اليمن والتوجيه الإيراني لعملياتهم وغيرها كثير.
2 - ترسيخ منهج الجهل والتهور وإشاعة روح التكفير والعنف بدلاً من لغة العلم والحوار، فلاحظ الفرق بين منهج عثمان رضي الله عنه الخليفة الذي يسمع الثوار يهددونه بالقتل فلا يوعز لأنصاره بالدفاع عنه وإبادة الثوار، بل يبقى يرفض عروض كبار الصحابة بالتصدى لهم، ولاحظ موقف علي رضي الله عنه الذي أمر بالكف عنهم طالما لم يرتكبوا جرماً مادياً، وقابل الخوارج هذه المواقف بتكفير خصومهم وهم أفضل منهم فكفروا عثمان وعلي والحسن رضي الله عنهم.
وبهذا يتضح لنا خطورة الانحراف عن منهج الصحابة في فهم الدين، وأن هذا الانحراف له آثار سيئة على الواقع المعيشي للمسلمين وله آثار سلبية أيضاً على دين المسلمين بالتشدد والتعنت في العمل بالدين، ويتمثل بتحمل أوزار قتل بعض الأبرياء وسلب أموالهم.